في كينيا وفي تطور صادم وجديد يعيد إلى الأذهان أحد أكثر الفصول إثارة للرعب في التاريخ الكيني الحديث، عثرت السلطات الكينية على مقابر جماعية جديدة تحتوي على خمس جثث على الأقل وعشرة أجزاء بشرية متناثرة في غابات قريبة من منطقة كوا بينزارو بمقاطعة كيليفي الساحلية. هذا الاكتشاف المروع، الذي تم على بعد كيلومترين فقط من موقع مأساة غابة شاكاهولا حيث لقي أكثر من 400 شخص حتفهم قبل عامين، يشير إلى استمرار تأثير التعاليم الدينية المتطرفة التي تسببت في واحدة من أسوأ الكوارث المرتبطة بالطوائف الدينية في كينيا في العصر الحديث.
جاء هذا الاكتشاف بعد أن أمرت محكمة كينية باستخراج الجثث من قبور ضحلة في أطراف مدينة ماليندي بمقاطعة كيليفي، حيث يشتبه في أن الضحايا قضوا جوعاً أو اختناقاً نتيجة تبني معتقدات دينية متطرفة. وقالت النيابة العامة الكينية إن المحققين يشتبهون في أن عدة أشخاص قُتلوا عن طريق التجويع والاختناق، مرجحة أن الضحايا تعرضوا لذلك نتيجة تبنيهم وترويجهم لأيديولوجيات دينية متطرفة. وتشير التقارير إلى أن السلطات تحقق مع 11 مشتبهاً بهم في هذه القضية المروعة، مع احتمال وجود 27 مقبرة جماعية إضافية قريبة مما يزيد من مخاوف ارتفاع عدد الضحايا.
وقد أفاد الطبيب الشرعي الحكومي ريتشارد نيوروجي أن عملية استخراج الجثث ستستأنف يوم الجمعة وسط مخاوف من ارتفاع عدد القتلى، مؤكداً أن الفريق يعامل هذه القضية “بأقصى درجات الجدية”. وأضاف أنه إلى جانب الجثث الخمس، عثر المحققون على عشرة أجزاء بشرية متناثرة من الغابات القريبة، مما يشير إلى احتمال وجود المزيد من الضحايا. وقد أمرت المحكمة بإجراء فحوصات ما بعد الوفاة، وتحاليل الحمض النووي، واختبارات السموم على الجثث المستخرجة لتحديد أسباب الوفاة بدقة.
يعيد هذا الاكتشاف الجديد إلى الأذهان مأساة غابة شاكاهولا المروعة التي هزت الضمير العالمي في عام 2023. في تلك الكارثة، تم استخراج أكثر من 400 جثة من قبور ضحلة، كان ضحاياها أتباعاً لكنيسة “غود نيوز إنترناشونال” التي كان يقودها القس بول ماكنزي نثينغي. هذا الرجل، الذي عمل سائقَ سيارة أجرة في تسعينيات القرن الماضي قبل أن يظهر عام 2003 مدعياً أنه قس ويؤسس جماعته الدينية، اتُهم بإقناع أتباعه بتجويع أنفسهم وأطفالهم حتى الموت من أجل “لقاء يسوع” والدخول إلى الجنة قبل نهاية العالم.
وقد أظهرت التحقيقات أن ماكنزي شجع أعضاء كنيسته على الانتقال إلى غابة شاكاهولا النائية “للاستعداد لنهاية العالم”، وطلب منهم إتلاف الوثائق الرسمية. أظهرت التقارير الطبية بعد تشريح الجثث أن سبب الوفاة كان الجوع في معظم الحالات، بينما قضى بعض الضحايا خنقاً أو ضرباً. وقد وجهت للرجل تهم متعددة تشمل القتل والإرهاب والقسوة وتعذيب الأطفال، ولا يزال رهن الاحتجاز بانتظار محاكمته.
ويعود تاريخ أنشطة ماكنزي الإجرامية إلى سنوات قبل اكتشاف مأساة شاكاهولا. فقد اعتقل في عام 2017 بتهمة “التطرف” بعدما حث عائلات على عدم إرسال الأطفال إلى المدارس بحجة أن “الكتاب المقدس لا يعترف بالتعليم”. ثم ألقي القبض عليه مرة أخرى في عام 2023 للاشتباه بقتله طفلين، لكن أطلق سراحه بكفالة قدرها 100 ألف شلن كيني (نحو 700 دولار) قبل أن يسلم نفسه للشرطة في أعقاب اكتشاف مقابر شاكاهولا.
وبحلول نهاية يوليو 2023، ارتفع عدد الضحايا إلى 429 شخصاً، بينهم العديد من الأطفال. وقد عثر على جثث مكدسة في حفر، حيث احتوت إحداها على ما يصل إلى ست جثث، بينما تركت جثث أخرى ملقاة على الأرض. وفي مارس 2024، سلمت السلطات جثامين 33 شخصاً فقط تم التعرف عليهم لذويهم، بينما بقي أكثر من 390 جثة مجهولة الهوية بسبب غياب الوثائق التي تثبت هويات الضحايا.
أدت هذه المأساة إلى انتقادات لاذعة للسلطات الكينية لعدم توقيف ماكنزي في فترات سابقة رغم توجيه عدة اتهامات له. ودفعت الأنباء الصادمة الرئيس وليام روتو للتعهد بقمع “الحركات الدينية غير المقبولة”، وشبه تصرفات الطائفة بـ”الأفعال الإرهابية”. كما أعلن وزير الداخلية كيثوري كينديكي عن عزم الحكومة تشكيل قوة مكلفة بضبط الأنشطة الدينية في كينيا التي يبلغ عدد كنائسها نحو 4000 كنيسة.
وقد برزت تساؤلات حول كيفية تمكن هذه الطائفة من ممارسة نشاطها دون أن يتم اكتشافها على الرغم من رصد الشرطة لماكنزي قبل ست سنوات من الكارثة. كما اتسعت التحقيقات ل تشمل القس الثري إيزكييل أوديرو، المعروف بخطبه التلفزيونية، والذي يشتبه بارتكابه جرائم قتل والمساعدة على الانتحار والخطف والتطرف وجرائم ضد الإنسانية.
اقرا المزيد:-
كينيا: زعيم الطائفة الكينية بول ماكنزي متهم بـ 191 جريمة قتل
كينيا.. حظر 5 كنائس منها كنيسة القس بول ماكنزي المتسبب في مقتل 425 شخص جوعاً
كينيا .. رعب في نيروبي عقب هروب ” سفاح النساء ” من السجن
قصة « سليمة » الكينية التي نجت وأطفالها من مصير طائفة “الجوع حتى الموت” في كينيا
