اخبار افريقيا

دراسة لأقدم حمض نووي لرجل مصري تكشف اصل المصريين 80% من شمال افريقيا و20% من العراق

في إنجاز علمي هو الأول من نوعه، نجح فريق من العلماء في استخراج وتسلسل الحمض النووي الكامل (الجينوم) من بقايا هيكل عظمي يعود لرجل مصري عاش قبل نحو 4800 عام، في فترة تُعد من أبرز فترات التحول في التاريخ المصري القديم، والمعروفة بعصر بناء الأهرامات الأولى. يمثل هذا الاكتشاف قفزة كبيرة في علم الوراثة القديمة، خاصة في منطقة شمال أفريقيا، حيث عادةً ما يُعيق المناخ الحار والجاف حفظ الحمض النووي في البقايا البشرية.

اكتشاف نادر في صحراء مصر

Ancient egyptian genome دراسة لأقدم حمض نووي لرجل مصري تكشف اصل المصريين 80% من شمال افريقيا و20% من العراق

عُثر على الرفات داخل مقبرة صخرية بمدينة النويرات، على بعد نحو 265 كيلومترًا جنوب القاهرة. وقد وُضع الجثمان في إناء فخاري كبير، وهو أسلوب دفن نادر يُوحي بمكانة اجتماعية مرموقة. وتشير التحليلات إلى أن الرجل توفي في الفترة ما بين عامي 2855 و2570 قبل الميلاد، وهي مرحلة مبكرة من الدولة المصرية القديمة، حين بدأت الممالك تتوحد وشُيدت أولى الأهرامات.

صفات الرجل: ملامح النخبة وسيرة صانع خزف ماهر

تشير التقديرات إلى أن الرجل كان في الأربعينات إلى منتصف الستينات من العمر عند وفاته، وكان طوله نحو 160 سنتيمترًا. علامات التقدم في السن كانت واضحة على جسده، بما في ذلك تآكل شديد في الأسنان والتهاب مفاصل حاد، وهو ما يُعد نادرًا لمن عاش في تلك الفترة، حيث كان متوسط العمر أقل من ذلك بكثير.

ورغم أن طريقة الدفن توحي بانتمائه للطبقة العليا، فإن الأدلة العظمية أظهرت علامات واضحة على العمل البدني المتكرر. فعظام الوركين كانت متوسعة، وذراعاه حملا آثار حركة متكررة ذهابًا وإيابًا، إلى جانب تآكل غير متماثل في مفاصل القدم اليمنى. هذه العلامات تشير بوضوح إلى استخدام أدوات تتطلب تكرار الحركات، ما يدعم فرضية أنه كان يعمل خزافًا، على الأرجح مستخدمًا عجلة الفخار – وهي تقنية كانت حديثة نسبيًا آنذاك.

هذا التناقض بين مكانة الدفن الرفيعة والأدلة الجسدية التي تشير إلى العمل اليدوي أثار تساؤلات بين العلماء. فربما لم يكن هذا الرجل خزافًا عاديًا، بل كان يتمتع بمهارات استثنائية أو بنفوذ اجتماعي نادر أتاح له الارتقاء إلى مصاف النخبة، رغم مهنته اليدوية.

تحليل الجينات: مزيج من أفريقيا وغرب آسيا

أحد أبرز ما كشفه تحليل الجينوم الكامل للرجل هو تركيبته الوراثية الفريدة. أظهرت النتائج أن نحو 80٪ من جيناته تنتمي إلى سلالات من شمال أفريقيا، فيما تعود الـ20٪ المتبقية إلى سلالات من غرب آسيا، وهي منطقة تشمل بلاد ما بين النهرين (العراق وإيران وأجزاء من تركيا الحالية). يشير هذا إلى أن مصر القديمة لم تكن حضارة مغلقة، بل كانت بوتقة تنصهر فيها الثقافات المختلفة بفعل التجارة والهجرة والتواصل الحضاري.

وقد دعمت هذه النتيجة أدلة أثرية سابقة أظهرت وجود علاقات تجارية وثقافية بين مصر القديمة ومنطقة الهلال الخصيب، تمثلت في تبادل الحيوانات والنباتات المستأنسة، والتكنولوجيا مثل عجلة الفخار، وأنظمة الكتابة المبكرة.

تحديات تقنية واختراق علمي

MapAncientEgypt دراسة لأقدم حمض نووي لرجل مصري تكشف اصل المصريين 80% من شمال افريقيا و20% من العراق

يُعد الحفاظ على الحمض النووي في البيئات الحارة والجافة أمرًا نادرًا وصعبًا للغاية، ما يجعل هذا الاكتشاف أكثر قيمة. ووفقًا لعالم الوراثة بونتوس سكوجلوند، الذي يقود مختبر الحمض النووي القديم في معهد فرانسيس كريك بالمملكة المتحدة، فإن هذا الجينوم هو الأول من نوعه في مصر القديمة من حيث الاكتمال والدقة.

يقول سكوجلوند: “مصر القديمة تزخر بالتاريخ المكتوب والآثار الاستثنائية، لكن سجلها الجيني كان شبه مفقود بسبب تحديات الحفظ البيئي. بفضل التقنيات الجينية الحديثة، تمكّنا من تجاوز هذه العقبات وتقديم أول دليل جيني مباشر على أصول السكان في مصر المبكرة.”

الغذاء والنشأة: حياة في وادي النيل

مؤشر الإرهاب العالمي: « الساحل الإفريقي » الأكثر تضررًا من العمليات الإرهابية في العالم

أظهر تحليل النظائر في ضرس الرجل أنه نشأ في بيئة حارة وجافة، على الأرجح في وادي النيل، حيث استهلك نظامًا غذائيًا تقليديًا اعتمد على الحبوب كالقمح والشعير، إلى جانب البروتين الحيواني. يتطابق هذا النمط الغذائي مع ما هو معروف عن المصريين القدماء، مما يعزز فرضية أنه كان مواطنًا محليًا عاش طوال حياته في مصر العليا.

من الماضي إلى الحاضر: نجاة من الحرب والاندثار

غضب أفريقي بعد قرار ترامب حظر دخول مواطني 7 دول أفريقية إلى الولايات المتحدة

من اللافت أن الهيكل العظمي لهذا الرجل، رغم اكتشافه منذ أكثر من قرن في عام 1902، نجا من الدمار خلال الحرب العالمية الثانية، عندما تعرّض متحف ليفربول العالمي للقصف، ما أدى إلى فقدان جزء كبير من مجموعته من البقايا البشرية. ولكن هذا الهيكل بقي محفوظًا، مما أتاح للعلماء اليوم أن يكشفوا عن أسرار صاحبه بعد آلاف السنين.

يقول عالم الآثار لينوس جيرلاند فلينك من جامعة أبردين: “استطعنا أخيرًا سرد جزء من قصة هذا الرجل. إنه ليس مجرد رفات، بل شاهد على مرحلة انتقالية حاسمة في تاريخ مصر، حيث بدأت الحضارة الفرعونية في التبلور.”

نيجيريا تدشّن أكبر مركز طبي لعلاج الأورام في إفريقيا: قفزة نحو السيادة الصحية

خطوة أولى في مشروع طويل

AncientEgyptTomb دراسة لأقدم حمض نووي لرجل مصري تكشف اصل المصريين 80% من شمال افريقيا و20% من العراق

ورغم أن تحليل حمض نووي واحد لا يكفي لرسم صورة كاملة عن سكان مصر القديمة، إلا أن الباحثين يؤكدون أن هذا الاكتشاف يمثل بداية واعدة لمشروع أكبر لفهم الأصول الجينية لسكان مصر القديمة وتطورها على مدى العصور. يأمل العلماء أن تتيح هذه التقنيات المتقدمة تسليط الضوء على الحياة اليومية، والحراك الاجتماعي، والعلاقات الإقليمية التي شكّلت واحدة من أعظم الحضارات في التاريخ، وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Nature العلمية، مما يعزز من مصداقيتها وأهميتها في المجتمع العلمي الدولي.

إقرا المزيد:-

مصر – الكشف عن مقبرة الملك تحتمس الـ 2 آخر مقبرة مفقودة لملوك الأسرة الثامنة عشر في مصر

مصر: كشف أثري جديد لرأس بطلمي من القرن الـ7 الميلادي بالإسكندرية

مصر : الكشف عن بقايا استراحة الملك تحتمس بتل حبوة بشمال سيناء

مصر .. الكشف عن أقدم حالة التهاب المفاصل الروماتويدي في مصر القديمة

القيسوني يكشف في حوار لـ ” أفرو نيوز 24 “ : شيخ المرممين أحمد يوسف لم يكن “نجاراً بسيطاً”بل الأول علي طلبة مدرسة الفنون

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »