أخبار عاجلةاخبار افريقياالرأيالسودان

العودة الطوعية .. رحلة أمل للمشاركة في إعادة بناء الوطن

لم يكن المشهد الإنساني الذي ظهر فيه شابان سودانيان وهما يحملان مسنًا على أكتافهما داخل محطة قطارات رمسيس ، سوى صورة رمزية تختصر روح التضامن والإخلاص التي تجسدها مبادرة العودة الطوعية للسودانيين المقيمين في مصر.. تلك المبادرة التي تشرف عليها لجنة العودة الطوعية التابعة لمنظومة الصناعات الدفاعية السودانية، برئاسة المهندسة أميمة عبد الله، قلب المبادرة النابض والتي تعمل بلا كلل لتيسير سفر الراغبين في العودة إلى وطنهم الأم، السودان، بعد تحسن الأوضاع الأمنية واستقرار ولايات الخرطوم ووسط السودان عقب تحريرها من ميليشيا الدعم السريع.

على مدار أكثر من ثلاثة أشهر، كنت شاهدا علي  مشاهد الإنسانية التي تتكرر مع كل رحلة من رحلات قطارات العودة الطوعية، التي بلغ عددها حتى الآن 24 قطارًا .. ففي كل رحلة، كانت تتجسد معاني الحنين للوطن في عيون الأطفال والنساء والشيوخ، الذين يسابقون الزمن للحاق بالقطار، وكأن كل مقعد فيه يحمل وعدًا بالعودة إلى الجذور، رغم ما يُقال عن انقطاع الخدمات وانتشار الأمراض في بعض المناطق، ورغم كل الصعوبات التي تنتظرهم هناك.

وربما أصدق ما يعبر عن تلك الروح ما قاله طفل سوداني لم يتجاوز العاشرة من عمره، بابتسامة بريئة وصوت مفعم بالحماس: “ألف تحية لأهل السودان”. كانت كلماته تلخص شعور الآلاف من العائدين الذين لا يرون في الرحلة “عودة إلى المجهول”، بل عودة إلى الأمل والحياة.

في كل رحلة، تتجلى إنسانية في ابهي صورها في مشاهد متعددة.. دموع الوداع ، الأغاني التي تمتزج بالزغاريد، والأناشيد الدينية التي تودع الراحلين إلى وطنهم.. مزيج من الفرح والحزن، لكن هذا كله يشترك في شعور واحد الا وهو ”  الحنين والوفاء للوطن والرغبة الصادقة في المشاركة في إعادة بنائه من جديد بعد سنوات القسوة ومعاناة النزوح”.

لم تغب مصر عن مشهد عودة السودانيين الطوعية ، بل كانت شريكة بامتياز في إنجاح المبادرة التي أطلقتها منظومة الصناعات الدفاعية السودانية في ابريل الماضي، من خلال التنظيم الدقيق وتقديم الدعم اللوجستي والإنساني الكامل عبر مختلف أجهزة الدولة المعنية.. فالمغادرون السودانيون عبّروا جميعًا عن امتنانهم العميق لمصر حكومةً وشعبًا وقيادةً، مرددين عبارات “شكراً مصر.. شكراً شعب مصر.. شكراً قيادة وحكومة مصر”.

ولعل أصدق ما يعبر عن عمق العلاقة الإنسانية التي تربط بين الشعبين المصري والسوداني ، ذلك المشهد المؤثر الذي رصدته عدسة «أفرو نيوز 24»، حين احتضنت سيدة مصرية سيدة سودانية تودعها بالدموع، وهي تقبل يدها وهي تقول: “كانت هذه السيدة بمثابة أمي، وبرحيلها إلى السودان أصبحتُ يتيمة للمرة الثانية”.. مشهد بسيط في مظهره، لكنه ردّ بليغ على كل من يحاول تعكير صفو العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، أو بث الفُرقة بينهما.

حتى الآن، نجحت مبادرة العودة الطوعية في نقل أكثر من 106 آلاف مواطن سوداني عبر 24 قطارًا ومئات الحافلات المجانية التي سيّرتها لجنة العودة بالتعاون مع الأجهزة المصرية. هذه الأرقام لا تعكس مجرد عمليات نقل، بل تروي قصة جهدٍ منسق وتعاون مثمر بين الجانبين المصري والسوداني، في تجربة إنسانية تستحق أن تُروى وتكتب عنها آلاف الصفحات ولن توفيرها حقها .

فالرحلات لم تكن مجرد وسيلة للعودة، بل كانت جسوراً من المودة تربط بين ضفتي وادي النيل .. مع كل رحلة يغادر فيها السودانيون من مصر إلى السودان، يبقى في النفوس شعور بالامتنان لما قدمته مصر من احتواء ودعم وسند، ولما جسده الأشقاء السودانيون من إصرار وإيمان بالعودة والمساهمة في بناء وطنهم من جديد.

في النهاية، في رأيي تبقى رحلات العودة الطوعية شهادةً حية على أن الأوطان تُبنى بالإرادة والعزيمة، وأن العلاقات المصرية السودانية أكبر من أي محاولات للتشويه أو التفرقة.. إنها حقا رحلة أمل ووفاء تُثبت أن الإنسان، مهما ابتعد، يبقى قلبه معلقًا بأرضه الأولى، وأن العودة للوطن ليست مجرد قرار جغرافي، بل حلم إنساني نابض بالحب والانتماء.

 

اقرأ المزيد

مصر تدعو لإعادة عضوية مالي وبوركينا فاسو والنيجر بالإتحاد الأفريقي

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »