الرأي

الكاتب النيجري سليمان يحيى آل مختار يكتب : خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة .. تحقيق للسلام أم مناورة سياسية ؟

في قلب صراع فلسطين المحتلة المستمر منذ عقود، وبين تأجيج النيران في غزة، وحوائط السياسة في واشنطن وتل أبيب، يقف الرئيس الأميركي ” دونالد ترامب” ورئيس الوزراء الإسرائيلي ” بنيامين نتنياهو ” على مفترق طرق تاريخي.

في اعقاب هذا اللقاء الذي جمع ترامب ونتنياهو في سبتمبر 2025، داخل المكتب البيضاوي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطة مؤلفة من 20 بندًا تهدف إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ ما يقارب العامين، تتضمن الوثيقة مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى وقف إطلاق النار، إطلاق سراح الأسرى، انسحاب القوات الإسرائيلية.

فهذه الخطة التي جرى الترويج لها في ثوب دبلوماسي يرفع شعار “السلام”، سرعان ما وجهت بانتقادات واسعة من جانب الخبراء الذين اعتبروا أنها تهدف في جوهرها إلى تقديم القضية الفلسطينية في صورة أزمة إنسانية وأمنية فحسب، بعيدًا عن بعدها السياسي كقضية تحرر وحقوق شعبية مشروعة.

تحقيق للسلام أم فرض الاستسلام؟

وبحسب ” محمد رضا مرادي” المدير العام للأخبار الدولية والأجنبية في وكالة مهر: فإن خطة الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” المكونة من عشرين نقطة، والتي قُدّمت بهدف “إنهاء الحرب في غزة”، لن تُفضي إلى سلام دائم فحسب؛ بسبب طبيعتها الأحادية الجانب، وانحيازها الواضح إلى المصالح الإسرائيلية، وتجاهلها للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، بل ستُؤجج أيضًا تصعيد الصراع وترسيخ هياكل الاحتلال.

ووفقا لمرادي فإن الخطة لن تؤدي إلى السلام الحقيقي لأمور آتية:

1- *الانحياز الأحادي الجانب للكيان الصهيوني: 

من الواضح أن خطة ترامب مصممة لخدمة مصالح الكيان الصهيوني، وبدلاً من خلق توازن بين الأطراف، تعمل لصالح إسرائيل، وتسعى الخطة إلى القضاء على القضية الفلسطينية ومقاومتها دون وضع أي قيود على العمليات العسكرية الإسرائيلية. حتى أن ترامب هدد بأنه إذا لم تقبل حماس الخطة، فسيُمنح نتنياهو “الضوء الأخضر” “لإنجاز المهمة”، وهي عبارة تعني استمرار الهجمات العسكرية وقتل المدنيين الفلسطينيين.

هذه الأحادية الجانب، المتجذرة في دعم أمريكا غير المشروط لإسرائيل، تقضي على أي إمكانية لإحلال السلام الحفيقي – كما يزعم الرئيس الأمريكي.

ولكي يكون لدى أي خطة فرصة للنجاح، يجب أن تكون محلية وليست مفروضة من الخارج.

2- تجاهل الحقوق الأساسية للفلسطينيين:

لا تذكر خطة ترامب الحقوق غير القابلة للتصرف للفلسطينيين، بما في ذلك حق العودة والاستقلال وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

وبحسب تصريحات زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، فإن “ما أُعلن عنه في المؤتمر الصحفي بين ترامب ونتنياهو هو اتفاق أمريكي إسرائيلي يعكس الموقف الإسرائيلي تمامًا”. باقتراح إدارة غزة من قبل جهة أجنبية دون مشاركة فلسطينية حقيقية، تتجاهل الخطة سيادتهم الوطنية وتُحوّل الفلسطينيين إلى أقلية مُسيطرة.

3- تطبيق غير واقعي :

يواجه تنفيذ خطة ترامب عدة عقبات عملية، أولًا، قد تتعرض المقاومة الفلسطينية لضغوط إقليمية ودولية، لكن من غير المرجح أن توافق على نزع سلاحها بالكامل ، ثانيًا، تُعارض العديد من العربية والإسلامية بشدة فكرة التهجير القسري للفلسطينيين أو فرض إدارة أجنبية على غزة. هذه المعارضة، إلى جانب انعدام ثقة الفلسطينيين العميق بترامب وبلير، تجعل الخطة شبه مستحيلة لتحقيق السلام.

ومن خلال ذلك يظهر جليا أن خطة ترامب تسعى لفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني في قضيته الاسياسية وتوفر لدولة الاحتلال وحلفائها من الدول الداعمة تحقيق ما عجزت تحقيقه بالقوة.

غموض ينتاب خطة ترامب

وبالرغم من الترحيب الدولي الواسع الذي حظيت به خطة ترامب وما تضمنته من وعود بوقف الحرب وإعادة الإعمار، إلا أنها مليئة بالألغام والألغاز، إضافةً إلى تجاهلها لقضايا جوهرية أبرزها التعامل مع القضية الفلسطينية وكأنها ملكية لترامب وحلفائه، حيث إنها تتجاوز أصحاب القضية سواء منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد، أم دولة فلسطين التي تحظى باعتراف حوالي 160 دولة من أصل 193 هم أعضاء الأمم المتحدة، كما تشترط نزع سلاح المقاومة بما يضعف الموقف الفلسطيني، مع غياب ضمانات حقيقية لوقف العدوان الإسرائيلي، وفرض إدارة انتقالية ذات طابع دولي على غزة بما يمس بالسيادة الوطنية، وتركيز مفرط على الحلول الاقتصادية دون معالجة جوهر الصراع وهو الاحتلال.

من التساؤلات التي تطرح نفسها في خطة ترامب:

 من سيحكم قطاع غزة وما دور السلطة الفلسطينية في ذلك؟

تقترح خطة ترامب إنشاء “مجلسا للسلام”، وهو هيئة دولية برئاسة دونالد ترامب وحضور توني بلير، والتي ستشرف على لجنة فلسطينية “تكنوقراطية وغير سياسية” لإدارة الخدمات العامة والشؤون الحضرية في غزة، لكنها لم توضّح الخطة كيفية تشكيل اللجنة الفلسطينية التي ستكون إدارة انتقالية مؤقتة، أو الجهة التي ستختار الأعضاء.

وعليه: فإن خطة ترامب أغفلت الكشف عن الجهة التي ستختار الإدارة الانتقالية لقطاع غزة

إلى ذلك، فإن هناك تساؤلاً حول طبيعة العلاقة بين “مجلس السلام” والإدارة الانتقالية الفلسطينية، ومدى التفويض الذي قد تحصل عليه الأخيرة في اتخاذ القرارات،

كما يبرز التساؤل حول ما إذا كانت هناك علاقة فنية بين الإدارة الانتقالية والحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية،

ولم تحدد بنود خطة ترامب الجدول الزمني الذي ينقل إدارة قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، ومعايير استيفائها لشروط الانتقال.

 ما هو الجدول الزمني للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة؟

من نقاط الضعف الأساسية في خطة ترامب عدم التزامها بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة.

تقترح الخطة انسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية من غزة دون جدول زمني مُحدد، مما يعني الحفاظ على السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الأجزاء الشمالية والجنوبية من غزة.

إلى ذلك فإن الخطة تنص على بقاء إسرائيل في “محيط أمني”، إلى أن “يتم تأمين غزة بشكل كامل من أي تهديد إرهابي متجدد”، وهذا النص قد يمنح الاحتلال مناورة بشأن الالتزام بتنفيذ قرار الانسحاب الشامل.

قال المحلل الفلسطيني هاني المصري: “إن فشل الخطة في تحديد انسحاب حقيقي للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة من خلال انسحاب تدريجي دون حد زمني يعني أنه ستبقى السيطرة الأمنية الإسرائيلية قائمة حتى إشعار آخر. وهذا يتناقض مع ادعاء ترامب بأن “إسرائيل لن تحتل غزة”.

 طبيعة القوة الدولية ومهامها

لم تحدد خطة ترامب من هم “الشركاء العرب والدوليون” الذين سيشاركون في “قوة الاستقرار الدولية المؤقتة”، وماهيتها، فيما إذا سيقتصر دورها على “المراقبة” أم “فرض السيطرة” في غزة، مع مدى تقبّل الفصائل الفلسطينية لها.

كما أن تدريب قوات الشرطة الفلسطينية سيتطلب مشاركة من السلطة الفلسطينية، سواء على صعيد الترتيبات الأمنية أو اللوجستية أو الإدارية، ما يطرح التساؤل حول قبول الاحتلال لذلك من عدمه.

 مصير الدولة الفلسطينية؟

تُثار المخاوف من المماطلة والرفض الذي قد يضعه نتنياهو أمام إمكانية نقل إدارة قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، ليبقى حال القطاع تحت “وصاية دولية” قد يُقوّض تقادمها إمكانية الحديث عن توحيد الأراضي الفلسطينية أو “حل الدولتين”.

ويتحدث البند 20 من خطة ترامب عن إطلاق حوار بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي يتعلق بـ”التعايش السلمي”، دون تحديد معالم هذا الأفق، في ظل السعي الإسرائيلي إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية والواقع الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية هناك.

وتشترط الخطة التقدم في تطبيق برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية “بأمانة”، من أجل تهيئة الظروف للحديث عن دولة فلسطينية.

تداعيات محتملة لخطة ترامب 

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي ” محمد القيق ” – كما نشره موقع قدس برس – فإن خطة ترامب لا تخلو من تدعيات محتملة أبرزها:

1- أن “رد حماس قد يكون بمقاييس دولية لا تقاس بمقاييس ترامب وحلفائه، مما قد يعمّق عزلة نتنياهو ويقوّي موقف الفلسطينيين إلى حد إحراق ورقة ترامب”.

2 – أن “الموقف الفلسطيني قد يتخذ صيغة (نعم ولكن…) أو قد يطالب بأن (آن الأوان للأميركي أن ينصاع للإرادة الدولية ويتوقف عن الالتفاف عليها)، مع دعوة الشارع الأميركي إلى إيقاف مشاركة ترامب العلنية في ما وصفه بالقمع والإبادة”.

3- أن “هذه الخطوة قد تنقلب لتصبح خطةً لعزل ترامب والوساطة الأميركية نفسها، وأن ما يقوم به ترامب عبر هذه التحركات قد يجر المنطقة إلى مزيد من التصعيد بدلاً من تحقيق هدنة أو حل سياسي جذري”، مستندًا إلى “تغيّر المزاج الدولي وتراجع مكانة ترامب على الساحة العالمية”.

وأخيرا: فهذه الخطة بالرغم من شقها الإنساني المنشود بها دوليا. إلا أنها تستهدف في جوهرها “إنقاذ” الاحتلال الإسرائيلي وإعادة تأهيله وتسويقه، وشرعنة الاحتلال، وشرعنة الوصاية الدولية، وشرعنة استئصال القضية الفلسطينية ومقاومتها، بعيدًا عن بعدها السياسي كقضية تحرر وحقوق شعبية مشروعة في محيطها الدولي والإقليمي، سواء وافقت عليها حماس أم لم توافق.

وبالتالي، فلا خيار إلا التعامل معها بالحكمة والحزم اللازمين؛ لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني.

 

* الكاتب سليمان متار مالم يحيى آل مختار من دولة النيجر .

 

اقرأ المزيد

الكاتب السوداني عمار العركي يكتب : السودان وتركيا … شراكة فعليـة وتفاهمـات مصريـة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »