أخبار عاجلةاقتصاد افريقي

رامي زهدي الخبير في الشؤون الأفريقية في حوار ل ” أفرو نيوز 24″ : أفريقيا تشهد حاليا « صراع  الممرات » بين القوي الكبري 

»» « ممر لوبيتو » بابا خلفيا لعودة أمريكية غربية لقارة أفريقيا 

»» “لواو” و  “كولويزي” قواعد تجارية اقتصادية قد تغير كثيرا في معادلة التنافس الدولي 

»» حتي الأن لاشئ أكبر من مبادرة « الحزام والطريق» لكن الأمور لم تنتهي بعد

 

اعتبر رامي زهدي الخبير في الشؤون الإفريقية والتجارة البينية والإستثمار نائب رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات 2050 ملف الدراسات الإفريقية ، أن القارة الإفريقية تشهد حاليا  صراعا من نوع جديد بين القوي الكبري بديلا عن صراع النفوذ والتواجد العسكري ، وهو ما يمكن أن يطلق عليه ” صراع الممرات ” ، مؤكدا  أن ممر “لوبيتو” يعد بابا خلفيا لعودة غربية أمريكية مؤثرة لقارة أفريقيا .

وقال زهدي في حوار مع أفرو نيوز 24 : أن قارة أفريقيا تنتقل في الوقت الراهن من صراع النفوذ العسكري و القواعد العسكرية بين القوي الدولية الكبري الي صراع الممرات التجارية ، مضيفا ” أن حتي هذه اللحظات المبادرة الأبرز هي مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين .

 

وفيما يلي نص الحوار :

 

 »» بداية يبدو أن قارة أفريقيا تشهد حاليا ما يمكن أن نطلق عليه «صراع الممرات التجارية» وذلك بعد طرح دول وقوي دولية كبري عدد من المبادرات التجارية مع دول قارة أفريقيا فكيف تري هذا الأمر ؟ 

 

– بالفعل يبدو أن قارة أفريقيا بدأت تنتقل من صراعات التنافس الدولي حول التواجد في القارة عبر النفوذ والقواعد العسكرية والجيوش إلي صراع من نوع جديد وهو الصراع حول الممرات التجارية سواء كانت برية أو سكك حديدية و ممرات بحرية بحرية أو حتي نهرية.  

وبالرغم من أهمية تواجد القواعد العسكرية في القارة سواء بالنسبة للدول صاحبة تلك القواعد أو للدول الإفريقية المستضيفة خاصة في ظل الهجمة الشرسة للتنظيمات المتطرفة علي دول القارة خاصة في منطقة الساحل والصحراء، إلا أن السنوات الأخيرة بدأ فيها تراجع كبير في درجات قبول الشعوب والأنظمة الإفريقية لتواجد هذه القواعد العسكرية الأجنبية علي أراضيها ، خاصة في ظل رفض دول التحرر الأفريقي الجديد للقواعد العسكرية الغربية والفرنسية والأمريكية تحديدا، في وقت تم فيه خروج القوات الفرنسية تقريبا بالكامل من منطقة الساحل الإفريقي والصحراء الإفريقية وهكذا الحال بالنسبة للقواعد الأمريكية، حيث تستعد القوة الأمريكية بالقاعدة 101 بنيامي بالنيجر للمغادرة،وهو الحال ذاته بالنسبة للقوات الأمريكية بتشاد. 

معلوم أن القواعد العسكرية بالنسبة للدول صاحبة هذه القواعد تمثل لها تواجد عسكري، أمني واستراتيجي، واستخباراتي، وتجعلها قريبة و مؤثرة في كل الأحداث، وقد تسمح لها بالتدخل السياسي والإقتصادي في الشؤون الداخلية للدول، وتحمي مصالح هذه الدول ورعاياها، وكذلك مصالح ورعايا الدول الصديقة لها، وتستخدم كثيرا من القواعد في التفاوض وفي فرض الإرادة السياسية وتوجيه القرار السياسي للدول المستضيفة والمجاورة لهذه القواعد، ويشترط أن تحظي هذه القواعد بحماية القوات المحلية للدولة المستضيفة مهما كانت القوات المحلية ذات امكانيات أقل أو محدودة تظل تمتلك قوة الجغرافيا وشرعية المؤسسية، كذلك تحتاج هذه القواعد لدعم ومساندة الدولة المستضيفة والي غطاء سياسي قوي بين الدول المستضيفة وقوات الدولة المستضافة، 

ومن وجهة أخري، تنظر الدول الإفريقية إلي القواعد العسكرية علي أنها مصدر للقوة والحماية، وترسيخ أركان الأنظمة الحاكمة، ودعم الدولة في فرض النفوذ والتفوق علي دول الجوار حتي لو كان هذا النفوذ تقديري أو معنوي، وتعتبر بعض الدول الإفريقية ان القواعد العسكرية مصدر من مصادر الدخل، ووسيلة لعلاقات سياسية واقتصادية قوية مع الدول أصحاب هذه القواعد، وبدون وجود هذه الدرجة من التوافق، تصبح القواعد العسكرية محاصرة في الدول المستضيفة وربما تصبح الحلقة الأضعف، لأن فكرة القواعد بنيت علي مركزية القوة وسرعة وإتاحة التحرك والإنتشار في النطاق الجغرافي الأكثر اتساعا من نطاق الدولة المستضيفة .

»» هل تعتقد أن هناك رابط بين حالة الرفض الشعبي في دول القارة الأفريقية لتواجد القواعد العسكرية الأجنبية والظهور المتنامي لمبادرات الممرات التجارية ؟ 

 

– في اعتقادي أنه مع تنامي سياسيات الرفض للوجود العسكري الغربي في دول القارة الأفريقية وأشير هنا إلي النيجر وبوركينا فاسو نموذجا ، بدأت فكرة السيطرة علي الموانئ البحرية التجارية، والممرات التجارية سواء البرية، أو السكك الحديدية او حتي النهرية، وإنشاء وتأسيس قواعد تجارية ومراكز لوچيستية جديدة الأكثر تأثيرا في الشعوب من القواعد العسكرية. 

فإنشاء الممرات التجارية والطرق الدولية وعبر دول القارة، وإداراتها يسمح بتواجد عسكري وأمني محدود لكنه جيد، كما يسمح بتواجد استخباراتي وأيضا تأسيس وادارة سلاسل الامداد والتموين للربط مابين نطاقات الاستكشاف للمواد الخام وبين النطاقات التصنيعية، كما تسمح الممرات التجارية الطويلة بإقامة مجتمعات حضارية ومراكز لوچيستية علي جانبي وطول الطريق سواء كانت محلية أو دولية. 

وقد كانت الصين الدولة الرائدة بين القوي الدولية في هذا الإطار حينما أطلقت مشروع ومبادرة الحزام والطريق “طريق الحرير” في العام 2013، ونفذت بالفعل مراحل متقدمة جدا من الخطة باهظة التكاليف، سواء التكاليف الإقتصادية أو السياسية، والتي جعلت القوي الغربية والولايات المتحدة الأمريكية تسعي جاهدة لوقف أو منافسة المشروع الذي يصعد بالصين فوق إطار المنافسة الدولية تماما ليجعلها منفردة وفي صدارة القوي صاحبة النفوذ والتمركز الأكبر في القارة الإفريقية، وبعد سنوات من بدء المشروع الصيني، يمكن القول، انه حتي الآن “لاشئ أكبر من الحزام والطريق” لكن الأمور لم تنتهي بعد، والمنافسة مازالت قائمة ومستمرة. 

»» هل لك أن تلقي لنا الضوء علي مبادرة الحزام والطريق ؟ 

– مبادرة الحزام والطريق والتي تعرف ب “طريق الصين الحريري” ، تعد القوة الناعمة الإقتصادية المؤثرة للصين ، حيث استفادت بكين من تراجع نفوذ القوي الغربية وسوء تحركها في القارة الإفريقية لتصعد الصين إلي صدارة السيطرة الإقتصادية مع معظم دول القارة الإفريقية

ومن أهم تحركات الصين المؤثرة في القارة الإفريقية كان اطلاق مبادرة “الحزام والطريق” وحتي الآن نجحت المبادرة والتي أطلقت في العام 2013 في تمويل وتنفيذ عدد ضخم من المشروعات التنموية الداعمة للمشروع الصيني في دول القارة الإفريقية ودول أخري، ونجحت المبادرة طبقا لبيانات البنك الدولي في زيادة التجارة البينية بين الأطراف المشاركة بنسبة 4.1٪، وزيادة حصة الإقتصاديات الناشئة والنامية في العالم بنسبة 3.6٪، بينما انتشلت المبادرة نحو 40 مليون شخص من الفقر بنهاية العام 2022، وكذلك اجتذاب المزيد من الإستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 5٪، وتنتج المبادرة منفردة نحو 1.6 تريليون دولار من الإيراد العالمي بحلول عام 2030، في وقت وفرت فيه المبادرة نحو 421 الف فرصة عمل محلية للدول المشاركة مع الصين، ورفع الناتج المحلي الإجمالي للدول ذات الدخل المنخفض سواء افريقية او غير افريقية بنسبة 3.4٪. 

وتمثل المبادرة حاليا 1.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وعلي مستوي المشروعات المنفذة، تشير الأرقام الرسمية إلي تنفيذ اكثر من 3 آلاف مشروع تنموي، بالتوازي مع توقيع الصين أكثر من 200 وثيقة حول البناء المشترك شملت 152 دولة  (تشمل دول أفريقية وغير أفريقية مشاركة في المبادرة) ، و 32 منظمة دولية، وأصبحت الصين بذلك أكبر شريك تجاري لعدد 25 دولة بالعالم. 

و مسار طريق الحرير، يشتمل علي 6 ممرات تجارية ضخمة، و 6 أنماط من الطرق، وعدد كبير من الموانئ المتطورة والنقاط اللوچيستية إضافة إلي مسارات متعددة للسكك الحديدية. 

»» وكيف تري فرص نجاح “ممر لوبيتو” الذي أطلقته الولايات المتحدة الأمريكية في منافسة مبادرة الحزام والطريق ؟

– في إطار التنافس الدولي علي القارة الإفريقية سعت القوي الدولية خاصة الغربية والولايات المتحدة الأمريكية إلي ايقاف أو تعطيل أو علي الأقل محدودية المشروع التوسعي الإقتصادي الصيني والذي هو في الأساس جزء من تحرك شرقي مؤثر في القارة، تبرز فيه روسيا بوجود وحضور مؤثر جدا، خاصة عسكرياََ وأمنياََ. 

لكن بعد فترة، يبدو أن القوي الغربية رأت أن الأنسب لها المنافسة بنفس الإسلوب، وأن إطلاق مشاريع تجارية كبري حتي وإن كانت أقل بكثير من المشروعات الصينية المقابلة إلا أنها قد تغير كثيرا في المعادلة، وقد تكون باب خلفي يسمح لعودة القوي الغربية مرة أخري إلي القارة الإفريقية، ومن هذه المشاريع مشروع “ممر لوبيتو” ، حيث يطلق عليه أيضا “الممر العابر لأفريقيا”، وهو ممر ممتد عبر نطاق جغرافي متسع، من خلال ثلاثة دول، أنجولا، الكونغو الديمقراطية، و زامبيا بشكل مباشر، و دول جوار أخري بشكل غير مباشر، يتشكل الممر من خط للسكك الحديدية بطول 1300 كيلومتر يمتد من ميناء لوبيتو الأنجولي المطل على المحيط الأطلسي غرب القارة، إلى مدينة لواو على الحدود الشمالية الشرقية لأنجولا مع جمهورية الكونغو الديمقراطية بالقرب من شمال غرب زامبيا، حيث تشكل الدولتان جزءا من منطقة ما يسمى “حزام النحاس” الأفريقي، ويسير الخط لمسافة 400 كيلومتر أخرى داخل الكونغو الديمقراطية منتهيا إلى مدينة كولويزي في قلب مناطق التعدين.

الممر مشروع قديم، اعلن عن احياءه في نهاية العام 2023، وتم توسعته ليضم زامبيا بشكل مباشر الي جانب أنجولا و الكونغو الديمقراطية. 

وممر ” لوبيتو ” ينافس بشكل واضح ممرات مناظرة تمثل جزء من طريق الحرير الصيني، وبغض النظر عن قواعد هذه المنافسة إلا أنها تفيد جهود المنطقة في دول الجنوب الإفريقي وتعلي من امكانياتها الإقتصادية، وتساهم في خلق مجتمعات تنموية أفضل، ومن وجهة نظري هذه المشروعات، أو هذا الممر تحديدا يكمل ممر آخر تحت اسم ” الحرية ” يربط ما بين “ندولا” علي الحزام النحاسي في زامبيا ومابين ميناء دار السلام إرتباطاََ بالعاصمة التنزانية “دودوما” 

الخط ستتم إدارته عدة شركات أوروبية تحت إدارة “لوبيتو أتلانتيك للسكك الحديدية” التي حازت على امتياز من الحكومة الأنجولية سيمتد لعقود من الزمن.، وبالتأكيد يوفر للولايات المتحدة الأمريكية فرص تواجد في المنطقة بشكل مؤثر ومقبول لدي الشعوب الإفريقية ويمتد لسنوات طويلة قادمة. 

وقد تم التخطيط لاستثمار ما يزيد على 450 مليون دولار أميركي في أنجولا لتحديث البنية التحتية لسكك الحديد، إلى جانب استثمار 100 مليون أخرى في الكونغو الديمقراطية وزامبيا.

وعند اكتمال المشروع سيكون خط السكة الحديد قادرا على التعامل مع حجم بضائع يبلغ 5 ملايين طن سنويا (ارتفاعا من أقل من مليون طن حاليا)، يتم الحصول عليها بشكل أساسي من الكونغو الديمقراطية وزامبيا.

ويعد ذلك المشروع أكبر استثمار أميركي في البنية التحتية في أفريقيا من خلال تقديم واشنطن دعما بقيمة 250 مليون دولار، بجانب تدفقات أخرى من الاتحاد الأوروبي ومؤسسات أخرى.

 »» إذا أردنا أن نضع توصيفا دقيقا لما يعرف ب”صراع الممرات” فما هو التوصيف الدقيق لهذا المصطلح ؟

 – يمكن توصيف مصطلح صراع الممرات بأنه صراع جيوسياسي، عسكري واقتصادي أمني واستخباراتي .. الجميع يركض في مضمار من اتجاه واحد تتصدره علامة طريق ضخمة تحمل عنوان “الي أفريقيا… لابديل” .

فالتجارة والإقتصاد أصبحا المدخل الاكثر تأثيرا للولوج للقارة الأفريقية،ففي الوقت الذي يعاني فيه الجميع اقتصاديا، تصبح القارة ملاذاََ اقتصاديا مرجحاََ ، والممرات التجارية والسيطرة عليها جزء هام من أدوات السيطرة والهيمنة. 

وفي اعتقادي أن التركيز على الممرات بصفة عامة في ظل تنافس حاد متنامي بين الصين و روسيا والقوي الغربية علي التواجد الإستراتيچي في القارة الإفريقية، يفتح المجال ربما لفرص إيجابية وتفاوضية اكبر للقارة الإفريقية، وفرص اكبر لتنمية فعالة، خاصة في البنية التحتية الإفريقية، ومعها البنية التشريعية والنظم الأمنية والإقتصادية والمجتمعية. 

بقي للقارة التحرك الحذر، واجبار القوي الدولية الساعية للتعاون مع القارة علي احترام القارة وتقدير مصالحها وانتهاج الندية والتكافؤ كأسلوب أوحد للشراكات والتعاون الإفريقي الدولي.

إقرأ المزيد

رامي زهدي يكتب :« أفريقيا » .. وحرب عالمية ثالثة مرجحة 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »