أخبار عاجلةالرأي

الدكتور محمود أحمد فراج يكتب : مصر واليابان.. شراكة تتجاوز الاقتصاد

انعقاد مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا (تيكاد 9) بمدينة يوكوهاما هذا العام لم يكن حدثًا عابرًا في أجندة العلاقات الإفريقية اليابانية، بل محطة فارقة تعيد رسم ملامح التعاون الدولي في القارة.. واللافت أن مصر كانت في قلب هذا المشهد، لتؤكد من جديد أنها لم تعد مجرد لاعب إقليمي، بل بوابة رئيسية تربط إفريقيا بالعالم.

اليابان جاءت إلى المؤتمر برؤية مختلفة عن كثير من القوى الكبرى. فهي لا ترى إفريقيا كمخزن للموارد، بل كساحة استثمار في الإنسان، التعليم، والصحة. إعلان رئيس الوزراء الياباني عن تخصيص 30 مليار دولار حتى عام 2028 لدعم التنمية الإفريقية يعكس هذا التوجه “الأخلاقي” الذي يميز السياسة اليابانية.

في هذا السياق، جاءت مشاركة القاهرة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي لتترجم مكانتها المتنامية,  خلال ثلاثة أيام فقط، وُقعت 12 اتفاقية تعاون مع اليابان في مجالات تمتد من التعليم إلى الطاقة النظيفة والتحول الرقمي.. وهذا ليس مجرد رقم بروتوكولي، بل مؤشر على إرادة سياسية قوية من الطرفين لفتح صفحة جديدة في العلاقات.

الأهمية هنا أن مصر لا تكتفي بالاستفادة من هذه الشراكة لصالحها الداخلي، بل تقدم نفسها كنموذج يمكن تعميمه في إفريقيا.. تجربة المدارس المصرية اليابانية – التي تجاوزت 69 مدرسة – والجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا، ليست مجرد مشروعات تعليمية، بل أدوات لصناعة جيل إفريقي جديد يمتلك المعرفة والقدرة على المنافسة.

اقتصاديًا، تبدو فكرة إقامة منطقة صناعية يابانية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خطوة استراتيجية من شأنها أن تجعل مصر مركزًا إقليميًا للصناعات اليابانية، ما يفتح الباب أمام إفريقيا للاستفادة من التكنولوجيا والخبرة اليابانية.. وفي ظل التغيرات الاقتصادية العالمية، تبدو طوكيو في حاجة فعلية إلى شريك مستقر يمكنه أن يربطها بالأسواق الإفريقية، وهذا ما توفره القاهرة.

لكن الأهم أن هذه الشراكة لا تقف عند حدود الاقتصاد. هناك تعاون في مجال الصحة، بدعم مستشفى أبو الريش للأطفال، وفي الثقافة عبر مشروع المتحف المصري الكبير، وحتى في قضايا المناخ والهيدروجين الأخضر.. كما أن اليابان لم تخف تقديرها لدور مصر في ملفات إقليمية حساسة، مثل وقف إطلاق النار في غزة، ما يؤكد أن العلاقة بين البلدين باتت شاملة ومتعددة الأبعاد.

ما يخرج به المراقب من “تيكاد 9” أن مصر أصبحت شريكًا لا غنى عنه، ليس لليابان وحدها، بل للقارة الإفريقية كلها. والرهان الآن هو على تحويل الاتفاقيات إلى مشروعات حقيقية تغير حياة الناس على الأرض.

ختاما ، يبدو أن القاهرة وطوكيو تسيران معًا نحو صياغة معادلة جديدة في العلاقات الدولية: شراكة تقوم على التنمية لا الاستغلال، وعلى الاحترام المتبادل لا التبعية. وهذه بالضبط هي الوصفة التي تحتاجها إفريقيا لتكتب فصلًا مختلفًا في مستقبلها.

 

اقرأ المزيد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »