السفير دكتور محمد حجازي يكتب : احتفالية بالتاريخ والمستقبل

احتفلت مصر وقادة دول العالم أمس بتدشين صرح جمع مسار لتاريخ الحضارة الإنسانية، مثلت الحضارة الفرعونية جوهر هذا المسار، وشاركت الأسرة الدولية في الاحتفاء بالتاريخ الأوضح للإنسانية، فالآثار المصرية القديمة هي رحلة الإنسان التي ترى فية كل الشعوب نفسها، فعلى جدران معابدها وعلى بردياتها وأهراماتها ومقابرها نتعلم وتتعلم البشرية كيف كان حال أجدادنا وأجدادهم، كيف زرعوا وحصدوا وبنوا المعابد والأهرامات، كيف حاربوا وكيف تصالحوا، كيف عبدوا الإله الواحد، كيف وضعوا قوانين العدالة، كيف احترموا وقدسوا النيل مصدر الخير والنماء، كيف وضعوا أسس الحياة الاجتماعية السليمة، وكيف بنوا الجيوش، وحصنوا البلاد وهزموا الأعداء، كيف كان التشييد والبناء مبهراً وغير مسبوق؟ ، وهنا تباهت مصر وشعوب العالم بهذه الحضارة الشاملة العارضة لكل جوانب التطور الإنساني برقي وعلم وحكمة وواقعية وبفنون راقية وعمران وألوان وفنون تنشد الكمال والبعث والخلود فبقيت شاهدا عبر آلاف السنين.
رأت كل الشعوب في الحضارة المصرية ما كان عليه آبائهم وكيف كانت حياتهم وكيف تطورت، بشكل واقعي مقبول للعقل ، ملهم للنفس ومعلماً لفنون الحكم والقوة والعلم والمعرفة والدين، بعيداً عن الأساطير التي غاصت فيها حضارات أخرى لم تترك للإنسانية ما يفيدها.
ولذلك احتفى أمس العالم بالمتحف المصري الكبير، متحف الإنسانية ومساراتها وقصصها الواقعية في الحياة والبناء في الحكمة والعدل، في الإبهار والفن والجمال، هكذا بدت مصر أمس جميلة حانية واثقة معطاءة، يرتاح لها ، ويرنو الكل لفنونها التي تعكس كل المشتركات وتوقظها في نفوس كل الحاضرين مهما اختلفت دولهم وثقافتهم فهاهي حضارة مصر تطرح عليهم كل مشتركاتهم وتوحد بينهم فهي تخاطب مافوق المكان وتتحدي الزمان وتقدم هويتهم الإنسانية الاولي وتجمع بين إنسانيتهم ، لذا يقبل علي مصر وحضارتها قادة دول العالم ويراها ويحبها شعوب لم تزرها ولكن تدرس عن بعد علوم المصريات وتخصص لها المتاحف وتفتخر بها فهي تعبر عن إنسانيتهم قدر ماتعبر عن الحضارة المصرية التي تمثل الإنسانية الواحدة ، وتتوق الامم لزيارتها، وتبهر بما تضيفه لها تلك الحضارة الراقية من أبعاد وتفسيرات لعلوم الحياة وتطورها منذ أن بدأت الإنسانية في تسجيل تاريخها.
كان من الصعب تصور كيف ستكون احتفالية القرن وكيف ستعبر عن مكانة تلك الحضارة، وكيف ستبهر العالم مثلما أبهره أجدادنا، وكيف نقدم للبشرية ما يليق بتاريخ حضارة إنسانية تعبر عن كل الشعوب، وكيف سيحتفي المتحف بالتاريخ المصري القديم الذي سيعنى بحضارة واحدة ويحتفي بها كممثل للإنسانية في أجمل صورها، فبين جدرانه يطل علينا أجدادنا عبر هضبة الأهرام التي تجمع بين إطلالة المتحف الكبير وأجمل منشآت التاريخ ممثلة في أهرامات الجيزة شاهد وحكم علي مرمي البصر وأظنها فخورة بما صنعناه وقدمناة علي مقربة من صروح ومعابد الأجداد .
جاء الحفل مبهراً بحضوره العظيم، بتنظيمه وفقراته وفنونه، بمشاركة دولية رائعة من مختلف القارات التي عزفت لحناً واحداً، وشمل الحفل الفلكلور المصري والفنون الكلاسيكية والموسيقات العالمية، ولم تخل الاحتفالية التاريخية من فنون الإبهار الحديث التي اختلطت بالماضي، وكأنها تغني وتحتفي به، وتعلن استعدادها للمستقبل وتملكها لادواتة وابداعاتة .
لقد خلقت الاحتفالية صورة ذهنية جديدة لمصر علي الساحة الولية ولكنها أحيت في نفوس المصريين هذا الشعور بالقدرة والإبداع والتطلع للمستقبل استنادا لكل الانجازات التي حققها في الماضي ومايمكن ان يحققة في المستقبل ، أحيت الاحتفالية في نفوس المصريين حالة الثقة في المستقبل والفخر بالماضى ، وخطت بنا هذة الاحتفالية للثقة في استحقاقنا لمكانة مصر جديرة بها، ووضعية مثلى كانت مصر دوماً عليها، ولعل مشهد قمة شرم الشيخ منذ ايام قد أكد أن مصر رائدة للأمن وراعية للاستقرار الإقليمي والسلم والأمن الدوليين، وعاد مشهد افتتاح المتحف الكبير ليضيف لمكانتها بعداً تاريخيا وثقافياً وحضارياً ومكانة فنية إبداعية متفوقة ، وكأن مصر الآن تعلن للعالم أنها قوة بازغة قادمة ممسكة بتلابيب المستقبل ولن يفلت من بين يديها، قوة بازغة قادمة ذات جذور حضارية تعبر عن معاني الخير والأمن والاستقرار والسعي لمستقبل واحد مشترك، قوة بازغة في نهوض مستمر ركائزه وقواعدة ضاربة في اعماق التاريخ ، وقادمة لتقود مسيرة جديدة لها ولجوارها ولمنطقتها والعالم من أجل الخير والنماء والتفوق والإبهار .
- سفير دكتور محمد حجازي مساعد وزير الخارجية الأسبق
إقرأ المزيد :
الرئيس السيسي: المتحف المصري الكبير صورة مجسمة تدل على مسيرة شعب كريم وبنّاء للحضارات




