البنك الدولي: إفريقيا جنوب الصحراء على أعتاب نمو اقتصادي قوي

رغم حالة عدم اليقين التي تخيم على الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن، يتوقع البنك الدولي أن تشهد القارة الإفريقية، ولا سيما منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، نمواً اقتصادياً قوياً ومطرداً خلال السنوات المقبلة، ما يعكس قدرة الاقتصادات الإفريقية على الصمود أمام التحديات العالمية.
وذكر البنك الدولي، وفقاً لما أورده موقع “360 أفريقيا” اليوم الجمعة، أن تسع دول إفريقية من المتوقع أن تسجل معدلات نمو سنوية تتجاوز 6% خلال الفترة من عام 2025 إلى 2027، وعلى رأسها جمهورية غينيا التي يُنتظر أن تحقق أفضل أداء اقتصادي في القارة، مدفوعة بمشروع “سيماندو للتعدين” الذي يُعد من أكبر المشروعات الاستثمارية في المنطقة.
تسارع النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء
وأكد البنك الدولي أن ديناميكية النمو الاقتصادي في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ما تزال متماسكة رغم الغموض المحيط بالسياسات الاقتصادية العالمية. وبعد أن شهد النشاط الاقتصادي في المنطقة تراجعاً كبيراً في عام 2023، من المنتظر أن ينمو بمعدل 3.5% في عام 2024، وأن يرتفع إلى 3.8% في عام 2025، قبل أن يتسارع إلى متوسط سنوي يبلغ 4.4% خلال عامي 2026 و2027.
وأشار التقرير إلى أن هذا التحسن يُعزى إلى تحسن شروط التبادل التجاري في عدد من الدول الإفريقية، وهو ما ساهم في استقرار أو ارتفاع قيمة العملات المحلية أمام العملات الأجنبية، إلى جانب تراجع معدلات التضخم في العديد من الاقتصادات الإفريقية، مما أتاح للبنوك المركزية تخفيف القيود النقدية وتشجيع الاستهلاك والاستثمار المحلي.
ومع ذلك، أشار البنك الدولي إلى أن بعض المخاطر الاقتصادية لا تزال قائمة في بعض الدول الإفريقية، من بينها ضغوط إصلاح المالية العامة، وتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصادات الإفريقية، ما قد يؤثر على وتيرة النمو في المدى المتوسط.
رفع التوقعات الاقتصادية للمنطقة
وفي سياق متصل، أوضح البنك الدولي في تقريره نصف السنوي “نبض إفريقيا – Africa Pulse” الصادر يوم الثلاثاء، أنه قام برفع توقعاته لنمو اقتصادات دول إفريقيا جنوب الصحراء خلال العام الجاري إلى 3.8%، مقارنة بتقدير سابق بلغ 3.5% في أبريل الماضي.
وأشار التقرير إلى أن هذا التعديل الإيجابي في التوقعات جاء مدفوعاً بتراجع معدلات التضخم واستقرار أسعار الصرف في عدد من دول المنطقة، وهو ما أتاح لصناع القرار في البنوك المركزية مجالاً أوسع لتخفيف القيود النقدية وخفض أسعار الفائدة لدعم الطلب المحلي والنشاط الاستثماري.
وأضاف البنك أن هذه التطورات المواتية من شأنها أن تدعم تعافي الاستهلاك الخاص والاستثمار في مختلف القطاعات، رغم التحذير من أن إجراءات ضبط الأوضاع المالية العامة التي تتخذها بعض الدول قد تحد من سرعة التعافي الاقتصادي في المدى القريب.
كما أشار التقرير إلى أن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، والتي تضم معظم الدول الإفريقية باستثناء دول شمال القارة، مرشحة لتحقيق نمو اقتصادي متسارع بمعدل متوسط يبلغ 4.4% خلال العامين المقبلين، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 4.3%. ولفت إلى أن البنك رفع توقعاته للنمو في 30 دولة من أصل 47 دولة شملها التقرير.
تحسن في اقتصادات رئيسية مثل نيجيريا وساحل العاج
وأوضح البنك الدولي أنه رفع تقديراته للنمو الاقتصادي في دول رئيسية بالمنطقة مثل نيجيريا وساحل العاج، في ظل تحسن الدخل الحقيقي للأسر وارتفاع معدلات الاستهلاك المحلي، مؤكداً أن هذا التحسن يعكس تعافياً تدريجياً بعد عقد من الصدمات الاقتصادية المتتالية التي أثرت على النمو في المنطقة، رغم أن التعافي لا يزال في مراحله الأولى ولم يكتسب بعد الزخم المطلوب.
مخاطر وتحديات أمام مسار النمو
ورغم النظرة الإيجابية العامة، حذر البنك الدولي من عدد من المخاطر المحتملة التي قد تؤثر على آفاق النمو الاقتصادي في القارة الإفريقية خلال السنوات المقبلة، أبرزها الضبابية التجارية الناتجة عن السياسات الاقتصادية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالإضافة إلى ارتفاع أعباء الديون في العديد من الدول الإفريقية، فضلاً عن التحديات المرتبطة بتوفير ملايين فرص العمل للشباب الذين ينضمون إلى سوق العمل كل عام.
وفي هذا الإطار، صرّح كبير الاقتصاديين لمنطقة إفريقيا في البنك الدولي، أندرو دابالين، بأن المنطقة تشهد تحسناً ملحوظاً في المؤشرات الاقتصادية الكلية، مشيراً إلى أن معدل التضخم الوسيط انخفض إلى أقل من 4%، كما استعادت معظم العملات الإفريقية استقرارها أمام الدولار الأمريكي.
وأضاف دابالين أن تراجع الدولار الأمريكي بنحو 10% منذ بداية العام ساهم في خلق بيئة اقتصادية أكثر استقراراً في الأسواق الإفريقية الناشئة، مما عزز من ثقة المستثمرين وأتاح فرصاً جديدة للنمو الاقتصادي.
تحديات التجارة الإقليمية وفرص الإصلاح
وفي الوقت ذاته، حذر دابالين من استمرار التحديات التجارية التي تواجه الاقتصادات الإفريقية، خاصة مع اقتراب انتهاء العمل بقانون النمو والفرص في إفريقيا (أجوا) الذي ينظم العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية، مؤكداً أن نتائج المفاوضات الجارية حالياً ستلعب دوراً محورياً في تحديد مستقبل التجارة الإقليمية الإفريقية خلال المرحلة المقبلة.
ودعا البنك الدولي حكومات المنطقة إلى التركيز على خلق وظائف منتجة ومستدامة من خلال تحسين بيئة الأعمال ودعم نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مشيراً إلى أن نحو 75% من الوظائف الجديدة التي يتم خلقها في المنطقة تتركز في القطاع غير الرسمي، وهو ما لا يوفر دخلاً كافياً أو استقراراً اجتماعياً للعاملين فيه.
التحديات الاجتماعية وتصاعد الاحتجاجات الشبابية
وشدد التقرير على أن ضعف النمو الشامل وغياب فرص العمل المستقرة يفاقمان التوترات الاجتماعية في القارة الإفريقية. وأشار إلى أن كينيا ونيجيريا ومدغشقر شهدت خلال العام الماضي احتجاجات شبابية واسعة، تعكس عمق التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الحكومات الإفريقية، مؤكداً أن تعزيز النمو الشامل وتوفير فرص عمل لائقة يمثلان شرطين أساسيين للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في القارة خلال السنوات المقبلة.
إقرأ المزيد :