اسيا العتروس تكتب : يعود ترامب مثقلا بالصفقات و تبقى غزة غارقة في دماء أبناءها

اتضحت مهمة الجولاني و لم يعد الأمر يقبل مزيد التشكيك أو التكذيب و مكانة نتنياهو و إسرائيل لدى الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس دونالد ترامب لن تتراجع .
يصر بعض الملاحظين على اعتبار أن جولة الرئيس الامريكي ترامب إلى منطقة الخليج تحمل دلالة على تراجع العلاقات الأمريكية الإسرائيلية و دخولها منعطفا غير مسبوق سيكون له تداعياته على حرب الإبادة المستمرة في غزة و على مصير نتنياهو نفسه و الحقيقة أنه لا شيء يؤشر إلى ذلك فيما تدخل الجولة محطتها الثالثة في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.. و سواء قرر ترامب في نهاية الجولة تغيير وجهته و زيارة تل أبيب قبل العودة إلى واشنطن أو سواء اختار التوقف لزيارته حليفه مجرم الحرب نتنياهو فإن الواضح أن جولة ترامب الخليجية لا تتناقض في شيئ مع مصالح و تطلعات الكيان الإسرائيلي .
و لاشك أن متتبع الأحداث لاحظ أن عمليات القصف الإسرائيلي على غزة لم تتوقف عندما كان ترامب يخطب في العاصمة السعودية الرياض طوال نحو خمسين دقيقة كما أن استهداف الأطفال و المدارس و ما بقي من المستشفيات لم يتغير أيضا و لم يطلب الرئيس الأمريكي في أي لحظة من اللحظات التوقف عن هذه الجرائم ..بل انه حتى عندما كان بصدد إعلان قبوله رفع العقوبات عن سوريا كخطوة لاختبار نوايا الرئيس السوري الجولاني لم يشر إلى ما يجري في غزة من عمليات عسكرية رغم أن حماس قبلت قبل ساعات بإطلاق سراح الرهينة الأمريكي الإسرائيلي .
صحيح أن خطاب ترامب بدا أكثر ليونة وهو يستعرض خصال مضيفه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ويقول “لدينا حلفاء رائعون في العالم و لكن لا يوجد أقوى من ولي العهد محمد بن سلمان “، و قد قدمه ترامب كلاعب إقليمي أساسي في المنطقة بعد فوزه بصفقات تجارية و عسكرية و استثمارية غير مسبوقة في تاريخ أمريكا بحصوله على نحو ست مائة مليار دولار مرشحة لتصل ثلاث تريليون دولار خلال السنوات القادمة ..و اعتمد ترامب نفس الأسلوب اللين في إعرابه عن أمله في أن تنضم المملكة إلى اتفاقية ابراهام متى أرادت ذلك .
الصورة التالية التي حرص ترامب على اطلاقها من السعودية هي المصافحة التي جمعته بالجولاني الذي كان قبل أشهر على قائمة أبرز المطلوبين الإرهابيين للاستخبارات الأمريكية التي رصدت مكافأة بعشرة ملايين دولار للقبض عليه ..و هذا بالطبع يعد أول لقاء رسمي أمريكي سوري منذ عقود , كان آخر لقاء انعقد بين رئيسين أميركي وسوري قبل ربع قرن في جنيف، حينما التقى الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 2000.
المتأمل في الصورة التي جمعت بين الرجلين يقرأ على ملامح ترامب ما لا يمكن قراءته في تصريحاته و هو يجذب إليه أحمد الشرع و لسان حاله يقول أنت الآن في قبضتنا و سيتعين أن تسير في فلك التطبيع ..فجأة لم يعد الشرع ذلك الإرهابي الذي تنقل بين تنظيم داعش و القاعدة و جبهة النصرة و اقترف مع رجاله ما اقترفه في إدلب فقد بات بقدرة تركيا و تخطيطها حليفا جديدا قد تتضح مهمته لاحقا عندما ترسم خارطة سوريا الجديدة ,و مطلوب من الشرع إخراج من وصفهم ترامب “بالإرهابيين الفلسطينيين” دون غيرهم من البوسنيين والاذربيجانيين و الأكراد و غيرهم ولم يوضح ترامب إلى أين سيذهب هؤلاء ؟ .
زيارة الرئيس الأمريكي إلى الخليج ليست الأولى فقد سبق أن زار ترامب المنطقة في 2017 و شاركه تلك الزيارة عدد من أفراد عائلته و أطلق ترامب آنذاك اتفاقية إبراهام و جذب إليها الامارات و البحرين وهو يدعو هذه المرة صراحة سوريا إلى ركوب قطار التطبيع .زيارة ترامب تحتمل أكثر من قراءة و أكثر من رسالة قد تتضح نتائجها آجلا أو عاجلا على أرض الواقع , و لكن أول هذه الرسائل وأهمها موجهة للرأي العام الأمريكي بعد مضي مائة يوم على عودة ترامب إلى البيت الأبيض و تراجع شعبيته على وقع الكثير من الخيارات المثيرة للجدل خاصة الاقتصادية والتجارية و كان لزاما أن يخرج ترامب من جولته الخليجية بما يعزز ثقة مواطنيه بشأن تعزيز رصيده الاستثماراتي .
يدرك ترامب أن الجولاني لن يعارضه و لن يرفض ركوب قطار التطبيع و لن يطالب باستعادة هضبة الجولان و لا بالقنيطرة و جبل الشيخ و سيحكم قبضته على مقاتليه إذا أراد البقاء في السلطة .. و بذلك يكون ترامب استجاب لمطالب حليفه نتنياهو حتى وإن أصر على بقاءه خارج المشهد في صفقة استعادة الرهينة الأمريكي الإسرائيلي عيدان الكسندر , الأكيد أن الرئيس الفرنسي كان مهد اعلاميا للقاء ترامب و الجولاني عندما استقبل الرئيس السوري قبل أيام في الاليزيه .
حتى الآن يبدو أن الجولاني سعيد بما تحقق له من لقاء الرئيس الأمريكي و هو يريد صفقة تجارية لبلاده تشمل بناء برج يحمل إسم الرئيس الأمريكي في دمشق, وتمنح أيضا الولايات المتحدة حق الوصول إلى موارد النفط والغاز في سوريا،وتهدئة التوترات مع إسرائيل، والتعاون ضد إيران.
مخطئ من يعتقد أن جولة ترامب الخليجية تعكس تراجع مكانة نتنياهو لدى سيد البيت الأبيض ..خلال ساعات و فيما كان ترامب يحل في الخليج معلنا أن الشعب الفلسطيني يستحق مستقبلا أفضل كانت طائرات الاحتلال ترتكب أبشع المجازر في غزة ..و فيما كان ترامب يوقع مزيد الصفقات العسكرية في الدوحة كانت غزة تحاول إحصاء ضحاياها وتحاول جمع الأشلاء الواقعة تحت الأنقاض .
كم كنا واهمين إذ اعتقدنا أن ينتهي هذا اليوم على وقع خبر يعلن نهاية عشرين شهرا من الإبادة في حق غزة وإعادة تصويب البوصلة المفقودة …يجمع قادة دول الخليج خلال القمة الأمريكية الخليجية على أن الأولوية اليوم لوقف الإبادة في غزة و تهيئة الأرضية لمؤتمر نيويورك لإعلان الدولة الفلسطينية ..في الانتظار سيعود ترامب إلى واشنطن مثقلا بالصفقات والمشاريع والهدايا و تبقى غزة غارقة في دماء و أشلاء أبناءها .
* آسيا العتروس .. كاتبة وصحفية تونسية .
اقرأ المزيد