تستعد الكاميرون لانتخابات رئاسية حاسمة في أكتوبر 2025 وسط مشهد سياسي متشابك يتميز بتحولات في التحالفات وتصاعد التوترات وتفاقم التحديات الأمنية والاقتصادية. تبرز هذه الانتخابات كأحد الاختبارات المصيرية لمستقبل البلاد تحت حكم الرئيس بول بيا (92 عاماً) الذي يحكم منذ عام 1982، والذي يترشح لولاية ثامنة مدعوماً بتعديل دستوري عام 2008 ألغى حدود الترشح الرئاسي. تطفو على السطح معركة خفية حول الخلافة داخل الحزب الحاكم “التجمع الديمقراطي للشعب الكاميروني” (RDPC)، بينما تشهد المعارضة تحالفات جديدة وتحديات غير مسبوقة.
تحولات التحالفات: إعلان مايجاري وصراع الشمال
أعلن بيلو بوبا مايجاري، الزعيم التاريخي للاتحاد الوطني للديمقراطية والتقدم (UNDP)، انفصاله عن التحالف مع حزب الرئيس بيا في 28 يونيو 2025، معلناً ترشحه للرئاسة بعبارة صادمة: “سأكون الرئيس المستقبلي للكاميرون”. يمثل هذا القرار زلزالاً سياسياً في إقليم أقصى الشمال، معقل مايجاري التقليدي، والذي يشهد توترات أمنية واقتصادية حادة، خاصة بعد فيضانات سبتمبر 2024 التي أودت بحياة 200 ألف شخص وشردت آلاف الأسر. يُظهر هذا التحول انقسامات داخل التحالف الحاكم ويُضعف استراتيجية بيا القائمة على استيعاب النخب الإقليمية.
معركة المعارضة: كامتو وتهديد الإقصاء
تواجه المعارضة بقيادة موريس كامتو، رئيس “التحالف السياسي من أجل التغيير” (APC)، محاولات منهجية لإقصائها من السباق الانتخابي. يتهم كامتو النظام بتغيير القواعد الانتخابية لصالحه، مشيراً إلى أن اشتراط تمثيل الأحزاب في المجالس التشريعية أو المحلية لترشيح مرشح رئاسي يستهدف حرمان حزبه من المشاركة، خاصة بعد مقاطعته الانتخابات التشريعية السابقة. كما يواجه ضغوطاً قانونية وأمنية، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية لأنصاره وتجميد أنشطة تحالفه. في تصريحاته الأخيرة، أكد كامتو: “لن نسمح بسرقة إرادة الشعب… هذه معركتنا من أجل الديمقراطية”.
إستراتيجية النظام: تأجيل الانتخابات وإعادة هندسة المشهد
صوّت البرلمان في يوليو 2024، بأغلبية ساحقة لحزب “التجمع الديمقراطي”، على تأجيل الانتخابات التشريعية والمحلية حتى عام 2026، بحجة “تخفيف الازدحام الانتخابي”. لكن هذا القرار يُضعف المعارضة عملياً، إذ يحرمها من فرصة بناء زخم انتخابي قبل الرئاسيات، ويعزز هيمنة الحزب الحاكم على المؤسسات التشريعية خلال التصويت الرئاسي. كما يثير القرار مخاوف من تزوير الانتخابات، خاصة مع اتهامات سابقة للنظام بتلاعبه بنتائج انتخابات 2018.
تحديات متشابكة: الأزمات الأمنية والاقتصادية
تواجه الكاميرون تحديات مركبة تهدد نزاهة الانتخابات واستقرار البلاد:
الأزمة الانفصالية:
تستمر المواجهات المسلحة في المناطق الناطقة بالإنجليزية (شمال غرب/جنوب غرب) منذ 2017، مما تسبب بنزوح 700 ألف شخص وتدمير البنية التحتية التعليمية والصحية. يُتوقع حرمان هذه المناطق من المشاركة الفعالة في الانتخابات بسبب انعدام الأمن، ما يهدد شرعية العملية الانتخابية برمتها.
– التطرف :
تشهد منطقة أقصى الشمال تصاعداً بنسبة 50% في هجمات “بوكو حرام” وتنظيم “الدولة “، مما أسفر عن مقتل 800 شخص في العام الماضي فقط.
– الأزمات الاقتصادية:
يعيش 40% من السكان تحت خط الفقر، وتبلغ بطالة الشباب 75%، بينما تعاني البلاد من نقص حاد في العملة المعدنية. تزيد الكوارث الطبيعية، مثل فيضانات 2024، من تفاقم الأوضاع الإنسانية.
معركة الخلافة: عائلة بيا والمؤسسة العسكرية
تتصاعد المناورات حول خلافة بيا داخل الحزب الحاكم، حيث يبرز ابنه لويس بول موتاز (وزير المالية) كمرشح خفي. موتاز، الذي يُعتبر “حارس خزينة الدولة”، حصل على تصنيف كأحد أفضل وزراء المالية في أفريقيا، لكن طموحاته تواجه مقاومة داخل النخبة الحاكمة. وفقاً لتقارير، يجري الترويج لإنشاء منصب “نائب الرئيس” كآلية لضمان انتقال سلس للسلطة، وهو ما تراه المعارضة محاولة لترسيخ هيمنة العائلة الحاكمة.
مستقبل مجهول وسيناريوهات محتملة
تتجه الكاميرون نحو مفترق طرق حاسم: استمرار النظام: قد يفوز بيا مجدداً عبر آليات الهيمنة الانتخابية، لكن ذلك يهدد بتصاعد العنف وتفكك اجتماعي.
– انتصار المعارضة: تحالف كامتو أو نجاح مايجاري قد يفتح باب التغيير، لكنه يواجه عقبات قانونية وأمنية.
– تأجيل الانتخابات:
تزايد الحديث عن سيناريو التأجيل أو إعلان الطوارئ إذا تفاقمت الأزمات الأمنية.
تظل هذه الانتخابات اختباراً لمصير دولة تتأرجح بين استمرار أحد أطول أنظمة الحكم الأفريقية، أو انفتاح غير مسبوق على مستقبل ديمقراطي مجهول.
