إثيوبيا على أبواب انتخابات 2026: صراعات عرقية وأزمات سياسية تهدد مشروع أبي أحمد السياسي

تتجه أنظار الداخل والخارج نحو إثيوبيا، التي تستعد لخوض انتخابات برلمانية حاسمة في عام 2026، وسط مشهد سياسي وأمني بالغ التعقيد. ويبدو أن البلاد تقف على أعتاب أزمة سياسية كبيرة، تنذر بتهديدات حقيقية للاستقرار الداخلي وتطرح تساؤلات عميقة حول نزاهة العملية الانتخابية المرتقبة.
فقبل أيام بدأت مؤشرات التوتر تطفو على سطح الحياة السياسية الإثيوبية الداخلية، حيث أطلقت أربعة من أبرز الأحزاب المعارضة دعوات عاجلة لإجراء إصلاحات سياسية وأمنية، مؤكدة أن الأوضاع الحالية “تهدد مصداقية” الانتخابات المرتقبة بالكامل.
تُعد هذه الانتخابات البرلمانية السابعة منذ سقوط نظام منجستو هيلا ميريام في عام 1991، والثانية بعد حلّ الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية عام 2019 وتأسيس رئيس الوزراء آبي أحمد لحزب “الازدهار”، الذي يسعى لإعادة صياغة الهيكل الفيدرالي الإثيوبي وتقليص النفوذ العرقي الذي حكم البلاد لعقود.
ومن المتوقع أن يشارك في هذه الانتخابات أكثر من 40 مليون ناخب، في لحظة فاصلة تحدد مستقبل النظام السياسي والفيدرالي، كما تشكل اختبارًا حاسمًا لشعبية رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وحزبه الحاكم، في ظل تحديات أمنية متصاعدة تضرب عدد من الأقاليم الإثيوبية خاصة الأقاليم الثلاث الكبري ” أورومو والتيجراي والأمهرة .
تصاعد النزاعات العرقية… ومخاوف أمنية
وتجري الاستعدادات الانتخابية بينما تشهد عدة أقاليم إثيوبية اضطرابات دموية وتمردًا مسلحًا، خصوصًا في أقاليم تيجراي وأمهرة وأوروميا , وهي الأقاليم الثلاثة الأكبر في إثيوبيا والتي تشهد تصاعدًا في وتيرة العنف دون بوادر لحلول سياسية فعالة، ما يعزز المخاوف من أن تكون الانتخابات القادمة محفوفة بالمخاطر .
وفي تطور لافت، أعلنت عدة أحزاب سياسية معارضة مقاطعتها للانتخابات، مشيرة إلى عدم توفر البيئة الملائمة لإجرائها. وتقدّمت أحزاب: “الوحدة لعموم إثيوبيا”، “الشعب الثوري الإثيوبي”، “إينات”، و”حركة غيونيا الأمهرية”، ببيان مشترك في 12 مايو 2025، شددت فيه على أن الحكومة والمجلس الوطني للانتخابات لم يقدما حتى الآن أي خطة واضحة أو بيانات رسمية حول الاستعدادات للانتخابات، رغم أن الموعد الدستوري لإجرائها لم يتبقَ عليه سوى عام.
كما أشار البيان إلى أن المادة 58 من دستور جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية تُلزم بإجراء الانتخابات في عام 2026، محذرًا من أن أي تأجيل أو إخفاق في الالتزام بالجدول الزمني سيؤدي إلى زعزعة الثقة العامة وتعميق الأزمة السياسية القائمة.
وحذّرت الأحزاب من أن السبيل الوحيد للخروج من دوامة الصراعات والحروب الداخلية هو تنظيم انتخابات “حرة، نزيهة، وذات مصداقية”، تستند إلى بيئة سلمية ومستقرة، وهو ما تفتقر إليه البلاد في ظل استمرار العنف في أمهرة وأوروميا، وانعدام السيطرة الحكومية الكاملة على إقليم تيجراي.
جهود انتخابية رقمية… لكن العقبات قائمة
رغم التحديات، أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات الإثيوبية عن انطلاق المرحلة الثانية من عملية تسجيل مراكز الاقتراع باستخدام نظام رقمي متطور، يهدف إلى تعزيز كفاءة العملية الانتخابية وضمان الشفافية. وتستخدم اللجنة تقنيات نظم المعلومات الجغرافية (GIS) لتحديد مواقع الاقتراع بدقة استنادًا إلى معايير الموقع الجغرافي، وسهولة وصول الناخبين، والامتثال القانوني.
تم في المرحلة الأولى تسجيل 3495 مركز اقتراع في مناطق سيداما، دير داوا، هيراري، ومنطقة جيديو جنوب البلاد. أما المرحلة الثانية التي بدأت في 11 مايو 2025، فتشمل 9643 مركزًا انتخابيًا في ولايات جنوب ووسط وجنوب غرب إثيوبيا، بالإضافة إلى منطقة جيما في أوروميا. ومن المقرر بدء المرحلة الثالثة في يونيو المقبل لتغطي ولايات الصومالي، عفر، بني شنقول-قماز، وغامبيلا، على أن تستكمل بقية المناطق في يوليو 2025.
مستقبل الانتخابات على المحك
يرى الدكتور محمد تورشين، الخبير في الشؤون الإثيوبية والأفريقية، في تصريحات خاصة لموقع “أفرو نيوز 24″، أن التوترات السياسية والعرقية الراهنة تجعل من اندلاع أزمة انتخابية في 2026 أمرًا متوقعًا , مشيرا إلى أن اتفاق السلام في تيجراي، الموقّع في جنوب أفريقيا، لم يُنفذ بشكل كامل، وانقسمت جبهة تحرير تيجراي إلى مجموعتين، إحداهما تتعاون مع الحكومة المركزية، بينما ترفض الأخرى ذلك تمامًا، مما يعكس هشاشة الأوضاع في هذا الإقليم الاستراتيجي.
وقال ” أما إقليم الأمهرة، فهو يشهد اضطرابات خطيرة مع تزايد سيطرة ميليشيات “فانو” على مساحات واسعة، إلى جانب حالة التململ الشعبي في إقليم أوروميا، حيث تتكرر الاعتراضات على الحكومة المركزية في أديس أبابا.
وأضاف الدكتور تورشين أن هذه الأقاليم الثلاثة – تيجراي، أمهرة، وأوروميا – تمثل العمود الفقري للجغرافيا السياسية الإثيوبية، وأي اضطراب فيها سيؤثر بشكل مباشر على مجريات الانتخابات المقبلة , كما لفت إلى احتمال تأثر أقاليم أخرى كإقليم الصومالي (أوجادين) وعفر، رغم أن بعض المناطق الجنوبية قد تبدو أكثر استعدادًا للمشاركة الانتخابية.
واختتم الدكتور محمد تورشين تصريحاته بالتحذير من أن فشل هذه الانتخابات سيؤدي إلى تداعيات خطيرة، وسيقوّض المشروع السياسي الذي يسعى رئيس الوزراء آبي أحمد إلى ترسيخه، والمتمثل في إقامة “دولة مركزية قوية” على أنقاض النموذج الفيدرالي القائم على المحاصصة العرقية.
إقرأ المزيد :
إثيوبيا على صفيح ساخن .. وأحزاب المعارضة تلوّح بمقاطعة الانتخابات