أخبار عاجلةالرأي

الدكتور ذيب القراله يكتب : هل تلجأ إيران إلى خيار ( شمشون) ؟

لا زالت معطيات البيئة الاستراتيجية الإقليمية والدولية ، تؤكد أن منطقة الشرق الأوسط لن تنعم بالاستقرار قبل أن يتم الانتهاء من ( هندسة) كل الملفات العالقة والقضايا الخلافية فيها ، وفقا لأهداف وتطلعات ومخططات القوى المهيمنة عالميا بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل.

فمع انتهاء ( القصف المتبادل ) ضمن ( الجولة الأولى ) من الحرب الإسرائيلية – الايرانية، بدأ واضعو السياسات والمخططات الاستراتيجية من سياسيين وعسكرين في واشنطن وتل ابيب ، مرحلة ( العصف الذهني ) التي تدرس ( جدولة الصراع ) من حيث شكل وتوقيت ومسرح ( المرحلة الثانية ) من الحرب ضد طهران ( التي ستكون حربا هجينة وممتدة بالوكالة ) في ضوء عدم تحقق كامل النتائج المرجوة والأهداف المعلنة و ( الخفية ) خلال حرب الإثني عشر يوما.

ومن غير المستبعد أن تعيد الأحداث انتاج نفسها خلال أسابيع ،، فالجولة الأولى من الحرب جاءت والجميع ينتظر الجولة السادسة من المفاوضات الأمريكية – الإيرانية في مسقط، ولربما تأتي المرحلة الثانية في ظل الحديث أيضا عن مفاوضات ( متوقعة ) بين إيران والولايات المتحدة، فهل تُلدغ طهران من ذات الجحر مرتين؟.

وفي الجولة الأولى من الحرب ،كان تقرير هيئة الطاقة الذرية الدولية ( السرًي ) وقرار مجلس محافظيها حول عدم تعاون إيران مع الوكالة هو ( حصان طروادة ) الذي اتخذته إسرائيل مبررا لشن هجومها على إيران ،،، والسؤال هنا هل سيكون تهديد إيران لمدير عام الوكالة ( رافائيل غروسي ) بالاعدان ، ورفض طهران تقديم تنازلات في ملفيها النووي والصاروخي ، هو السكة التي سيسير عليها قطار المرحلة الثانية من الحرب ، ولكن هذه المرة بشراكة إسرائيلية – أمريكية وبدعم أوروبي مباشر .

خلال أيام سيكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن ، وقد سبقه إليها وزيره للشؤون الاستراتيجية ، وأخبار بيع واشنطن أسلحة لتل أبيب بقيمة ٥١٠ ملايين دولار ، والعنوان ( الرسمي ) للزيارة هو بحث ( إنهاء ملف غزة )،، لكن العنوان ( الأبعد – المخفي ) هو بحث مخططات ومواقيت البدء بالمرحلة الثانية من الحرب على إيران ، والتي من المتوقع أن تبدأ نجاحاتها ( لجهة اضعاف النظام تمهيدا لسقوطه) من الأقاليم والمناطق الحدودية ( ذات الأغلبية غير الفارسية ) هذه المرة وليس من المركز الذي سيتم انهاكه عسكريا ، واجبار النظام على حشد قوته الصلبة والتحصًن فيه ، مما يضعف سيطرته على الأطراف.

لذلك فإن اجتماعات ولقاءات واشنطن ستناقش ( المرحلة الثانية ) من الحرب على إيران ضمن بعدين الاول العمل العسكري المباشر ضد طهران ولكن ضد أهداف جديدة وبتكتيكات مختلفة ،، والآخر هو تدارس خطة محكمة متزامنه ( لتثوير ) الداخل الإيراني ، عبر تفعيل أطياف المعارضة الكردية وجبهة تحرير عربستان ومجاهدي خلق والملكيين والتيار الجمهوري العلماني وغيرها من التنظيمات، والبدء ( بقضم ) إيران من الأطراف.

تجيًش الشارع الإيراني ( المحتقن ) أيضا ضد النظام ، هو أمر وارد من وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية ، وقد يبدأ ( بحراك نسائي – شبابي ) على الظلم والاضطهاد الذي يتعرضون له ، مما يعطي ( الثورة ) المفترضة تعاطفا دوليا ، في ضوء القمع المتوقع ، الذي ستتعرض له تلك التحركات الانثوية – الشبابية ، من قِبل السلطات الايرانية.

‎ طهران ( التي تلعب كعادتها على ورقة شراء الوقت للوصول إلى ( النادي النووي ومفاجأة العالم ) تطبيقا لخبرتها في ممارسة ( التُقيه السياسية ، والصبر الاستراتيجي ) تُدرك أن ( الحرب ) قادمة لا محالة ، لكن هامش الحركة المتاح أمامها محدود جدا ، في ضوء غياب ( الحُلفاء ) .

وبالنظر اليوم إلى موازين القوى على الأرض ، وفي ضوء الضربات الاستراتيجية التي تلقتها إيران في الجولة الأولى من الحرب ( وخاصة الاختراق الاستخباري ) ،، وخروجها من سوريا بعد سقوط نظام الاسد، وخسارة التواصل الجغرافي الممتد من بحر قزوين الى شواطيء المتوسط ، وتقييد وتقويض قدرات وتحركات حزب الله في لبنان، والكمون الاجباري الفعلي للتنظيمات العراقية الموالية لها ( رغم التهديدات الإعلامية الصادرة عنها ) ، وضبابية المستقبل بالنسبة لفعالية وردود افعال الحوثيين ، فان مساحات المناورة امام طهران تبقى ( ضعيفة) .

والسؤال هو : هل ستلجأ إيران ( اذا ما فرضت عليها الحرب ) إلى ( خيار شمشون) عكسي وتطلق آلاف الصواريخ الفتاكة باتجاه إسرائيل في المواجهة القادمة ؟.

ورغم زيادة وتيرة ( الضجيج ) والتهديدات المتبادلة ( المباشرة وغير المباشرة ) إلا أنه يجب أن لا نستبعد أن يحصل ( في ربع الساعة الاخيرة ) اتفاق بين الطرفين الأمريكي والإيراني ،ولكن بشروط ( اذعانية ) بكل تأكيد من جانب طهران ، التي ستحاول الحصول على ما يحفظ ( ماء وجهها ) تجنبا لأمرين كلاهما مر ً ، وهما عمل عسكري ( إسرائيلي بدعم أمريكي – أوروبي ) يُؤذي بقوة مصادر قوتها الاقتصادية ويدمر منشآتها الحيوية ويهشم هيبتها ، وحصار أشد وطأة يُنهك اقتصادها المُرهق أصلا ، و( يخلخل ) جبهتها الداخلية المهيأة والراغبة بالتخلص من النظام .

ومنذ الآن ولغاية الوصول إلى تلك ( الحرب – أو التسوية باحتمالاتها الضعيفة ) سيبقى حديث إيران عن ما تملكه ( مفاجآت )، وما يقابله من اظهار ( الإصرار ) الإسرائيلي الأمريكي على انهاء التهديد الايراني ، مستمرا ، ويحتل عناوين الأخبار والمنصات والشاشات ، في عملية جس نبض ( إعلامية – دعائية كجزء من الحرب النفسية) فيما ( التسويات والتفاهمات والصفقات الجادة ) قد تجري في نهاية المطاف في ( غُرف مظلمة ) بعيدة عن أعين الشعوب ، التي لا ترى دائما إلا ( نصف الحقيقة او ربعها ) و( على طريقة قصف ايران لقاعدة العديد في قطر ) .

وبالنسبة للعرب ، فإن مصلحتهم الاستراتيجية تقتضي أن لا يكون هناك رابح في هذه الحرب ، حتى يبقى عامل الردع قائما ، بين الطرفين ، ويصب في صالح الأمن القومي العربي في نهاية المطاف ، ولذلك فإن الأداء الرسمي حيال هذا الملف – سيبقى ( كما كان في الجولة الأولى ) ، ( محايدا وقلقا ومترددا ) فيما سيظل رد الفعل الشعبي في معظمه ( مشتتا وفاقدا للبوصله ) ويُعبًر عن ذاته ودوافعه أحيانا بطريقة ( سطحية ) .

ورغم إيمان ( غالبية ) العرب بضرورة أن يكون برنامج إيران النووي سلميا ( لأنهم ربما يكونوا أول ضحاياه في حال كان عسكريا ) إلا أنهم يشعرون بنوع من ( الحنق والغبن والغضب ) عندما يشاهدون ( نفاق ) العالم كله ( دول ومنظمات ) وتغافله عن قدرات إسرائيل النووية ، كما يلمسون ( التقاعس ) عن اتخاذ أي خطوة عملية طبيعية ، عندما يتعلق الأمر في أي قضية عربية أو إسلامية ، ولعل ما يجري في غزة منذ عامين تقريبا من قتل وتشريد وتجويع خير دليل على ذلك .

* الدكتور ذيب القراله .. كاتب وإعلامي أردني.

* theeb100@yahoo. com

اقرأ المزيد

مصر تجدد دعمها لاستقرار الصومال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »