صحيفة إثيوبية .. انتخابات إثيوبيا 2026: فرصة أخيرة للديمقراطية أم بوابة لترسيخ الاستبداد؟

أكدت صحيفة أديس ستاندرد الإثيوبية أن إثيوبيا، وهي تُقبل على خوض انتخاباتها الوطنية السابعة المرتقبة عام 2026، تقف عند مفترق طرق مفصلي، قد يكون إما خطوة لتعزيز مسارها الديمقراطي أو مرحلة لترسيخ النزعات الاستبدادية في الحكم. وأشارت الصحيفة إلى أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو: هل ستعكس انتخابات إثيوبيا 2026 الإرادة الحقيقية للشعب الإثيوبي أم ستكون مجرد إجراء رمزي يُكرّس هيمنة النخبة الحاكمة؟
تحديات جسيمة تسبق الانتخابات
وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي الإثيوبي مختار إسماعيل إسحاق، المستشار السابق للشؤون الإنسانية والتنموية لرئيس ولاية الصومال الإقليمية في تعليق له نشرته صحيفة أديس ستاندرد ، أن الانتخابات المقبلة يُتوقع أن تشهد تنافسًا محتدمًا، غير أن ذلك سيتم وسط جملة من التحديات الجسيمة، من بينها استمرار حملات القمع الحكومية، والتضييق على الحريات السياسية، واستمرار النزاعات الداخلية، علاوة على التضييق على نشاط الأحزاب المعارضة، وهي كلها عوامل تُقيد المنافسة السياسية الحقيقية، وتضعف قدرة الانتخابات على أن تكون تعبيرًا صادقًا عن الإرادة الشعبية، بل تثير المخاوف من أن تتحول إلى مجرد وسيلة لمنح شرعية شكلية لنظام سياسي يهيمن عليه حزب واحد.
وأوضحت الصحيفة أن مسيرة الانتخابات في إثيوبيا اتسمت تاريخيًا بالتقلبات، حيث اختلطت لحظات الأمل بخيبات الأمل المتكررة. ولعل انتخابات عام 2005 كانت لحظة فارقة في هذا السياق؛ إذ تمكنت أحزاب المعارضة حينها من تحقيق مكاسب كبيرة بالحصول على نحو 32% من مقاعد البرلمان، وهو ما بدا آنذاك مؤشرًا على بداية تحول جذري في المشهد السياسي الإثيوبي الذي طالما خضع لهيمنة الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية (EPRDF).
لكن هذه الآمال سرعان ما تبددت، حيث سارعت الحكومة إلى قمع المعارضة، واعتقلت قادتها، وأخمدت الاحتجاجات الشعبية باستخدام العنف، ما أدى إلى مقتل قرابة 200 مواطن إثيوبي، ولجأت إلى أساليب الترهيب لاستعادة السيطرة، فانقضت بسرعة واجهة التعددية السياسية وعاد الوضع إلى سابق عهده من السيطرة الأحادية.
وبيّنت أديس ستاندرد أن الانتخابات اللاحقة كشفت عن تآكل المبادئ الديمقراطية، ففي أعقاب انتخابات 2005، ادعى الائتلاف الحاكم فوزه بجميع مقاعد البرلمان بنسبة 100%، ما أكد أن العملية الانتخابية تحولت إلى مجرد مهزلة سياسية. وأما انتخابات 2021، التي جرت في ظل الحرب في إقليم تيغراي والقمع واسع النطاق، فقد أسفرت عن فوز كاسح لحزب الازدهار (PP) بنسبة بلغت 96.8% من المقاعد البرلمانية، نتيجة لتلاعب واضح بالدوائر الانتخابية، وقمع الناخبين، واستبعاد مرشحي المعارضة، إضافة إلى تقييد نشاط الأحزاب المعارضة أو حظرها بالكامل، وهو ما أدى إلى مشهد سياسي مائل بشكل صارخ لصالح الحزب الحاكم والنخبة المسيطرة على مفاصل الدولة.
آبي أحمد: وعود التغيير تتحول إلى تكرار للممارسات القديمة
وعند تولي رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد السلطة في عام 2018، شهدت إثيوبيا موجة من التفاؤل الشعبي والسياسي؛ إذ بادر بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورحب بعودة الجماعات المسلحة المنفية، وتعهد ببدء مرحلة جديدة من الشفافية والإصلاح السياسي. لكن هذا التفاؤل لم يدم طويلًا، إذ سرعان ما عادت حكومته إلى ممارسة الأساليب القمعية التي اشتهرت بها الأنظمة السابقة، فاستخدمت قوانين مكافحة الإرهاب لقمع المعارضة وإسكات الأصوات المختلفة، وركزت السلطات في العاصمة أديس أبابا، وهو ما تجسد بوضوح في انتخابات عام 2021 التي تزامنت مع النزاع المسلح وحملات الاعتقال ضد قادة المعارضة، الأمر الذي عرقل مسار التحول الديمقراطي مجددًا.
وأبرزت الصحيفة أن انتخابات عام 2021 شكلت نقطة انعطاف نحو تراجع المبادئ الديمقراطية في إثيوبيا، حيث أجريت في أجواء من الصراع والنزوح والقمع، وأظهرت حكومة تعتمد أكثر فأكثر على وسائل الإكراه بدلاً من التوافق الشعبي. لجأ الحزب الحاكم إلى حيل هيكلية متعددة، أهمها تطبيق نظام انتخابي يعتمد مبدأ «الفائز يحصل على كل شيء»، وهو ما أفرغ التعددية السياسية من مضمونها، وحرم المعارضة من التمثيل رغم ما تتمتع به من قاعدة دعم شعبية معتبرة في العاصمة أديس أبابا وخارجها. ولم يكن المجلس الوطني للانتخابات في إثيوبيا (NEBE) بمنأى عن هذه السيطرة، إذ ظل خاضعًا لنفوذ الحزب الحاكم رغم ادعاءات التحديث، وتم استبعاد مرشحين وأحزاب معارضة لأسباب إجرائية مشكوك في صحتها.
تحديات أمنية وهيكلية
وفي معرض حديثها عن الاستعدادات لانتخابات 2026، أوضحت الصحيفة أن المشهد الانتخابي في إثيوبيا محفوف بشبكة معقدة من الأزمات والصراعات المستمرة، مما يضع عقبات كبرى أمام تنظيم انتخابات نزيهة وذات مصداقية. ففي إقليم أمهرة، تسبب تمرد ميليشيا «فانو» في موجة من الاعتقالات الجماعية وضربات جوية بطائرات بدون طيار نتيجة محاولات الحكومة الفيدرالية نزع سلاح الميليشيات الإقليمية، الأمر الذي زاد من حالة عدم الاستقرار.
أما في أوروميا، فلا يزال «جيش تحرير أورومو» (OLA) يشن حرب عصابات ضد القوات الحكومية، وسط اتهامات للقوات الفيدرالية بارتكاب عمليات قتل خارج نطاق القانون، وهو ما يزيد من حدة التوترات. وبالرغم من اتفاق بريتوريا الموقع عام 2022 لإنهاء النزاع في تيغراي، لا يزال الإقليم معزولًا عن بقية البلاد ويعاني من استمرار أعمال العنف، دون وجود أي مؤشرات على إجراء انتخابات محلية قريبًا، ما يصعّب على السكان تصور إمكانية المشاركة في التصويت.
وسلطت الصحيفة الضوء على أن الحكومات الإثيوبية درجت تاريخيًا على استخدام النزاعات والصراعات الداخلية كذريعة لتأجيل الانتخابات أو قمع المعارضة، ومن المرجح أن يتكرر هذا السيناريو مع اقتراب انتخابات 2026 إذا استمرت الأوضاع الأمنية في التدهور.
وأشارت أديس ستاندرد إلى أن أجواء العنف والترهيب تهيمن على الحملات الانتخابية للمعارضة، لا سيما في مناطق مثل أوروميا وأمهرة وإقليم الصومال، حيث تواجه المعارضة قيودًا صارمة عادةً ما تُبرر بدواعٍ أمنية. كما أدى النزاع المستمر في تيغراي إلى نزوح ملايين الأشخاص، مما حال دون تمكن عدد كبير من الناخبين من المشاركة في العملية الانتخابية، وزاد الشكوك بشأن مصداقية الانتخابات ككل.
وتعرضت حرية الصحافة في إثيوبيا لضربات موجعة؛ إذ تتعرض وسائل الإعلام المستقلة باستمرار للمضايقة والتهديد والإغلاق، بينما تحتكر وسائل الإعلام الحكومية الفضاء الإعلامي لترويج روايات السلطة الحاكمة. ويعيش الصحفيون المستقلون في حالة خوف دائم من الاعتقال تحت مظلة قوانين مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني، وهو ما يحول دون ممارسة الإعلام لدوره الرقابي بحرية.
وأوضحت الصحيفة أن هذه الأوضاع حولت الانتخابات السابقة، لاسيما انتخابات عام 2021، إلى مجرد واجهة لفرض السيطرة الاستبدادية بدلاً من كونها أداة لمشاركة سياسية حقيقية. ومن دون إدخال تغييرات عميقة وجذرية، من المرجح أن تتكرر انتهاكات مماثلة خلال انتخابات 2026، مما يقضي على أي فرصة لإنعاش الديمقراطية وترسيخ مبدأ المساءلة.
تآكل الثقة بالمؤسسات الانتخابية
وأكدت الصحيفة أن المؤسسات الانتخابية في إثيوبيا تواجه تحديات كبيرة، إذ يتعرض المجلس الوطني للانتخابات لضغوط سياسية متزايدة تهدد استقلاليته. وأثارت التعيينات الأخيرة داخل المجلس مخاوف جدية بعد إقالة بعض المسؤولين المحايدين واستبدالهم بموالين للنظام، ما يفتح الباب أمام التلاعب. أما المجلس المشترك للأحزاب السياسية، الذي من المفترض أن يعزز الحوار ويكفل النزاهة، فيتكون غالبًا من أحزاب موالية للحكومة، مما يقلل من فرص إجراء انتخابات عادلة.
وعلى الصعيد الهيكلي والقانوني، يستمر النظام الانتخابي القائم على الأغلبية المطلقة في ترجيح كفة الحزب الحاكم، حيث يُمكنه تحقيق أغلبية ساحقة حتى لو حصل فقط على أغلبية نسبية من الأصوات. ورغم أن التحول إلى نظام التمثيل النسبي من شأنه أن يعالج هذا الخلل، إلا أن الحكومة ترفض اعتماد مثل هذا التغيير. كما يُستخدم القانون على نطاق واسع لقمع المعارضة والصحافة، عبر توظيف قوانين مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني، ما يقوض بدوره التنوع السياسي ويحدّ من المشاركة الديمقراطية الفعلية.
ولفتت الصحيفة إلى أن المعارضة الإثيوبية تعاني من التهميش بشكل كبير، إذ يتم إسكات العديد من الأحزاب وإجبارها على العمل في السرية. على سبيل المثال، قاطع كل من المؤتمر الفيدرالي الأورومو (OFC) وجبهة تحرير أورومو انتخابات عام 2021 احتجاجًا على اعتقال قادتهم، ولم تلقَ مطالبهم بالإفراج عن السجناء السياسيين إلا التجاهل. كذلك، صُنفت جبهة تحرير شعب تيغراي كمنظمة إرهابية وتم استبعادها بالكامل من الساحة السياسية، بل وألغى المجلس الوطني للانتخابات حديثًا الوضع القانوني للجبهة بدعوى عدم اتخاذها «إجراءات تصحيحية» خلال المهلة الممنوحة، ما زاد من حدة التوتر مع الحكومة الفيدرالية وقد يشعل فتيل صراع جديد إذا لم تسُد لغة الحوار.
وفي منطقة الصومال، تواجه الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين (ONLF) ضغوطًا متزايدة وسط مخاوف من تجدد النزاع المسلح. فرغم توقيع اتفاق سلام عام 2018 مع حكومة آبي أحمد، لا يزال مناخ عدم الثقة قائمًا بفعل سوء تنفيذ الاتفاق. وتسعى الحكومة إلى تقسيم الجبهة من خلال دعم فصائل موالية لها وتنصيب زعامات جديدة موالية، في خطوة استفزازية قد تؤدي إلى استئناف الأنشطة المتمردة.
وذكرت الصحيفة أنه منذ عام 2020، اضطر أكثر من 54 صحفيًا إلى الفرار من إثيوبيا، بينما يقبع العديد من قادة المعارضة إما في السجون أو في المنفى. وغياب صحافة حرة وأصوات معارضة ذات مصداقية يُحوّل الانتخابات إلى مجرد مراسم احتفالية تفتقر إلى الشرعية والثقة العامة.
أزمة الفيدرالية وتفاقم التوترات العرقية
أشارت الصحيفة إلى المفارقة الكبيرة المتمثلة في أن النظام الفيدرالي الإثيوبي، الذي كان يُفترض أن يُمكّن المجموعات العرقية المتنوعة ويُحقق لها الحكم الذاتي، تحول إلى مصدر دائم لعدم الاستقرار. فعلى الرغم من الوعود الدستورية بمنح الأقاليم استقلالية واسعة، تستمر السلطات الفيدرالية في التدخل عبر تفكيك الميليشيات الإقليمية واستبدال الحكومات المحلية ووأد الاحتجاجات.
ففي عام 2020، اندلعت أزمة دستورية حادة عقب قرار الحكومة الفيدرالية تأجيل الانتخابات، ما دفع إقليم تيغراي لتنظيم انتخاباته الخاصة متحديًا الحكومة المركزية، وهو ما اعتبرته الأخيرة باطلًا، فتفجرت أزمة انتهت بصراع مسلح مدمّر. كما تواجه احتجاجات الأمهرة والأورومو قمعًا وحشيًا يتضمن استخدام القوة المميتة والاعتقالات بالجملة. وفي المنطقة الصومالية، أسفر الانقسام داخل الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين عن توترات قد تتفاقم في أي لحظة بفعل تدخلات الحكومة الفيدرالية.
ورقة الاقتراع أم الرصاصة؟
اختتمت الصحيفة تقريرها بالتأكيد على أن إثيوبيا تواجه لحظة حاسمة تستدعي إصلاحات جوهرية قبل حلول عام 2026 لضمان مستقبل ديمقراطي أكثر إشراقًا. وتشمل هذه الإصلاحات إعادة هيكلة النظام الانتخابي لاعتماد مبدأ التمثيل النسبي، ودعوة مراقبين دوليين لضمان النزاهة، وتعزيز استقلال الهيئات الانتخابية بعيدًا عن التدخلات السياسية، فضلاً عن إعطاء الأولوية للحوار مع الجماعات المسلحة واحترام الاتفاقيات الموقعة، مثل اتفاق بريتوريا واتفاقية السلام مع الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين.
كما شددت الصحيفة على ضرورة الإفراج عن السجناء السياسيين، بما فيهم الصحفيون وقادة المعارضة، واستعادة حرية الإعلام، إلى جانب ترسيخ استقلال القضاء ليكون الفيصل في النزاعات الدستورية بدلاً من الاعتماد على هيئات سياسية.
لكن، وبحسب الصحيفة، فإن القيادة الحالية تبدو مترددة في إجراء تغييرات عميقة، إذ تميل إلى عسكرة البلاد وقمع المعارضة بدلاً من تبني الحوار والإصلاح. وفي حال استمرار هذا النهج دون ضغوط خارجية أو التزام داخلي حقيقي، فإن انتخابات 2026 قد تُجرى في أجواء تفتقر إلى الشرعية وتُعمّق مناخ الحكم الاستبدادي.
واختتمت أديس ستاندرد بالقول إن انتخابات إثيوبيا المقبلة ليست مجرد استحقاق سياسي روتيني، بل تمثل اختبارًا مصيريًا لمسار البلاد الديمقراطي: فإما أن تخطو إثيوبيا خطوات جادة نحو مشاركة سياسية حقيقية وإصلاحات هيكلية، وإما أن تنزلق مجددًا نحو القمع والاستبداد. وكما قال المؤرخ رينيه ليمارشاند: «في إفريقيا، المشكلة ليست في كيفية الفوز بالانتخابات، بل في كيفية خسارتها». وحتى يدرك القادة الإثيوبيون هذه الحقيقة، ستبقى الانتخابات مجرد مظهر سطحي للديمقراطية، لا أكثر ولا أقل.
إقرأ المزيد :
إثيوبيا على أبواب انتخابات 2026: صراعات عرقية وأزمات سياسية تهدد مشروع أبي أحمد السياسي