أخبار عاجلةالرأي

من القاهرة إلى القارة.. كيف تقود مصر استخدام تكنولوجيا الفضاء لتحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا

 

تشهد قارة أفريقيا تحديات تنموية معقدة ومتعددة الأوجه، بدءًا من إدارة الموارد الطبيعية وصولًا إلى التخطيط الحضري ومكافحة تغير المناخ .. في هذا السياق، تبرز تكنولوجيا الأقمار الصناعية و الفضاء كأدوات قوية ومبتكرة قادرة على توفير بيانات حيوية ومعلومات دقيقة تدعم جهود التنمية المستدامة في مختلف القطاعات.

يهدف هذا المقال إلى استعراض الدور المحوري الذي تلعبه هذه التقنيات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) في القارة الأفريقية، مع تسليط الضوء على الفرص والتحديات المرتبطة بتطبيقها.

تطبيقات تكنولوجيا الأقمار الصناعية والفضاء في التنمية المستدامة:

تتعدد تطبيقات تكنولوجيا الأقمار الصناعية والفضاء التي تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفريقيا. يمكن تصنيف هذه التطبيقات ضمن المجالات الرئيسية التالية:

1. إدارة الموارد الطبيعية والزراعة المستدامة:

• رصد الغطاء النباتي والتصحر: توفر صور الأقمار الصناعية بيانات قيمة حول حالة الغطاء النباتي والتغيرات التي تطرأ عليه، مما يساعد في رصد ومكافحة التصحر وتدهور الأراضي الزراعية 

• إدارة المياه: تساعد بيانات الأقمار الصناعية في رسم خرائط للموارد المائية السطحية والجوفية، ومراقبة جودة المياه، وتقييم تأثير الجفاف والفيضانات، مما يساهم في الإدارة المستدامة للموارد المائية.

• الزراعة الدقيقة: يمكن استخدام بيانات الأقمار الصناعية لتحليل خصائص التربة، ومراقبة نمو المحاصيل، وتحديد مناطق الإجهاد، مما يتيح تطبيق ممارسات زراعية دقيقة تزيد من الإنتاجية وتقلل من استخدام الموارد.

• مراقبة الغابات: تساعد صور الأقمار الصناعية عالية الدقة في رصد إزالة الغابات بشكل غير قانوني، وتقييم حالة الغابات، ودعم جهود الحفاظ عليها وإدارتها بشكل مستدام.

2. الرصد البيئي وتغير المناخ:

• مراقبة تلوث الهواء والمياه: توفر الأقمار الصناعية بيانات حول تركيزات الملوثات في الغلاف الجوي والمياه، مما يساعد في تقييم جودة البيئة وتتبع مصادر التلوث .

• رصد الكوارث الطبيعية: تلعب الأقمار الصناعية دورًا حاسمًا في رصد وتتبع الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف وحرائق الغابات والأعاصير، مما يتيح الاستجابة السريعة وتقديم المساعدات الإنسانية وتقليل الخسائر (.

• دراسة تأثيرات تغير المناخ: توفر بيانات الأقمار الصناعية معلومات أساسية حول ارتفاع منسوب سطح البحر، وذوبان الجليد، وتغير أنماط الطقس، مما يساعد في فهم تأثيرات تغير المناخ والتكيف معها .

3- التخطيط الحضري والبنية التحتية:

• التوسع الحضري والمستوطنات العشوائية: تساعد صور الأقمار الصناعية في تتبع النمو الحضري وتحديد المناطق التي تشهد توسعًا عشوائيًا، مما يوفر معلومات قيمة للتخطيط الحضري المستدام وتوفير الخدمات الأساسية 

• تخطيط البنية التحتية: يمكن استخدام بيانات الأقمار الصناعية في تحديد المواقع المناسبة لتطوير البنية التحتية مثل الطرق والجسور وشبكات الطاقة والاتصالات، وتقييم تأثير هذه المشاريع على البيئة.

4. الاتصالات والملاحة:

• توفير خدمات الاتصالات: تلعب الأقمار الصناعية دورًا حيويًا في توفير خدمات الاتصالات في المناطق النائية والمحرومة من البنية التحتية الأرضية، مما يعزز التعليم عن بعد والرعاية الصحية عن بعد والتجارة الإلكترونية.

• خدمات الملاحة وتحديد المواقع: تعتمد العديد من التطبيقات في مجالات النقل والزراعة والسلامة العامة على أنظمة الملاحة عبر الأقمار الصناعية (GNSS) لتحديد المواقع بدقة.

دور وكالة الفضاء الأفريقية (AfSA) ودعم مصر لتكنولوجيا الفضاء:

شهد عام 2025 علامة فارقة في تاريخ الفضاء الأفريقي مع الافتتاح الرسمي للمقر الدائم لوكالة الفضاء الأفريقية (AfSA) في مدينة الفضاء المصرية بالقاهرة. تم إنشاء وكالة الفضاء الأفريقية في الأصل عام 2018 من قبل الاتحاد الأفريقي، وتهدف إلى تنسيق وتطوير مبادرات الفضاء في القارة. يمثل استضافة مصر لمقر الوكالة اعترافًا بريادتها المتزايدة في مجال تكنولوجيا الفضاء ودعمها القوي للتعاون الأفريقي في هذا المجال 

تلعب وكالة الفضاء الأفريقية دورًا محوريًا في تعزيز التنمية المستدامة في أفريقيا من خلال عدة محاور:

• تنسيق الجهود القارية: تعمل الوكالة على توحيد وتنسيق برامج الفضاء الوطنية والإقليمية في أفريقيا، مما يقلل الازدواجية ويزيد من الكفاءة في استخدام الموارد.

• تطوير القدرات الأفريقية: تهدف AfSA إلى بناء وتنمية القدرات المحلية في مجال علوم وتكنولوجيا الفضاء من خلال برامج التدريب والتعليم المشتركة، مثل برنامج التدريب الأفريقي الذي تخرج منه بالفعل 71 متخصصًا من 34 دولة أفريقية.

• تعزيز الوصول إلى البيانات والخدمات الفضائية: تسعى الوكالة إلى ضمان وصول الدول الأفريقية بشكل أمثل إلى البيانات والمعلومات والخدمات والمنتجات المشتقة من الفضاء، والتي تعتبر حيوية لمجموعة واسعة من تطبيقات التنمية المستدامة..

• دعم السياسات والاستراتيجيات الفضائية: تتولى AfSA مسؤولية تنفيذ السياسة والاستراتيجية الفضائية الأفريقية، وتعمل على مواءمة أنشطة الفضاء مع أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 وأهداف التنمية المستدامة 

• الشراكات الاستراتيجية: تعمل الوكالة على بناء شراكات استراتيجية مع وكالات فضاء دولية ومنظمات أخرى لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات والموارد في مجال الفضاء (.

دور مصر في دعم تكنولوجيا الفضاء:

تولي مصر اهتمامًا متزايدًا بتطوير قطاع الفضاء الوطني وتعزيز التعاون الأفريقي في هذا المجال. يتجلى هذا الدور في عدة جوانب:

• استضافة مقر وكالة الفضاء الأفريقية: يعتبر فوز مصر باستضافة المقر الدائم للوكالة إنجازًا كبيرًا ويعكس ثقة القارة في قدرات مصر وقيادتها في مجال الفضاء. وقد استثمرت مصر 20 مليون دولار في البنية التحتية للوكالة.

• إنشاء وكالة الفضاء المصرية: أنشأت مصر وكالة فضاء وطنية بموجب القانون رقم 3 لسنة 2018، بهدف توطين وتطوير علوم وتكنولوجيا الفضاء وامتلاك القدرة على بناء وإطلاق الأقمار الصناعية من الأراضي المصرية. 

• تطوير البنية التحتية الفضائية: تعمل مصر على تطوير مدينة فضاء متكاملة تضم مرافق للبحث والتطوير وتصنيع واختبار الأقمار الصناعية ومحطات التحكم والاستقبال الأرضية.

• إطلاق مبادرات ومشروعات فضائية: تقوم مصر بتنفيذ العديد من المشروعات الفضائية الطموحة، مثل مشروع القمر الصناعي الأفريقي للتنمية الذي يهدف إلى استخدام بيانات الفضاء في مكافحة تغير المناخ كما أطلقت مصر أقمارًا صناعية مثل “مصر سات-2” وتعمل على تطوير قدراتها في مجال الاستشعار عن بعد والاتصالات 

• بناء القدرات الوطنية والإقليمية: تستثمر مصر في برامج تعليمية وتدريبية متخصصة في علوم وتكنولوجيا الفضاء، وتستضيف برامج تدريب إقليمية مثل برنامج التدريب الأفريقي التابع لوكالة الفضاء الأفريقية .(

• تعزيز التعاون الدولي: تسعى مصر إلى تعزيز التعاون مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية في مجال الفضاء، وتبادل الخبرات والمعرفة لتحقيق أهداف مشتركة .

 

الفرص والتحديات:

على الرغم من الإمكانيات الهائلة التي توفرها تكنولوجيا الأقمار الصناعية والفضاء للتنمية المستدامة في أفريقيا، إلا أن هناك بعض الفرص والتحديات التي يجب أخذها في الاعتبار:

الفرص:

• توفير بيانات شاملة ومنتظمة: تتيح الأقمار الصناعية الحصول على بيانات تغطي مناطق واسعة بشكل منتظم وبتكلفة أقل مقارنة بالطرق التقليدية.

• دعم اتخاذ القرارات المستنيرة: توفر المعلومات المستمدة من الأقمار الصناعية أدلة قوية لصناع القرار لوضع سياسات واستراتيجيات تنموية فعالة.

• تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: يمكن لمشاريع الفضاء المشتركة أن تعزز التعاون بين الدول الأفريقية والدول الأخرى في مجال التنمية المستدامة.

• تحفيز الابتكار وريادة الأعمال: يمكن لتكنولوجيا الفضاء أن تخلق فرصًا جديدة للابتكار وريادة الأعمال في مختلف القطاعات.

التحديات:

• تكلفة الوصول إلى البيانات والمعالجة: قد تكون تكلفة الحصول على صور الأقمار الصناعية عالية الدقة ومعالجتها وتحليلها باهظة بالنسبة لبعض الدول الأفريقية.

• نقص القدرات والخبرات: لا يزال هناك نقص في الكوادر المؤهلة والمدربة في مجال استخدام وتطبيق تكنولوجيا الأقمار الصناعية والفضاء في العديد من الدول الأفريقية.

• الفجوة الرقمية والبنية التحتية: يتطلب الاستفادة الكاملة من بيانات الأقمار الصناعية وجود بنية تحتية رقمية قوية وشبكات اتصالات موثوقة.

• التحديات المؤسسية والتنظيمية: قد تعيق بعض القوانين واللوائح غير الواضحة أو المعقدة تبني وتطبيق تكنولوجيا الفضاء بشكل فعال.

الخلاصة والتوصيات:

تمثل تكنولوجيا الأقمار الصناعية والفضاء أدوات لا غنى عنها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في أفريقيا. من خلال توفير بيانات دقيقة وشاملة حول الموارد الطبيعية والبيئة والتنمية الحضرية، تساهم هذه التقنيات في تمكين الحكومات والمنظمات والمجتمعات المحلية من اتخاذ قرارات مستنيرة وتنفيذ حلول مبتكرة للتحديات التنموية. للتغلب على التحديات القائمة وتعظيم الفوائد المحتملة، يوصى بما يلي:

• الاستثمار في بناء القدرات: تطوير برامج تعليمية وتدريبية لزيادة عدد الخبراء والمتخصصين في مجال تكنولوجيا الأقمار الصناعية والفضاء.

• تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: إنشاء منصات للتعاون وتبادل المعرفة والخبرات بين الدول الأفريقية والمنظمات الدولية في مجال الفضاء.

• تطوير بنية تحتية رقمية قوية: الاستثمار في تطوير شبكات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لضمان الوصول السهل والسريع إلى بيانات الأقمار الصناعية.

• وضع سياسات واستراتيجيات وطنية للفضاء: تطوير أطر قانونية وتنظيمية واضحة لدعم استخدام تكنولوجيا الفضاء في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

• تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص: دعم مشاركة القطاع الخاص في تطوير وتوفير خدمات وتطبيقات تعتمد على تكنولوجيا الفضاء.

من خلال تبني هذه التوصيات، يمكن لأفريقيا أن تستفيد بشكل كامل من الإمكانيات الهائلة لتكنولوجيا الأقمار الصناعية والفضاء لدفع عجلة التنمية المستدامة وتحقيق مستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة لشعوبها.

بجانب مساهمة مصر في دعم تطور قطاع الفضاء في أفريقيا وتمكين القارة من الاستفادة القصوى من تكنولوجيا الفضاء لتحقيق التنمية المستدامة.

* الدكتور محمود أحمد فراج .. خبير في الشئون الإفريقية .. دكتوراه كلية الدراسات الأفريقية العليا جامعة القاهرة

 

اقرأ المزيد 

السفير عبد المحمود عبد الحليم مغردا حول مؤتمر لندن بشًأن السودان: رياح بحر الشمال قد تأتي بما لا تشتهي سفن « ديفيد لامي »

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »