أخبار عاجلةاخبار افريقيا

مطرٌ بلا موعد.. وجفافٌ لا يرحم: حين تصبح السماء لغزاً فوق إفريقيا

في قلب القارة السمراء، حيث كانت المواسم تُحسب على وقع مطر منتظم، تنقلب المعادلة رأساً على عقب. فمنذ سنوات، لم تعد السحب تُنذر بالخير، ولا الأنهار تجري كما كانت، ولا الأراضي تعرف موعد خصبها.

وبين سطور الخرائط المناخية، يتبدّى مشهد مقلق: إفريقيا تتأرجح بين فيضانات جارفة وجفاف قاتل، كأن السماء نفسها فقدت بوصلتها.

رغم ما يبدو من تحسن طفيف في معدلات هطول الأمطار في بعض الأقاليم، إلا أن الحقيقة أبعد ما تكون عن الاطمئنان. فالمطر حين يهطل، لا يتوزع بالعدل ولا يأتي في أوانه. يفيض هنا فيغرق، ويغيب هناك فيحرق.

وهذا بالضبط ما يشهده حوض نهر زامبيزي، حيث تدفقت الأنهار يوماً كالشرايين، قبل أن تنحسر مياها تاركة ضلوع الأرض عارية من الحياة.

في طفولتنا، كانت الطبيعة تعرف إيقاعها: تمطر كل يوم عند الثانية ظهراً، وتهدأ الأشجار لتسمع خرير الجداول. كانت الأرُض الرطبة موطناً للقصب، والمستنقعات تعج بالحياة. أما اليوم، فالجفاف يحفر شقوقه في وجه القارة.

درجات الحرارة لا تكف عن الارتفاع. تشير البيانات الحديثة إلى أن جنوب القارة يسجل أكبر ارتفاع في درجات السطح، مع توقعات كارثية بأن تصل الزيادة إلى أربع درجات مئوية بحلول منتصف هذا القرن. أما في منطقة الساحل، فقد زادت كميات المطر بشكل لافت، لكن النمط العام غير منتظم، مما يربك الفلاح والمزارع وصانع القرار على حد سواء.

الظواهر المتطرفة أصبحت هي القاعدة، لا الاستثناء. منذ تسعينيات القرن الماضي، تضاعفت وتيرة موجات الحر والجفاف والفيضانات مرتين إلى ثلاث، وتتجه إلى مزيد من العنف. ليس الأمر مجرد اضطراب طقسي، بل أزمة مكتملة الأركان، تؤثر في الغذاء، والماء، والطاقة، والحياة نفسها.

سواحل إفريقيا ليست بمنأى عن الخطر. فمنذ عام 1900، ارتفع منسوب البحر بنحو 20 سنتيمتراً، ومن المتوقع أن يقفز إلى ما بين 35 و 50 سنتيمتراً إضافياً بحلول عام 2050، مما يهدد المجتمعات الساحلية بالغرق البطيء أو النزوح الجماعي.

من وسط إفريقيا إلى شمالها، ومن الشرق إلى الجنوب، تتآمر العوامل المناخية على الحياة. الجفاف، والحرارة، وتقلص تدفقات المياه، كلها تهدد الزراعة والنظم البيئية ومصادر الطاقة الكهرومائية، وتقود القارة نحو مجاعة محتملة إن لم تُتخذ إجراءات جذرية.

هذه ليست أزمة بيئية فقط، بل أزمة تمس جوهر العدالة وحقوق الإنسان. فالمناخ حين يختل، تتزعزع الحقوق في الغذاء والماء والهواء النظيف. وما لم يُكبح جماح الوقود الأحفوري، ويُعاد التفكير في أسلوب حياتنا الصناعي، فإن الكارثة لن تتوقف عند عتبة إفريقيا، بل ستدق أبواب العالم بأسره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »