الكاميرون تشتعل عقب اعلان فوز بول بيا بالولاية رقم 8 والغضب الشعبي يجتاح الشوارع
إغلاق المتاجر والمدارس والأحياء تحولت إلى مناطق شبه معزولة والسلطات تقطع الإنترنت جزئيًا للحد من انتشار المظاهرات

تعيش الكاميرون منذ مساء الاثنين حالة من الاحتقان السياسي والانفجار الشعبي غير المسبوق، عقب إعلان المجلس الدستوري فوز الرئيس المخضرم بول بيا بولاية رئاسية ثامنة، ليمدد حكمه الذي بدأ قبل أكثر من أربعة عقود، وتتحول شوارع المدن الكبرى، وعلى رأسها دوالا، إلى بؤر غضب ومواجهات بين المواطنين وقوات الأمن.
بول بيا، الذي يبلغ من العمر 92 عامًا، يعد من أقدم القادة في العالم بقاءً في الحكم، إذ يتولى قيادة الكاميرون منذ عام 1982 بعد استقالة الرئيس الأسبق أحمدو أهيدجو، ورغم تقدمه في السن وتكرار الوعود بالإصلاح، فإن بيا ما زال يحتفظ بقبضته الحديدية على السلطة، معتمدًا على شبكة من الموالين داخل مؤسسات الدولة والجيش والحزب الحاكم، ويرى مراقبون أن إعادة انتخابه، رغم اعتراضات المعارضة، تشكل “استمرارا لمنظومة حكم تقليدية لم تعد قادرة على قراءة التحولات الجديدة داخل المجتمع الكاميروني“.
وفي دوالا، العاصمة الاقتصادية في الكاميرون وأكبر مدن البلاد، تصاعدت الاحتجاجات لليوم الثاني على التوالي، وقال شهود عيان: إن مئات المتظاهرين خرجوا إلى الشوارع منذ فجر الثلاثاء، مرددين شعارات تطالب برحيل النظام وبتدخل المجتمع الدولي لوقف ما وصفوه بـ”المسرحية الانتخابية“.
وأكد ماكس ندونجمو أحد سكان المدينة قائلا:ً لقد صدمتني النتيجة بشدة، كدت أكسر التلفاز عندما سمعت الخبر. ما يحدث ليس ديمقراطية، بل نفاق سياسي مستمر. الشعب تعب، ولا بد من التغيير“.
شهدت المدينة مساء الاثنين اشتباكات عنيفة استخدمت خلالها الشرطة الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي لتفريق الحشود، فيما تحدثت تقارير غير رسمية عن إصابات واعتقالات بالعشرات.
كما أُغلقت المتاجر والمدارس، وتحولت بعض الأحياء إلى مناطق شبه معزولة بعد أن قطعت السلطات الإنترنت جزئيًا للحد من انتشار صور المظاهرات على مواقع التواصل.
اما زعيم المعارضة عيسى تشيروما باكاري وصف النتائج بأنها “مهزلة انتخابية مكتملة الأركان”، مؤكدًا أن حزب الرئيس استخدم أجهزة الدولة وأدواتها لترهيب الناخبين والسيطرة على لجان الفرز.
وقال باكاري في مؤتمر صحفي عقده في ياوندي: لن نعترف بهذه النتائج، ولن نصمت على ما يجري. الكاميرون ليست ملكًا لعائلة أو لحزب، إنها دولة لشعبها، وشعبها يريد التغيير، وتشير تقديرات مراكز بحث مستقلة إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات لم تتجاوز 45%، وسط دعوات لمقاطعة التصويت واتهامات بعمليات تزوير ممنهجة في مناطق الشمال والجنوب الغربي.
الأحداث في الكاميرون لم تعد شأنًا داخليًا فحسب، بل أصبحت محط قلق أفريقي ودولي واسع، فقد أعرب الاتحاد الأفريقي في بيان مقتضب عن “قلقه البالغ” ودعا جميع الأطراف إلى ضبط النفس والالتزام بالقنوات القانونية للطعن في النتائج، أما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فدَعَوا إلى فتح حوار سياسي شامل يضم الحكومة والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني لتجنب انزلاق البلاد نحو الفوضى.
وفي المقابل، أكد متحدث باسم الحزب الحاكم أن “الانتخابات تمت بشفافية كاملة وتحت إشراف مراقبين دوليين”، معتبراً أن ما يحدث في الشارع هو “محاولة من المعارضة لجر البلاد إلى الفوضى“.
المشهد السياسي المتأزم في الكاميرون ليس وليد اللحظة؛ فخلال السنوات الماضية واجهت البلاد أزمات متلاحقة، أبرزها النزاع المسلح في المناطق الناطقة بالإنجليزية، حيث تطالب حركات انفصالية بإقامة دولة مستقلة تُعرف باسم “أمبازونيا“.
كما تشهد مناطق الشمال هجمات متكررة من جماعة بوكو حرام القادمة من نيجيريا، في حين يعاني الاقتصاد من تباطؤ حاد وارتفاع في معدلات البطالة والفقر.
ويرى الخبير السياسي الأفريقي د. موسى كوامي أن ما يحدث في الكاميرون اليوم هو “انفجار تراكمات لسنوات طويلة من التهميش السياسي والاقتصادي”، مضيفًا: جيل الشباب لم يعد يرى في نظام بيا أفقًا للمستقبل. إنهم يريدون دولة جديدة، مؤسسات جديدة، ونخبة سياسية مختلفة.”
وتخشى الأوساط الدبلوماسية في ياوندي من أن تمتد رقعة الاحتجاجات إلى مناطق أخرى إذا لم تستجب الحكومة بسرعة لمطالب التهدئة، مصادر أمنية تحدثت عن نية السلطات فرض حظر تجول شامل في بعض المدن خلال الساعات المقبلة، مع استمرار قطع الإنترنت مؤقتًا “لدواعٍ أمنية“.
ومع كل هذه التطورات، تبقى الكاميرون أمام مفترق طرق حاسم: إما أن تنصت السلطة لصوت الشارع وتفتح حوارًا وطنيًا واسعًا، أو أن تستمر في نهجها التقليدي الذي قد يدفع البلاد إلى عزلة سياسية وانفجار داخلي يصعب احتواؤه.
المشهد في الكاميرون اليوم يعكس مأزقًا سياسيًا تعيشه كثير من دول أفريقيا جنوب الصحراء، حيث يتصادم جيل التغيير مع أنظمة الحكم القديمة التي تجاوزت نصف قرن من الزمن، وإذا لم تتجه القيادة الكاميرونية إلى إصلاح سياسي جاد، فقد تكون هذه الولاية الثامنة بداية النهاية لأحد أقدم الأنظمة في القارة.
إقرا المزيد:-
الكاميرون تعيش ازمة سياسية بين صناديق الاقتراع ودوامة الطعون السياسية
الكاميرون تعيش ازمة سياسية بين صناديق الاقتراع ودوامة الطعون السياسية
الكاميرون : اعلان تشيروما نفسه فائزًا بالإنتخابات الرئاسية بداية زعزعة للإستقرار




