الرأي

يوسف العومي – يكتب: عبد المطلب عمارة محافظ الأقصر.. من فضلك أنتبه!!!

في زمنٍ باتت فيه صورة المسؤول العام تمر سريعة كغريبٍ عابر لا يترك أثرًا، برزت في الأقصر شخصيةٌ أقلّ ما يُقال عنها إنها عكس ذلك: محافظٌ يلامس هموم الناس ويقضي حاجاتهم بنفسٍ إنسانيّ قبل أن يكون مسؤولاً إداريًا، المهندس عبد المطلب عمارة دخل المشهد المحافظاتي بقوّة هادئة؛ حضور يخلو من التعالي، وتواضع يقرّب المسافة بين المنصب والمواطن، وهو أمر لم يُعتد أن نراه منذ رحيل محافظٍ سابقٍ هو محمد بدر الذي ترك علامة في الذاكرة المحلية.

 

زُرت الأقصر قبل أيام، وكانت الأفواه تنبض بحديثٍ واحد: اسم المحافظ تذكره بالخير في الأسواق والمقاهي والمنتديات الشعبية، هذا لم يكن نتاج حملاتٍ إعلامية مصوَّرة فحسب، بل كانت انطباعًا مُجمَعًا لدى مواطنين التقيت بعضهم خلال الزيارة.

ولأن المديح في مهنة الصحافة نادر ومحرّج أحيانًا، توجهت إلى مصادر مطلعة لأتحقق من عمق التأثير قبل أن أنقل انطباعي.

البداية كانت من عند المستشار القانوني أحمد أبودوح معمر الذي وصف أداء المحافظ بعد زيارة ميدانية قام بها للقري المجاورة لقريتنا «طفنيس المطاعنة» بقوله: «هذا الرجل يكتب فصلًا جديدًا من فصول الحُكم بالإنسانية، ليس مجرد مسؤولٍ يجلس خلف مكتبٍ مغلق، بل رجلٌ يهبّ للناس قبل أن يطلبوا.» وأضاف أن صور المحافظ مع المواطنين لم تعد لقطاتٍ إعلامية عابرة، بل شهادات على مسؤولٍ يلمع في عينيه الإخلاص عندما يبحث عن هموم الناس ليعالجها.

وشهادة أخرى تأتي من المنصفين في الميزان القضائي؛ المستشار محمد ضياء الدين، الذي عرفه ميدانياً ورأى فيه «الأمانة والجدية والخلق الرفيع». يقول ضياء الدين: «عمارة قبل أن يكون محافظًا كان مثالًا للنزاهة والعمل الجاد في الهيئات التي عملنا فيها معًا»، وهذه الكلمات لا تُقال إلا من رجلٍ يعرف وزن الرجال وقيمة الأخلاق قبل المناصب.

لكنّ الصحافة ليست مدحًا خالصًا؛ فواجبها أيضاً أن تكون مرآة للمواطن، ناقلةً لتحركاته وتصرفاته وعتاباته، ومن هذا المنطلق نقلت عن أبناء قريتي «طفنيس المطاعنة» عتابًا رقيقًا لكنه جادًا: يجب ان ينتبه له المهندس عمارة وهو متي سيحين موعد الزيارة الرسمية للقرية التي تُلقّب بـ«عش الأولياء» لكونها مصدرًا لكثير من حفظة القرآن، تلك الزيارة التي ستمنح أهاليها شعورًا بأن الدولة تراهم، أهالي القرية، يتمنون أن تكون زيارة المحافظ بدايةً لمرحلةٍ من التنمية الحقيقية، لا مجرد حضور إعلامي.

لكن من بين نقاط الخلل التي لاحظتها بنفسي وأحب ان أستثمر الفرصة لنقلها للسيد المحافظ الذي لم يسبق لي أن ألتقيته أو التواصل معه، هي مشكلةٌ مرورية وبنيوية على محور الطريق من القاهرة – أسوان الغربي الذي يربط بين قري ونجوع ومدن المحافظة: فخلال عودتي من القاهرة بجنازة، أظهر تطبيق الخرائط أن مسافة السير من نهاية كوبري الأقصر الجنوبي “الضبعية” إلى طفنيس 32 كيلومترًا والمدة المتوقعة 54 دقيقة، وهو ما أثار استغرابي.

ما اتضح لاحقًا أن الطريق تأثرت بأعمال البنية التحتية، ولم تعُد الشركات المنفذة الأمور إلى سابقها: تهدّم أجزاء من الطريق، وإهمال في إعادة الرصف، وانتشار مَطبات «صناعية» أَقامها الأهالي لحماية مواطنينهم من السرعة، حتى بلغ عددها قرابة 65 مطبًا، إلى جانب ظاهرة الظلام والتعدّي على حرم الطريق.

أما علي صعيد المحور الخدمي فهو يتسع ليشمل نقصًا في الخدمات الأساسية: طفنيس التي يبلغ عدد سكانها نحو 35 ألف نسمة تفتقد لوحدة صحية متكاملة، وحرمان سكان «نجع محمد عامر» التابع للقرية مد شبكة للصرف الصحي لهم، كما أن المدرسة الوحيدة بحاجة لتوسعة فصول للمرحلة الإعدادية.

وفيما يلمس الأهالي أن ملفَّات كهذه تحتاج إلى مساحات بناء وخطط تمويلية، يؤمنون أيضًا أن قرار رئيس الجمهورية بتخصيص قطعة أرض من أملاك الدولة لإنشاء مقابر جديدة للقرية خطوة حكيمة، يمكن أن تُحرر مساحة المقابر القديمة الموجودة داخل الكتلة السكنية لتُستغل في الخدمات العامة إن جرى التنفيذ سريعًا وربطها بالكهرباء والمرافق.

هنا يبرز الدور التنفيذي للمحافظ: ليس فقط استقبال الشكاوى والتقاط صورٍ مع المواطنين، بل أن يكون محركًا لإجراءات سريعة تنقل المبادرات من مرحلة الإعلان إلى طور التنفيذ.

وزيارةٌ رسميةٌ قادمةٌ إلى طفنيس—بحسب الأهالي—لن تكون مجرد حدث بروتوكولي، بل يمكن أن تكون نقطة تحول إذا صاحبتها خطة تنفيذية واضحة، وموعد محدد لربط المقابر الجديدة بالكهرباء، وتنفيذ مشروعات صحية وتعليمية وصرف صحي لمناطق محرومة.

في ختام الزيارة يبقى السؤال يعيد نفسه: هل يكفي التواضع والنية الحسنة؟ التجربة تقول إن النية وحدها لا تكفي، لكن عندما تُصاحَب بالإدارة الجدية، ومتابعة يومية، وقرارات تنفيذية واضحة، فإنها تصنع فرقًا ملموسًا في حياة الناس. ويبدو أن في عهد المحافظ عبد المطلب عمارة بدايةً لمثل هذه الرؤية: حضورٌ إنساني يجمعه طموحٌ إداري لتنفيذ ما وُعِد به.

الأمر الآن يرتبط بقدرة المحافظ على تحويل التعاطف الشعبي إلى إنجازات ميدانية قابلة للقياس، وقادرين على القول بعد ذلك إن الأقصر لم تعد فقط مدينة آثارٍ تحفظ ماضٍ افتخر به العالم، بل محافظةٌ تُقدّم نموذجًا للعمل العام الذي يجمع بين الكفاءة والإنسانية.

اقرا المزيد:-

يوسف العومي – يكتب: فلسطين المنتصرة وإسرائيل وحلفاؤها الي الوحل والعار

يوسف العومي – يكتب: معابد مصر التي سُرقت  

يوسف العومي يكتب: “الهائمون على وجوههم: بين الجنون المقدّس والاضطراب النفسي”

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »