أخبار عاجلةالرأي

الكاتبة التونسية اسيا العتروس تكتب: بين اعلان الدولة الفلسطينية أو استمرار الإبادة الجماعية

في أحدث رسالة للأمين العام للأمم المتحدة دعا جوتيريش العالم ألا يخشى ردود الفعل الإسرائيلية، في ظل مواصلة إسرائيل الحرب على قطاع غزة والسعي لضم الضفة الغربية تدريجيا, وقال جوتيريش “أنه ينبغي أن لا نشعر بالخشية من خطر رد الفعل الانتقامي، لأنه سواء قمنا بما نقوم به أم لا، هذه الإجراءات ستستمر، وعلى الأقل هناك فرصة لحشد المجتمع الدولي لممارسة الضغط لمنع حدوث ذلك”، و الأرجح أن رسالة الأمين العام تفترض أكثر من قراءة بعد الفشل الذريع للمجتمع الدولي في ايقاف المطحنة الدموية لكيان الاحتلال .

على أن الأهم في هذه الرسالة أن جوتيريش وبعد استنفاذ كل الحلول بما في ذلك استخدام القرار 99 من ميثاق الأمم المتحدة لتنبيه مجلس الأمن إلى أي مسألة يعتبر أنها تهدد الأمن والسلم الدوليين يطلب دعم المجتمع الدولي في مواجهة غطرسة أمريكية إسرائيلية غير مسبوقة و هو ما يجعل هيئة الأمم المتحدة أمام خطر وجودي وخطر لمسار القانون الدولي و ميثاق الأمم المتحدة و القيم الكونية لحماية الأمن والسلم بعد الحرب العالمية الثانية ويدفع بدلا من ذلك إلى شريعة الغاب بتوقيع ترامب نتنياهو..

والأكيد أن القانون الدولي والشرعية الدولية بكل ثغراتها وعثراتها لا تزال تعتبر سلاح الشعوب المستضعفة وحصنها في مواجهة و حل الصراعات والحروب و الاعتداءات و المظالم المرتبطة بالاحتلال.

و في رسالة جوتيريش للمجتمع الدولي صرخة مع بدء العد التنازلي لإعلان الدولة الفلسطينية في جلسة الأمم المتحدة وفقا للمبادرة الفرنسية السعودية و إعلان نيويورك .. جوتيريش يدرك جيدا أنه لا شيء يردع إسرائيل المتحصنة بالفيتو الأمريكي و يدرك أن هذ الصرخة قد تكون الاخيرة ضمن اخر فصول المحرقة في غزة .

يكفي أن نستحضر تهديدات نتنياهو وعصابته ضد كل دولة تتجه إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية لندرك أن هذا الاعلان مزعج لكيان الإحتلال , و أن مجرد إعلان فرنسا و بريطانيا النية الاعتراف بالدولة الفلسطينية أصاب نتنياهو بنوبة جنونية و جعله كالمسعور ينذر يتوعد و يهدد و يتطاول على الدول التي يعود لها الفضل في نشأة الكيان الغاصب و منحه بطاقة الولادة غير الشرعية في أحضان عصبة الأمم .

إعلان الدولة الفلسطينية له أحكامه في القانون الدولي و أول تلك الأحكام ايقاف العدوان والإبادة المستمرة في حق الشعب الفلسطيني …و لعله آن الأوان أن يكون الإعلان في رحاب الأمم المتحدة لإنهاء الظلم الذي طال أمده و منع انهيار القانون الدولي نهائيا و تنصيب قانون الغاب و التوحش بدلا من ذلك بزعامة نتنياهو و ترامب .

يصر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تسويق اللامنطق في دعمه الأعمى لإسرائيل في حرب الإبادة المستمرة على غزة وإصراره على أنه لم ير التقارير الأممية عن الإبادة في غزة و لكنه في المقابل رأى الإبادة التي اقترفتها حماس في السابع من أكتوبر …ترامب في الواقع لايختلف في شيئ عن السواد الأعظم من المجتمع الإسرائيلي المحكوم بعقلية عنصرية استعلائية تلغي وتسمح بافناء كل من يتجرأ على نقد الدولة العبرية والمطالبة بمحاسبتها .. و هذا ما تؤكده أحدث استطلاعات الرأي التي كشفت وفق صحيفة هارتس العبرية أن 82 بالمائة من الإسرائيليين يؤيدون تهجير الفلسطينيين من غزة و أن 47 بالمائة يؤيدون قتل النساء والرجال والأطفال وهي أرقام تعكس بوضوح توجهات حكومة اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو معه سموتريتس و بن غفير ، و ما يؤكد أيضا أن المظاهرات الاحتجاجية التي قادها اليسار الإسرائيلي للمطالبة باستعادة الرهائن ووقف الحرب تتنزل في الإطار الشاذ الذي يحفظ و لا يقاس عليه والمجتمع الاسرائيلي مريض بداء الحقد والرغبة في الانتقام و الاستعداد للقتل و تأييد الاغتيال والغدر وهو في أغلبه لا يرى و لا يسمع شيئا مما يتعرض له أجواره من قصف يومي يستهدف البيوت و المستشفيات والمدارس و الجامعات و يبيد عائلات بأكملها و يتسبب في حرق الصحفيين أحياء وفي تجويع الاطفال وحرق الاخضر و الياس .

و في زمن تكنولوجيا المعلومات و عصر المواقع الاجتماعية فإن الإسرائيلي لا ير شيئا من ذلك وحتى أن اطلع على سير المحرقة في غزة فإنه عموما لا يبالي .. و باستثناء بعض المؤرخين الجدد والنشطاء الذين خبروا أهوال المحرقة اليهودية يعبرون صراحة عن مواقفهم الرافضة لجرائم نتنياهو لكنهم أبعد ما يكونون عن أي تأثير داخل الكيان الإسرائيلي ..

ندرك جيدا لا شيء يكن أن يغير موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من القضية الفلسطينية وهو الذي ينظر للأحداث في الماضي و الحاضر و المستقبل من منظار حليفه نتنياهو مجرم الحرب المطلوب للجنائية الدولية ..نقول هذا الكلام و نحن ندرك أن كل يوم بل كل ساعة تمضي دون توقف حرب الإبادة يعني بكل مرارة مزيدا الضحايا من نساء و أطفال و رجال و مزيد من الجرحى و المشردين و المجوعين دون اعتبار للخراب و الدمار .

قبل أيام و للمرة السادسة على التوالي رفعت مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة الفيتو لاجهاض مشروع قرار لإيقاف الإبادة في غزة , ولاحقا أصدرت الخارجية الأمريكية بيانا يهزأ بالعقول لتبرير ما قامت و اعتبار أن مشروع القرار يكافئ حماس , و تلا هذا البيان في وقت لاحق بيان أمريكي ثان لتبرير أسباب رفض واشنطن مشروع قرار الجمعية العامة لقبول المشاركة الفلسطينية في الدورة الثمانين للجمعية العامة عبر الفيديو بعد رفض منح التأشيرات للوفد الفلسطيني وهو قرار يتعارض مع المادة ال11 من اتفاق مقر الأمم المتحدة .

و كما في البيان السابق فإن المطلوب من الجانب الفلسطيني ” إدانة كل ما قامت به حماس ووضع حد للتحريض على الإرهاب في التعليم و تتوقف أيضا عن محاولات تدويل الصراع من خلال حملات الحرب القانونية بما في ذلك اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية و محكمة العدل الدولية وجهودها لتجاوز المفاوضات لضمان اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية مفترضة ”

..خلاصة القول أن كل ما يتنكر و يلغي الحق الفلسطيني مطلوب و يجد التأييد من إدارة ترامب بتعليمات إسرائيلية ، و كل ما يمكن أن الحق الفلسطيني و يدعم القانون الدولي رجس مرفوض ..و لهذا السبب و غيره من الأسباب أيضا فإن القرار المرتقب مطلع الأسبوع في الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية بدعم من فرنسا الدولة العضو في مجلس الأمن الدولي لا يجب أن يتوقف أو يتأجل لأي سبب كان .

صحيح أن قرار إعلان الدولة الفلسطينية حدث في الجزائر منذ 1988 و لكن توجه عشر دول أوروبية اليوم لإعلان هذا الاعتراف الذي بات واضحا أنه مزعج لكيان الإحتلال الإسرائيلي ولرئيس حكومته المهوس بمشروع إسرائيل الكبرى يجب أن يتكرس على أرض الواقع و يوجه رسالة إلى ادارة ترامب أنه لا يمكن لقرارات واشنطن الموغلة في الاعتداء على الحق المشروع للشعب الفلسطيني أن تمنع هذا الاعتراف الذي يعزز القناعة بأن وشنطن و تل أبيب و بضع كيانات من الجزر النائية في المحط الهندي وحدها ترفض هذا الاعتراف .

إعلان الدولة الفلسطينية و الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الذي ظل يؤجل ليس منة أو هدية أو تنازلا من أي كان بالعكس فان الشعب الفلسطيني أكثر من قدم التنازلات و لكن لم يحصد غير النكران والخذلان ..سيقول الكثيرون أين ستقام هذه الدولة و ما هي حدودها و مقومات بقائها بعد سطو حكومات الاحتلال المتعاقبة على الأرض و بعد حرب المستوطنين التوسعية من الضفة إلى غزة .

و كلها تساؤلات مشروعة و مع ذلك فلا شيئ اليوم يجب أن يقف دون هذا الإعلان الذي أجمعت عليه أغلب دول العالم و سيكون لزاما على الدول الأوروبية و بينها بلدان عضوان في مجلس الأمن يستعدان لهذا الإعلان التاريخي و هما فرنسا و بريطانيا أن يلتزما و يكرسا تبعات هذا الإعلان و ما يستوجبه الاعتراف في القانون الدولي من فتح لسفارات معتمدة لها على أرض فلسطين و توفير الحماية لها وقبل كل ذلك منع تعرض سلطات الاحتلال لها لأن في ذلك أيضا اعتداء على مصداقية و صورة و التزامات الدول المعنية . إعلان الدولة الفلسطينية ستكون شهادة إضافية عن العزلة الاسرائيلية والأمريكية أمام هذا الاجماع الدولي ولكنها ستكون أيضا اختبار للدول الراعية لإعلان الدولة الفلسطينية و معها فرنسا و بريطانيا مهد وعد بلفور الذي قدم ما لا يملك لمن لا يستحق .

لسنا واهمين و لا نتوقع ترحيب تل أبيب وواشنطن بهذا الاعلان و لكن من المهم أيضا ما سيكون عليه موقف فرنسا و الدبلوماسية الفرنسية أمام تهديدات نتنياهو في حال أصرت فرنسا على موقفها …الخطوة مصيرية في التوجه جديا نحو فرض عقوبات اقتصادية و تجارية و عسكرية على هذا الكيان الارعن الذي تجاوز كل درجات الاجرام و التوحش و لا يمكن بأي حال من الأحوال اخماد أو تجاهل أصوات مشاهير السياسيين و المحامين و الفنانين و الرياضيين الذين يطالبون بمنع مشاركة اسرائيل في التظاهرات الرياضة الدولية و منها كأس العلم إلى جانب أصوات الحائزين على جائزة نوبل الذين يوقعون العرائض لردع هذا الكيان و إيقاف الإبادة .

و لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تبقى إسرائيل عنوان آخر أبشع وافظع انواع الاحتلال في القرن الواحد و العشرين و معها الحليف الامريكي وحدهما على حق و كل العالم على خطأ … لقد أعلنت شعوب الأرض بمختلف انتماءاتها و معتقداتها و لغاتها رفضها استمرار جرائم الإبادة ..ولو كان للضمير الشعبي الإنساني سلطة القرار لكان وقع نهاية هذا الاحتلال ..

لا نتوقع أن يتخلى ترامب عن دعم مجرم الحرب نتنياهو الذي ذهب إلى حد وصفه ببطل حرب و لا نتوقع أن يتراجع عن انكار كل الحقائق الميدانية التي تدين كيان الاحتلال الإسرائيلي و لكن ما نتوقعه و ننتظره أن يكون لقرار العالم اعلان الدولة الفلسطينية وقعه لاعادة احياء القانون الدولي والقيم الكونية التي يسعى نتانياهو لإزالتها من ميثاق الأمم المتحدة من و بينها حق الشعوب في المقاومة والنضال ضد الاحتلال و لأجل حقها في الحرية والكرامة والسيادة و بالتالي التوقف عن ادانة كيان الاحتلال .

على العالم أن يكفر عن ذنوبه وأخطاءه في هذه المحرقة وأن يجعل من الاعتراف بالدولة الفلسطينية منعرجا لإنهاء الابادة أولا و رفع ظلم الاحتلال والانتصار لانسانية الانسان في العالم و في في فلسطين .

والطريق إلى ذلك لا يختلف عما أقدم عليه المجتمع الدولي لردع نظام الميز العنصري في جنوب أفريقيا بما يعني عزل كيان الاحتلال و معاقبته اقتصاديا وتجاريا وعسكريا و ثقافيا و ملاحقته في مختلف المحاكم الدولية حتى يدرك أن زمن الافلات من العقاب انتهى وأنه لن يكون بإمكان مسؤوليه السياسيين والعسكريين و جنوده التنقل خارج الكيان لأن النهاية ستكون الاعتقال حيثما يتوجهون .

 

* اسيا العتروس.. كاتبة و صحفية تونسية .

 

 

اقرأ المزيد

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »