أخبار عاجلةاخبار افريقيا

مدغشقر تشتعل.. جيل Z يقود تمرداً إفريقياً جديداً ضد الفساد واللاعدالة

من نيبال إلى مدغشقر مروراً بالمغرب.. "ثورة الوعي الرقمي" تُسقط أقنعة الأنظمة العاجزة عن فهم جيل جديد لا يخاف

في تصعيد جديد للأزمة السياسية في مدغشقر، أعلن المتظاهرون الشباب رفضهم لدعوة الرئيس أندريه راجولينا إلى “حوار وطني”، واعتبروا المبادرة “استهزاءً بالحوار”، مؤكدين أن النظام فقد شرعيته بعد أن تحوّل إلى سلطة تقمع شبابها وتُهينهم في الشوارع.

ودعا قادة الحركة الشبابية عبر صفحتهم الرسمية على فيسبوك إلى إضراب عام بعد انتهاء المهلة التي منحوها للرئيس (48 ساعة)، فيما انضم اتحاد الأطباء المبتدئين إلى صفوف المحتجين، في خطوة تكشف اتساع رقعة الغضب الشعبي.

الأمم المتحدة كانت قد أكدت مقتل 22 شخصاً وإصابة أكثر من 100 منذ اندلاع الاحتجاجات في 25 سبتمبر، والتي بدأت بسبب أزمات خدمية، قبل أن تتحول إلى انتفاضة اجتماعية وسياسية شاملة تطالب برحيل الرئيس.

وتعود جذور الأزمة في مدغشقر ذلك البلد الثري بشكل فاحش التي تُعد واحدة من أفقر بلدان العالم، حيث يعيش نحو 75% من سكانها البالغ عددهم 30 مليون نسمة تحت خط الفقر، فيما تراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 812 دولاراً عام 1960 إلى 461 دولاراً عام 2025، بحسب البنك الدولي.

هذا الانهيار الاقتصادي ليس سوى واجهة لمزيج متفجر من سوء الإدارة والفساد، إذ تمثل الانقطاعات الطويلة للكهرباء والمياه الشرارة الأولى التي فجّرت الغضب الشعبي، خصوصاً في العاصمة أنتاناناريفو، حيث تصل فترات انقطاع الكهرباء إلى 12 ساعة يومياً.

ففي بلد يعاني سكانه من الجوع والعطش، انتشرت على وسائل التواصل صور أبناء الرئيس راجولينا في مدارس فاخرة بالخارج، وسياراتهم الباهظة، ومقتنيات ابنته “إيلونا” من ماركات عالمية، ما حوّل مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة سخط شعبي.

جيل Z، المسلح بالهواتف الذكية، استخدم “تيك توك” و”فيسبوك” لتفكيك صورة السلطة وإبراز المفارقات الطبقية التي تعصف بالمجتمع. إنها ثورة الصور قبل أن تكون ثورة الشعارات.

فبينما يعاني المواطنون في مدغشقر من غياب المياه والكهرباء، استثمرت الحكومة 152 مليون دولار في مشروع “تلفريك” في العاصمة، لتبريرها لاحقاً بأنه “رمز للتحديث مثل برج إيفل”.

لكن بالنسبة للشباب المحتج، أصبح المشروع رمزاً لانفصال النخبة عن واقع الناس، ودليلاً إضافياً على سوء توزيع الأولويات.

لم ينسَ الشارع المدغشقري أن راجولينا وصل إلى الحكم عبر انقلاب عام 2009، وأن إعادة انتخابه في 2023 تمت وسط مقاطعة المعارضة واتهامات بتزوير واسع.

هذا الإرث السياسي جعل دعوته إلى “الحوار الوطني” تبدو في نظر الشباب محاولة متأخرة لإنقاذ نظام يترنح تحت ضربات الشارع.

من نيبال إلى المغرب.. عدوى جيل Z

ما يجري في مدغشقر ليس حدثاً معزولاً؛ بل هو فصل جديد من موجة عالمية تقودها أجيال ما بعد الإنترنت.

في نيبال، أطاحت احتجاجات جيل Z برئيس الحكومة العام الماضي.

وفي المغرب، قاد نفس الجيل حملة رقمية ضخمة ضد الغلاء وتراجع الخدمات.

وفي مدغشقر، يرفع الشباب علماً مستوحى من مسلسل الأنيمي الياباني “ون بيس” الذي يرمز إلى مقاومة القمع، تماماً كما حدث في آسيا.

إنها “عدوى الوعي”، حيث تنتقل رموز المقاومة والأفكار بسرعة البرق من شاشة إلى أخرى، لتخلق وحدة فكرية عابرة للحدود بين الشباب الذين يرون في الأنظمة القديمة عبئاً على المستقبل.

نحو نقطة اللاعودة

اليوم، لا يبدو أن الأزمة في مدغشقر ستنتهي قريباً. فكل مؤشرات التهدئة فشلت، وكل خطوة رئاسية تُقابل برفض متزايد.

ما يجري هو تمرد جيل يشعر أن مستقبله يُسرق منه، وأن لغة الحكومات القديمة لم تعد تُقنعه، جيل Z لا يطلب وظائف فقط، بل يطلب كرامة، عدالة، وحقًا في رسم المستقبل بيده، ومع كل يوم يمر، تتعمق الفجوة بين نظام فقد شرعيته وشباب قرروا ألا يصمتوا بعد اليوم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »