الرأي

يوسف العومي – يكتب: فلسطين المنتصرة وإسرائيل وحلفاؤها الي الوحل والعار

في الوقت الذي تستضيف فيه مدينة شرم الشيخ المصرية جولة جديدة من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يبدو أن موازين القوة قد تغيّرت جذريًا هذه المرة، لأنه وفقًا للعرف والتقاليد في الحروب فإن الخاسر عليه أن يوقع على شروط المنتصر، وبالتالي لا يحق لإسرائيل ولا الولايات المتحدة أن تُملي الشروط أو تفرض رؤيتها لما يُسمّى “السلام”. لأنه حق أصيل للفلسطينيين وحدهم – لأنهم هم الذين انتصروا بإرادتهم وصمودهم رغم خسائرهم البشرية والمادية الفادحة –

لقد خسرت إسرائيل وواشنطن معًا المعركة سياسياً وعسكرياً وأخلاقياً وتاريخياً، ولم يعد أمامهما سوى مواجهة حقيقة سقوط مشروع الهيمنة الذي بُني على الدم والظلم، فما حدث داخل أروقة الأمم المتحدة من مغادرة ممثلو أكثر من خمسين دولة القاعة أثناء كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في موقف جماعي عبّر عن رفضٍ دولي صريح لسياساته العدوانية، وللتحالف الأمريكي الذي يغطي جرائمه. وأكدت تقارير واشنطن بوست أن أكثر من مئة دبلوماسي انسحبوا من القاعة، تاركين المقاعد خالية في مشهد رمزي، يُلخص عزلة إسرائيل غير المسبوقة، وهو ما وصفه دبلوماسيون بأنه “زلزال سياسي”. ففي مشهد لم تعرفه الجمعية العامة من قبل.

لم يكن ذلك الموقف صدفة، بل تتويجاً لغطرسةٍ استمرت طويلاً. فالعالم لم ينسَ بعد ما فعلته البحرية الإسرائيلية بنشطاء أسطول الحرية، حين أطلقت النار بوحشية على متطوعين عزّل قدموا من شتى بقاع الأرض لكسر حصار غزة، في جريمة أثبتت أن إسرائيل ليست دولة تبحث عن سلام، بل كيانٌ جبانٌ وخسيسٌ ومغتصب، يخشى حتى من أصوات الإنسانية. ومنذ تلك اللحظة، بدأت الصورة تتبدل تدريجياً في الوعي الدولي حتى وصلت اليوم إلى قمتها: إسرائيل باتت علامة سامة في العلاقات الدولية، وكل من يقترب منها يُصاب بعدوى العزلة والعار.

لقد أدركت الشعوب، قبل الحكومات، أن إسرائيل فقدت كل مبررات وجودها الأخلاقي، وأن الولايات المتحدة التي وفّرت لها الغطاء السياسي والعسكري خسرت معها احترام العالم. فلم يعد أحد يصدق رواياتها المفبركة عن “الدفاع عن النفس”، ولا تلك الشعارات البالية عن “حق إسرائيل في الأمن”. اليوم، كل شيء مقلوب: الضحية الفلسطينية أصبحت رمزاً للشرف والكرامة، والجلاد الإسرائيلي صار عنواناً للقبح والخيانة.

المحلل الإسرائيلي بن كسبيت كتب في صحيفة معاريف أن “الهزيمة التي مُنيت بها إسرائيل في 7 أكتوبر هي الأشد إذلالاً في تاريخها”، بينما اعترف نتنياهو نفسه لاحقاً بأن بلاده تواجه “عزلة لم تعرفها من قبل”. حتى أدوات التضليل التكنولوجي التي حاول الاحتلال استخدامها، مثل الذكاء الاصطناعي “غروك”، فشلت في إخفاء الحقيقة، لأن الحقائق أقوى من كل حملات الدعاية.

التحقيقات الدولية تؤكد أن 88% من جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة أُغلقت دون محاسبة، بينما تتوالى الأدلة على تورط الجيش الإسرائيلي في جرائم ضد الإنسانية. من أكذوبة “الأطفال المحروقين” التي اضطر البيت الأبيض نفسه للتراجع عنها، إلى فضيحة اعتراف إسرائيل بأنها قصفت مدنيين إسرائيليين في 7 أكتوبر، سقطت كل الأقنعة. وكما كتب المحلل نير حسون في هآرتس: “الرد الإسرائيلي دمّر الأسس التي قامت عليها الدولة العبرية نفسها.”

أما على الساحة الداخلية، فتعيش إسرائيل تفككاً غير مسبوق. وفق تقارير معاريف، فإن عام 2025 قد يكون العام الأخير لحكومة نتنياهو، بعدما أصبح التحالف الحاكم هشّاً إلى حد الانفجار. وفي مارس الماضي، اضطر نتنياهو لإعادة وزير الأمن المتطرف إيتمار بن غفير إلى الحكومة من أجل تمرير الميزانية، متجاهلاً قضية الأسرى الإسرائيليين في غزة، في خطوةٍ جسدت سقوطه الإنساني والسياسي الكامل.

أما ترامب، فقد وجد نفسه شريكاً في السقوط ذاته. بعد أن ربط اسمه بـ”صفقة القرن” التي كانت تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، تحول اليوم إلى رمز للفشل السياسي والعار الأخلاقي. فقد انكشف أنه لم يكن يسعى إلى سلام، بل إلى تكريس واقع الاحتلال، لكن الضمير العالمي استيقظ أخيراً ولفظه كما لفظ شريكه نتنياهو.

التاريخ لا يرحم ولا يُجامل أحداً. تماماً كما تحوّل كريستوفر كولومبس من “مكتشفٍ للعالم الجديد” إلى رمزٍ للإبادة، وكما سقطت أسطورة غاندي بعد انكشاف عنصريته، يسجّل التاريخ اليوم سقوط نتنياهو وترامب. لن يُذكرا كقادة دولة، بل كوجهين لعصرٍ من الكذب والطغيان والدم. لقد حوّلا إسرائيل من دولة تبحث عن اعتراف، إلى كيانٍ منبوذ يثير الاشمئزاز، حتى بين من كانوا يوماً حلفاءه.

عندما انسحبت الوفود من قاعة الأمم المتحدة، كانت تُعلن بوضوح أن زمن الصمت انتهى. لم يعد هناك مجال لتبرير الجرائم أو الالتفاف على الحقائق.. لقد تحوّل نتنياهو وترامب من دعاة قوة إلى رمزين للفشل والنبذ، ومن قادة دول إلى وصمة في التاريخ. اليوم، تُدرك الشعوب أن الحق لا يُقهر، وأن من يزرع الموت يحصد اللعنة..انتهى الدرس يا نتنياهو ويا ترامب… لقد جعلتما من إسرائيل علامة سامة، والتاريخ لا يرحم.

اقرا المزيد:-

يوسف العومي يكتب: “الهائمون على وجوههم: بين الجنون المقدّس والاضطراب النفسي”

يوسف العومي يكتب: صراع بين الموت والخلافة في الكاميرون

يوسف العومي يكتب: الحضارة المصرية القديمة بين الادعاءات الزائفة ودورها كمنطلق رئيسي للمعرفة والعلم والفن للعالم

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »