أخبار السياحةأخبار عاجلةاخبار الطيران

مؤتمر AviaDev Africa 2025″: يناقش قضايا وتحديات صناعة الطيران في أفريقيا

شهد مؤتمر AviaDev Africa 2025 واحدة من أبرز الجلسات وأكثرها صراحة وتوجهاً نحو المستقبل، وذلك خلال الندوة رفيعة المستوى التي حملت عنوان “مسار الطيران نحو النمو” (Flightpath to Growth)، والتي ناقشت أبرز القضايا والتحديات التي تواجه قطاع الطيران في القارة الأفريقية. وقد شملت محاور النقاش موضوعات حيوية مثل نماذج الملكية، وتعبئة رأس المال، والوصول إلى الأسواق، وسياسات التأشيرات، بالإضافة إلى مستقبل الربط الإقليمي.

أدارت الندوة الصحافية المتخصصة في شؤون الطيران هيلكا بيرنز، وجمعت الجلسة نخبة من القيادات المؤثرة في الصناعة، وهم: هيلين بروم من بنك أفريكسيم، ومناور ديراني من شركة فلايت لينك، وجوليان إدموندز من شركة فاست جيت، ومسفن تاسيو الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية الإثيوبية، وبيتر أولانغا من شركة طيران تنزانيا.

ومن الرسائل الجوهرية التي طُرحت في النقاش، أن النجاح في قطاع الطيران لا يرتبط بالملكية بقدر ما يرتبط بالحوكمة الرشيدة والانضباط المؤسسي. فقد أوضحت هيلين بروم أن: “المسألة لا تتعلق بما إذا كانت شركة الطيران مملوكة للدولة أو للقطاع الخاص، بل بالأداء المهني، والحوكمة الجيدة، والاستقلالية التجارية”. وقد وجدت هذه الرؤية صدى واسعًا بين المشاركين، الذين أجمعوا على أن الأساس في نجاح شركات الطيران هو الكفاءة الإدارية وليس هيكل الملكية.

وعرض مسفن تاسيو دراسة حالة ناجحة من تجربة الخطوط الجوية الإثيوبية، موضحًا كيف استطاعت الشركة – رغم كونها مملوكة للدولة – أن تحقق استدامة ربحية ومكانة عالمية مرموقة. وصرح قائلاً: “نحن لا نركز على الأرباح قصيرة المدى، بل نستثمر في بناء شبكة نقل تربط القارة الأفريقية بشروطنا الخاصة”. وأشار إلى الشراكة الأخيرة مع مالاوي كمثال بارز على كيفية نجاح نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص عندما يكون مستندًا إلى رؤية واضحة وبنية مؤسساتية سليمة.

كما تناولت الندوة الدور الحاسم الذي يجب أن تلعبه الحكومات في تمكين القطاع، وليس في تشغيله مباشرة. وفي هذا السياق، قال جوليان إدموندز من فاست جيت: “لقد ولى زمن التحكم الحكومي المباشر في شركات الطيران. الآن ينبغي التركيز على تهيئة بيئة تنظيمية واستثمارية تسمح بالمنافسة وتشجع على ضخ رؤوس الأموال في القطاع”.

ومن جانب آخر، أشار مناور ديراني إلى مسألة التكاليف المرتفعة التي تتحملها شركات الطيران الأفريقية، والتي تشمل أسعار الطائرات، ورسوم المطارات، والضرائب الباهظة، وأقساط التأجير، مقارنةً بشركات الطيران العالمية. وأضاف أن هذا الواقع يعوق التوسع والتنافسية، ويزيد من صعوبة تحقيق النمو. وتطرق الحديث أيضًا إلى البطء في تطبيق السوق الأفريقية الموحدة للنقل الجوي (SAATM)، وهو ما يؤدي إلى استمرار الاعتماد على اتفاقيات النقل الثنائية القديمة التي تعيق انسيابية حركة الطيران داخل القارة.

وشددت هيلين بروم على ضرورة إعادة النظر في كيفية تعبئة رأس المال المحلي، داعية إلى الاستفادة من الإمكانات الكامنة في صناديق التقاعد والصناديق السيادية الأفريقية. وقالت: “لدينا الأموال، لكن ما نفتقر إليه هو البنية المؤسساتية المناسبة، والثقة، والسياسات المستقرة التي تُشجع المستثمرين المحليين على ضخ الأموال في قطاع الطيران”.

وأشارت المناقشات إلى اهتمام متزايد من قبل مستثمرين إقليميين ودوليين، لا سيما من منطقة الخليج، بشركات الطيران الأفريقية التي تتمتع بإدارة رشيدة واستراتيجيات نمو واضحة، سواء كانت عامة أو خاصة. وأضاف إدموندز أن التنويع في نماذج التشغيل، مثل الامتيازات والهياكل الجماعية المعتمدة من قبل فاست جيت، قد يوفر للشركات مرونة مالية ويساعدها في الوصول إلى مصادر تمويل إضافية.

ومن المواضيع الحساسة التي تم التطرق إليها أيضًا، مسألة استنزاف الكفاءات من القارة. حيث صرح بيتر أولانغا قائلاً: “نقوم بتدريب المهندسين والطيارين، لكنهم يغادرون بحثًا عن فرص عمل أفضل خارج القارة”. وأجمع المتحدثون على ضرورة الاستثمار في تدريب الكفاءات محليًا، وإنشاء بيئة تحفّز على الاحتفاظ بالكوادر الماهرة لدعم استدامة القوى العاملة في القطاع.

كما كانت سياسات التأشيرات على طاولة النقاش، مع الإشادة بتجربة رواندا في فتح الحدود وتسهيل دخول الزوار، والتي أثبتت أنها محفّز مهم للنمو السياحي وتطوير قطاع الطيران. وطرح أحد المتحدثين تساؤلاً جوهريًا: “لماذا لا تتبع باقي الدول هذا النموذج الناجح؟ إزالة الحواجز أمام السفر ليست مجرد تسهيل، بل لها أثر اقتصادي ملموس”.

وفي ختام الجلسة، وجه أولانغا نداءً صريحًا لتغيير الذهنية السائدة في القارة، قائلاً: “يجب على أفريقيا أن تتوقف عن انتظار الآخرين لربطها ببقية العالم. لدينا السوق، ولدينا الموارد. ما نحتاجه هو الإيمان بقدراتنا، ووضع السياسات المناسبة التي تمكّننا من امتلاك سمائنا وإدارة مستقبلنا الجوي بأنفسنا”.

خرجت الجلسة برسالة موحدة وواضحة: إن مستقبل قطاع الطيران في أفريقيا ليس حلماً بعيد المنال، بل واقع قابل للتحقيق، شريطة توافر السياسات الداعمة، والشراكات الذكية، والإرادة السياسية الصادقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »