ألاسكا.. المسرح الجليدي حيث يعيد بوتين و ترامب فتح ملف “أمريكا الروسية”

في مشهد يختزل قرنًا ونصف القرن من التنافس الجيوسياسي، تحتضن ألاسكا – الولاية الأمريكية الأكثر غموضًا – أول قمة تجمع الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. الاختيار لم يكن اعتباطيًا: إنه إعادة إحياء لـ”الصفقة الأغرب في التاريخ” التي تحولت إلى سلاح رمزي في معركة القوى العظمى.
“صفقة القيصر”.. حين بيعت كنوز العالم بثمن بخس
في 30 مارس 1867، وقّع القيصر ألكسندر الثاني اتفاقية بيع ألاسكا للولايات المتحدة مقابل 7.2 مليون دولار فقط (ما يعادل 120 مليون دولار اليوم)، أي أقل من سنتين لكل فدان! كانت روسيا تخشى سقوطها في أيدي بريطانيا بعد هزيمتها في حرب القرم، بينما سخر الأمريكيون من الصفقة ووصفوها بـ”حماقة سيوارد” تيمنًا بوزير الخارجية ويليام سيوارد.
المفارقة الصاعقة تكمن اليوم في ثروات مهدرة: ألاسكا تضخ 20% من نفط أمريكا، وتملك احتياطيات غاز تُقدّر بـ 236 تريليون قدم مكعب.
– القطب الشمالي: 30% من احتياطيات العالم غير المكتشفة من النفط والغاز تحت جليدها، وهي البوابة الروسية للموارد.
لماذا ألاسكا؟ شفرة بوتين السياسية
اختيار بوتين للموقع يحمل رسائل متعددة الطبقات:
1. استعادة الذاكرة: تذكير العالم بأن “أمريكا الروسية” (الاسم القديم لألاسكا) كانت جزءًا من الإمبراطورية الروسية 68 عامًا.
2. ورقة ضغط: التلميح بإمكانية المطالبة بامتيازات في القطب الشمالي، حيث تدّعي موسكو حقوقًا تاريخية.
3. معادلة النفوذ: الرد على العقوبات الغربية عبر التمدد في الفناء الخلفي لأمريكا، حيث تبعد جزيرة “ديوميد الروسية” عن نظيرتها الأمريكية4 كم فقط!
جغرافيا باردة.. قلب الصراع الساخن
تشكل ألاسكا نقطة الالتقاء الاستراتيجية بين القوى:
المساحة أكبر ولاية أمريكية (تساوي 5 ولايات كاليفورنيا!) الجوار الروسي مضيق بيرنغ يفصلها عن روسيا بـ82 كم فقط
الحدود الكندية أطول حدود برية مع دولة أخرى (2,475 كم) الثروات 50% من أسماك أمريكا – 80% من اليورانيوم الوطني
سكان الجليد.. فسيفساء بشرية فريدة
أظهرت أحدث بيانات التعداد:
15.6% هنود حمر وسكان أصليون (أعلى نسبة في أمريكا).
-5.2% يتحدثون لغات أصلية مثل “يوبيك” و”إنوبياك”.
20,000 أرثوذكسي (إرث البعثات الروسية 1794).
– مفارقة عرقية: 16.6% أصول ألمانية مقابل 0.5% فقط روسية!
القمة على جمر القطب الشمالي
تأتي اللقاء في لحظة حرجة:
– الصراع الأوكراني: عقوبات غربية تجمد التعاون.
– الذهب الأبيض: سباق محموم على 1.7 تريليون دولار من الموارد تحت الجليد.
– ورقة ألاسكا: قد تكون مفتاحًا لصفقة تضمن لموسكو نفوذًا في القطب مقابل تراجع في أوكرانيا.
“الحدود السياسية تزول، لكن الجغرافيا تبقى القوة الأبدية” – سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي.
السيناريو الأسود.. هل تعيد روسيا الملف؟
رغم نفي موسكو لأي مطالب تاريخية، يحذر محللون من أن:
– معاهدة 1867 تنص على أن “البيع نهائي”، لكنها لم تحدّد حقوق التعدين في الجرف القاري.
بوتين قد يستخدم الورقة الرمزية لابتزاز تنازلات في القضايا الشائكة.
بين جبال الجليد والبراكين النشطة، تكتب ألاسكا فصلًا جديدًا من صراع القوى.. حيث يذوب الثلج ليُظهر تحالفات أكثر برودة من قطبيها.