” رحلة الحنين إلى الوطن ” .. الكاتب الصحفي السوداني عزمي عبد الرازق يروي لـ ” أفرو نيوز 24 ” تفاصيل عودته إلى السودان عبر ” قطار الأمل “
قصة العودة هى ملحمة وطنية بكل ما تعنيه هذه الكلمة
>> الرحلة استعادة لصورة الوطن بكل ما تحمله من شوق وكرامة وأمل في الغد
>> علي متن القطار تذكرت أغنية الفنان محمد وردي والشاعر صلاح أحمد إبراهيم “الطير المهاجر”
>> (شكراً مصر) ترددت في أرجاء المحطة والقطار .. ومشاهد التلاحم الإنساني بين المصريين والسودانيين كانت مؤثرة للغاية
>> مشاهد الوداع من المصريين لجيرانهم السودانيين كانت مؤثرة للغاية وتجسّد معاني الوفاء والتآخي
>> الرحلة كانت مثالاً للانضباط والتعاون.. والمبادرة وفرت كل سبل الراحة للعائدين
>> المهندسة أميمة عبد الله استطاعت بجهدها وفريقها أن تمنح آلاف السودانيين تجربة مختلفة أعادت لهم الثقة في مؤسسات الدولة
>> إجراءات التسجيل بسيطة وعادلة.. وعودة أكثر 100 ألف سوداني عبر المبادرة أكبر دليل علي نجاح المبادرة
>> الخرطوم تستعيد أنفاسها بعد الحرب .. والأسواق عادت تدريجيًا والخدمات تتحسن.. والمدينة تفتقد فقط لأهلها
>> رسالتي إلى السودانيين في الخارج : العودة ليست مغامرة بل مشاركة في صناعة المستقبل.. والوطن ينتظركم
مع كل رحلة من رحلات قطار العودة الطوعية في إطار مبادرة العودة الطوعية التي تنظمها منظومة الصناعات الدفاعية السودانية ، تتجدد المشاعر وتختلط الدموع بالابتسامات على وجوه المواطنين السودانيين الذين قرروا العودة إلى وطنهم السودان بعد سنتين من الغياب في مصر وطنهم الثاني , مشاهد الوداع والفرحه التي تكسو الوجوه تروي قصصًا مليئة بالحنين والأمل، فكل خطوة نحو القطار تحمل وعدًا بلقاء الأهل والأحباب، وتجسد معنى الانتماء وحب الوطن الذي لا يبهت مهما طال الغياب.
“أفرو نيوز 24” أجري حوارًا مع الكاتب الصحفي السوداني عزمي عبد الرازق، أحد العائدين عبر قطار العودة الطوعية، ليروي لنا تجربته الإنسانية في طريق العودة إلى الوطن، وما حملته تلك الرحلة من مشاعر وأحلام وذكريات.
وفيما يلي نص الحوار :
>> في البداية، كيف تصف لنا تجربتك في العودة إلى السودان عبر إحدى رحلات قطار “العودة الطوعية” التي تنظمها منظومة الصناعات الدفاعية؟
تجربتي في العودة كانت استثنائية ومفعمة بالمعاني، وهى عودة إلى الجذور، إلى الوطن بعد نزوح طويل، وعلى متن قطار خُصص بالكامل للسودانيين، تذكرت أغنية الفنان محمد وردي والشاعر صلاح أحمد إبراهيم “الطير المهاجر”، وتذكر قطار الشوق، فبدت لي الرحلة كما لو أنها استعادة لصورة الوطن، بكل ما تحمله من شوق وكرامة وأمل في الغد، شعرت أنني أعود ليس فقط إلى أرضي، بل إلى معركة البناء والانتماء، لأكون جزءاً من عملية الإعمار والمساهمة في تجاوز ما خلّفته الحرب و ميليشيا الدعم السريع من دمار، وقد تأكد لي تماماً أن قصة العودة هى ملحمة وطنية، بكل ما تعنيه هذه الكلمة.
الشعور بالانتماء يرافق الجميع
>> ما أبرز المشاهد أو اللحظات التي أثّرت فيك خلال الرحلة من مصر إلى السودان؟
منذ انطلاق القطار، كان الشعور العميق بالانتماء يرافق الجميع، لم نشعر في مصر أننا في بلد غريب، بل في امتداد طبيعي لبيتنا الكبير، ولذلك أصبحت نغمة “شكراً مصر” تتردد في أرجاء المحطة، مشاهد التلاحم الإنساني بين المصريين والسودانيين كانت مؤثرة للغاية، إذ بدا واضحاً أن ما يجمع الشعبين يتجاز الحدود، كلما توغلنا جنوباً ازداد التشابه في الملامح والعادات والأغاني، وحتى الأزياء، وقد جسدت الرحلة، بكل تفاصيلها، وحدة الهدف والمصير بين البلدين.
>> كيف تقيّم تنظيم الرحلة من حيث الإجراءات والخدمات وسهولة التنقل؟
بكل صدق، التنظيم كان مميزاً ومنضبطاً، الإجراءات بسيطة وواضحة، ومعلومات التسجيل متاحة على صفحات المبادرة التي تشرف عليها منظومة الصناعات الدفاعية، والمبادرة لم تكتفِ بتوفير التذاكر فحسب، بل قدّمت وجبات ومواصلات مريحة وآمنة تقل العائدين إلى وجهاتهم داخل السودان. الأهم من ذلك أن فريق العمل كان متواجداً في كل محطة لتقديم المساعدة والإجابة على أي استفسار، مما جعل الرحلة تجربة إنسانية بامتياز.
إشادة بدور اللجنة المنظمة
>> ما تقييمك لدور الجهات المنظمة .. وخاصة لجنة العودة الطوعية برئاسة المهندسة أميمة عبد الله؟
لا بد من الإشادة بالدور الكبير الذي تقوم به اللجنة بقيادة المهندس أميمة عبد الله، فهى تمتلك وعياً عميقاً، وصبراً نادراً، وإيماناً راسخاً بما تقوم به. حضورها الإنساني الطاغي جعلها قريبة من الناس وهمومهم، وقد استطاعت بجهدها وفريقها أن تمنح آلاف السودانيين تجربة مختلفة أعادت لهم الثقة في مؤسسات الدولة، وفي منظومة الصناعات الدفاعية والقوات المسلحة السودانية على وجه التحديد، وبالتالي هذا المشروع هو جبهة مدنية موازية للقتال في الميدان، جبهة لإعادة الحياة وإحياء الأمل.
>> كيف تمت إجراءات تسجيلك؟ وهل ما يُقال عن وجود وساطات في اختيار المسافرين صحيح؟
التسجيل تم ببساطة وشفافية، وقد تواصلت مع فريق المبادرة عبر رسائل الواتس أب، وأرسلت لهم صورة من جوازي، وخلال أسبوعين تمت برمجة رحلتي، في يوم السفر استلمت التذكرة والوجبة من محطة رمسيس بكل سلاسة، أما الحديث عن الوساطات، فأراه مبالغاً فيه، ربما هناك مراعاة لبعض الحالات الإنسانية الخاصة، لكن لا وجود لوساطات بالمعنى المعروف، والدليل أن المشروع نجح حتى الآن في تفويج أكثر من مئة ألف سوداني عبر الإجراءات ذاتها، من كافة أنحاء السودان، وهذه الأرقام تتحدث عن تجربة عادلة ومنظمة، وأغلب من التقيتهم أكدوا شعورهم بالرضا والشكر، لمصر التي استقبلتهم، وللسودان الذي أعادهم بعزّة، وأنا على قناعة بأن التجربة في حالة تطور مستمر.
مشاهد الوداع
>> كيف كانت الأجواء داخل القطار؟ وهل سادت روح التضامن والأمل بين الركاب؟
الأجواء كانت مفعمة بالأمل والدفء الإنساني. الأطفال يلوّحون من النوافذ، والنساء يذرفن دموع الفرح، وكبار السن يتهامسون بالدعاء للوطن.. مشاهد الوداع من المصريين لجيرانهم السودانيين كانت مؤثرة للغاية، تجسّد معاني الوفاء والتآخي، كما أن تعاون الجهات المصرية، من هيئة السكك الحديدية إلى فرق التنظيم، كان مثالياً، كانت الرحلة أكثر من مجرد تنقل، كانت جسراً وجدانياً بين شعبين متحابين.
>> بعد غيابك عن الخرطوم لعامين، ما أول ما لفت انتباهك عند وصولك؟
الخرطوم بدت لي وكأنها تستعيد أنفاسها الأولى بعد هزيمة قوات حميدتي، حركة الأسواق عادت تدريجياً، ووسائل النقل تعمل بانتظام في أم درمان وبحري، بينما لا تزال بعض مناطق وسط الخرطوم بحاجة للمزيد من الوقت والجهد، الملاحظ أن الكهرباء والخدمات الأساسية بدأت في التحسن، والمستشفيات فتحت أبوابها مجدداً. شعرت أن الخرطوم تفتقد أهلها أكثر، فلو عادت الأسر إلى بيوتها لامتلأت المدينة بالحياة من جديد، فالإنسان هو روح المكان ومحور التنمية.
>> كيف تصف الوضع الأمني والمعيشي في العاصمة الآن مقارنة بما قبل مغادرتك؟
الفرق كبير، هناك انتشار واضح لقوات الشرطة والأمن، ونقاط تفتيش منظمة في مداخل العاصمة، كما تشهد المدينة حملات لتنظيم الشوارع وإزالة العشوائيات والمركبات التالفة، إضافة لترحيل الأجانب غير المقننين، كل ذلك يشير إلى مجهود حقيقي لإعادة الانضباط والنظافة والأمان، وهى مؤشرات إيجابية تؤكد أن العاصمة في طريقها إلى التعافي الكامل.
>> هل لاحظت جهوداً لإعادة الخدمات الأساسية خاصة في القطاع الصحي؟
بالفعل، لاحظت نشاطاً ملحوظاً في القطاع الصحي. مستشفيات مثل “دريم للولادة” و”حاج الصافي” و”مستشفى النو” تعمل بصورة طبيعية، والمرافق الصحية في أم درمان عادت إلى الخدمة، وبعضها لم يتوقف بالأساس. الأسواق عادت للحركة، والمواصلات متوفرة في الميناء البري، وطلاب المدارس بالزي الرسمي في بعض الأحياء — كلها دلائل على عودة الحياة. كما أن المناطق التي استعادت القوات المسلحة السيطرة عليها تشهد تحسناً سريعاً في الخدمات وعودة النازحين إلى منازلهم.
>> كيف تقيّم معنويات المواطنين الذين عادوا إلى الخرطوم؟
المعنويات مرتفعة بشكل ملحوظ. الناس مؤمنة بأن العودة هي الخطوة الأولى نحو الاستقرار والبناء, لا أحد يخاف من تهديدات مسيّرات الميليشيا بعد اليوم، فالإرادة أقوى من الخوف , صحيح هناك مخاوف من انتشار الأمراض بسبب آثار الحرب، لكن روح التحدي والصمود هي السائدة , ما تحتاجه المرحلة هو تكثيف الجهد الحكومي وعودة المؤسسات الرسمية إلى العاصمة لتكون قريبة من المواطنين واحتياجاتهم اليومية.
العودة ليست مغامرة
>> أخيراً، ما رسالتك للسودانيين المقيمين في الخارج الذين يفكرون في العودة؟
قرار العودة قراراً شخصياً، وكل أسرة لديها ظروفها المختلفة، لكنني أقول لهم بصدق: لا تصدقوا الصورة القاتمة التي ترسمها بعض وسائل الإعلام. الأوضاع في السودان تتحسن يوماً بعد يوم، وهناك مؤشرات حقيقية على التعافي. العودة ليست مغامرة، بل مساهمة في استعادة الحياة وهزيمة مشروع الحرب الذي أراد إفراغ الأرض من سكانها، واختلال السودان ونهب موارده.. الوطن ينتظركم، ومن يعود اليوم سيكون جزءاً من قصة النهوض من جديد.
إقرأ المزيد :
غدًا انطلاق رحلة جديدة لـ “قطار العودة الطوعية ” .. وهذه هي الأرقام الرسمية للتسجيل في المبادرة




