تيك توك: كيف حولت واشنطن التطبيق الصيني إلى أصول أمريكية؟
قصة الصفقة من المواجهة إلى التسوية بقيمة 50 مليار دولار
بعد سنوات من التوتر والمفاوضات حول تيك توك, انتهت واحدة من أعقد الملفات الرقمية في العالم إلى صفقة تاريخية بين الولايات المتحدة والصين، تم بموجبها نقل ملكية “تيك توك” إلى كيان أمريكي مستقل بقيمة تقدر بحوالي 50 مليار دولار. هذه التسوية لم تكن مجرد اتفاق مالي، بل شكلت تحولًا جذريًا في خريطة العلاقات التكنولوجية الدولية، حيث اعتبرت واشنطن أن السيطرة على التطبيق تمثل حماية مباشرة لأمنها القومي ومصالحها الاقتصادية.
دوافع الولايات المتحدة للسيطرة على تيك توك
أول ما دفع واشنطن نحو هذه الخطوة هو الخوف من احتمالية وصول الحكومة الصينية إلى بيانات أكثر من 170 مليون مستخدم أمريكي. فالقانون الصيني يلزم الشركات الخاصة بالتعاون مع الدولة في قضايا الأمن، وهو ما أثار مخاوف عميقة لدى الأجهزة الأمريكية. لهذا، نص الاتفاق على أن بيانات المستخدمين ستدار من خلال مراكز بيانات تابعة لشركة “أوراكل” في تكساس، بما يضمن بقاءها داخل الأراضي الأمريكية وخضوعها للقوانين المحلية.
لكن المسألة لم تتوقف عند البيانات فقط. فواشنطن تنظر إلى خوارزميات التوصية في تيك توك باعتبارها “العصب الحيوي” الذي يصنع التأثير الثقافي والسياسي للتطبيق. المسؤولون الأمريكيون يخشون أن تُستخدم هذه الخوارزميات للتلاعب في النقاشات العامة أو حتى التأثير في الانتخابات. ولهذا، كانت السيطرة على الخوارزمية جزءًا أساسيًا من الصفقة، إلى جانب الحفاظ على الهيمنة الثقافية في مواجهة التطبيق الذي بات قوة عالمية جذب نحو ملياري مستخدم.
المصالح الاقتصادية والتفوق التكنولوجي
إلى جانب البعد الأمني، تلعب المصالح الاقتصادية دورًا بارزًا. تيك توك أصبح أحد أكبر اللاعبين في سوق الإعلانات الرقمية، حيث استحوذ على نحو 2.3% من السوق العالمية بعوائد تجاوزت 10 مليارات دولار في 2022. ومن ثم، رأت واشنطن أن السيطرة على هذا الأصل الرقمي تعزز تفوقها التكنولوجي في مواجهة الصين، وتمنح شركاتها حصة مؤثرة في قطاع يشهد نموًا متسارعًا.
ملامح الاتفاقية وهيكل الملكية الجديد
الاتفاق نص على تأسيس كيان أمريكي جديد يسيطر على تشغيل التطبيق داخل الولايات المتحدة، بحيث يمتلك المستثمرون الأمريكيون ما يقرب من 80% من الأسهم عبر تحالف يضم “أوراكل” و”سيلفر ليك” و”أندريسن هورويتز”، إلى جانب مساهمين حاليين في “بايت دانس”. فيما تبقى 20% من الحصة بيد المساهمين الصينيين في الشركة الأم. ومن أجل ضمان الرقابة، سيتم تشكيل مجلس إدارة غالبيته أمريكية، مع مقعد مخصص للحكومة الأمريكية. كما سيلتزم الكيان الجديد بتشغيل نسخة أمريكية منفصلة من التطبيق تعتمد على خوارزميات يتم تطويرها وإدارتها محليًا.
الآثار والتداعيات المتوقعة للاتفاقية
اقتصاديًا، يتوقع أن تسهم هذه الصفقة في استقرار سوق التكنولوجيا الأمريكي، وتعزز ثقة المستثمرين في قدرة واشنطن على حماية مصالحها الرقمية. كما تفتح الباب أمام استثمارات جديدة لتطوير تطبيقات وخدمات محلية، مع توسيع حضور تيك توك عالميًا في بيئة أكثر أمانًا.
أما على الصعيد الجيوسياسي، فإن هذه الصفقة قد تشكل نموذجًا جديدًا لإدارة الأصول الرقمية العابرة للحدود ضمن قيود سيادية صارمة، وقد تعزز فرص الحوار التجاري بين بكين وواشنطن باعتبارها “اختبار ثقة” يمهد لمعالجة ملفات اقتصادية أوسع.
التحديات والعقبات المحتملة
رغم التوصل إلى اتفاق، تظل هناك تحديات قانونية وتنظيمية معقدة، خاصة ما يتعلق بالتوافق مع القوانين الصينية الخاصة بتصدير التكنولوجيا وتراخيص الملكية الفكرية. كما أن الاعتماد الجزئي على تقنيات مرخصة من “بايت دانس” يبقي الباب مفتوحًا أمام جدل سياسي وأمني داخل الكونغرس. وفي ظل هذه التعقيدات، قد تواجه الصفقة عراقيل جديدة قبل استكمال تنفيذها الكامل.
في المحصلة، تمثل صفقة “تيك توك” بين واشنطن وبكين تحولًا استراتيجيًا في إدارة الصراع الرقمي العالمي. فهي تسعى إلى حماية الأمن القومي الأمريكي، لكنها في الوقت ذاته تعكس إدراكًا متزايدًا بأن السيادة الرقمية أصبحت عنصرًا أساسيًا في النظام العالمي الجديد. ورغم أنها قد تفتح نافذة لتهدئة اقتصادية أوسع، إلا أن التنافس التكنولوجي بين القوتين العظميين سيبقى حاضرًا، بل وربما يتصاعد في المستقبل القريب.
إقرا المزيد:
إيلون ماسك ينفي اهتمامه بشراء تيك توك
وكيل فيكتور أوسيمين يهدد “نابولي” بسبب فيديو علي التيك توك
لماذا طلبت المفوضية الأوربية موظفيها حذف تطبيق ” تيك توك “
