” أفرو نيوز 24 ” يعيد نشر مقال وزير الخارجية في موقع News24 الجنوب إفريقي
مصر تؤكد دورها الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي وسط الاضطرابات

تكثف مصر مشاركتها الدبلوماسية والعسكرية في منطقة القرن الأفريقي لمواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية وحماية مصالحها الاستراتيجية في البحر الأحمر وحوض نهر النيل، وهو ما يمثل تأكيدًا مهمًا على دورها التاريخي في المنطقة ، كما كتب وزير الخارجية والهجرة والمغتربين المصري الدكتور بدر عبد العاطي .
وقد لفتت التحركات المصرية في منطقة القرن الأفريقي، دبلوماسياً وعسكرياً خلال العامين الماضيين، انتباه مراقبي السياسة الخارجية المصرية، وكذلك المتابعين لتأثيرات التطورات في المنطقة على حرية الملاحة والتجارة الدولية عبر البحر الأحمر.
وتأتي المخاوف الأوسع نطاقا بشأن مستقبل السلام والاستقرار في المنطقة وسط تقارير عن تنسيق ناشئ بين حركة الشباب الإرهابية في الصومال وجماعة الحوثي في اليمن، وهو التطور الذي ينذر بمخاطر معقدة ويزيد من تفاقم طبيعة التهديدات الأمنية التي تواجه المنطقة.
علاوة على ذلك، عند دراسة خريطة القرن الأفريقي، يصعب إغفال الارتباط الجغرافي الطبيعي بالمنطقة الواقعة غربا، والتي تضم منابع نهر النيل. إن الوقوف على الارتباط الطبيعي والاستراتيجي بين القرن الأفريقي واتنين من أهم محاور الأمن القومي المصري، وهما البحر الأحمر وحوض نهر النيل، يُقدم تفسيرًا كافيا للنشاط الدبلوماسي المكتف لمصر مؤخرا، والذي لفت انتباه، وربما تساؤلات عنه، جهات إقليمية ودولية فاعلة , ومن هذا المنطلق أصبح من الضروري تسليط المزيد من الضوء على الأبعاد المختلفة للمصالح المصرية في القرن الأفريقي، والتي يعتبرها البعض خطأً جديدة ومفاجئة، مدفوعة إما بتطورات آنية في المنطقة أو بدوافع تكتيكية قد تخدم مصالح مصرية عليا وأكثر استراتيجية.
تاریخ مصر مع القرن الأفريقي
من الثابت أن ارتباط مصر بالقرن الأفريقي يعود إلى تاريخ عريق. فمنذ عهد الملكة حتشبسوت، توطدت الروابط التجارية والثقافية والحضارية، وامتدت عبر عصور الاستعمار وإنهاء الاستعمار، ودعم مصر الحركات التحرر والاستقلال في جميع أنحاء أفريقيا.
ومن الصومال إلى جيبوتي، تم إلى إريتريا تشكلت معالم الروابط بين مصر وشعوب وحكومات القرن الأفريقي، مما ترك بصمة دائمة على النسيج الثقافي والاجتماعي لجيل جديد في تلك البلدان.
لا شك أن انهيار نظام الرئيس الصومالي سياد بري في عام 1991 ، وانزلاق الصومال بعد ذلك إلى حلقة مفرغة من الاضطرابات، وما تبع ذلك من تغلغل الجماعات المتطرفة والإرهابية التي تسعى إلى السيطرة على موارد البلاد، شكل لحظة فاصلة في التاريخ الحديث لمنطقة القرن الأفريقي.
دفعت هذه التطورات الدول المجاورة للصومال إلى اختيار توسيع وجودها في الأراضي الصومالية، بما في ذلك من خلال وجود عسكري مستدام. وقد ولد هذا الوجود ديناميكيات جديدة على الساحة السياسية والعسكرية الصومالية، مما حال دون استعادة الصوماليين لوحدة الهدف وتجديد الشعور بالانتماء إلى وطن مشترك يضم مختلف العشائر والقبائل والمجتمعات المحلية في البلاد.
لا تقتصر عوامل الهشاشة التي تصيب القرن الأفريقي على الوضع الصومالي. فمن الحرب بين إريتريا وإثيوبيا، إلى الحرب الأهلية الإثيوبية مع إقليم تيغراي تواجه المنطقة باستمرار تحديا يتمثل في ميل بعض الأطراف الداخلية إلى تصدير عدم استقرارها الداخلي المزمن عبر اختلاق التهديدات الخارجية، واختلاق الأعداء، وتأجيج العداوات الناجمة عن نزعات الهيمنة.
ولعل آخر هذه المغامرات المزعزعة للاستقرار في منطقة القرن الأفريقي هو محاولات إثيوبيا غير المشروعة وتعبيرها الصريح عن نيتها في تأمين وجود عسكري بحري على سواحل البحر الأحمر، رغم كونها دولة غير ساحلية. وهذا، بلا شك، يُشكل تهديدًا صارخًا لتقويض وحدة دول المنطقة وسلامة أراضيها وسيادتها.
علاوة على ذلك فإن الأزمة السودانية المستمرة، والتي دخلت عامها الثالت دون أفق يذكر للتسوية السياسية أو تخفيف المعاناة الإنسانية للشعب السوداني الشقيق، لها تداعيات خطيرة على أمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي، خاصة وأن الصراع الدائر يدعو إلى أطماع خارجية على ثروات السودان وسواحله وموانئه على البحر الأحمر، مع التهديد بتحويل البلاد إلى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية.
ولإكمال الصورة، تجدر الإشارة إلى أن الاعتداءات الحوثية الخطيرة على حرية الملاحة في البحر الأحمر، إثر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أيقظت خططاً كامنة قديمة لتأمين الممر البحري، تتضمن ترتيبات تسعى إلى إشراك أطراف إقليمية من الدول غير الساحلية على البحر الأحمر.
وفي الممارسة العملية، أدت هجمات الحوثيين إلى عسكرة البحر الأحمر، مما أدى إلى تفاقم التهديدات لأمن وسلامة واستقرار منطقة القرن الأفريقي، وينذر بتصعيد المنافسة والصراعات ومحاولات إعادة تشكيل الواقع الجغرافي والسياسي في المنطقة.
من هذا المنظور، تواجه مصر امتدادا جغرافيا واستراتيجيا مضطربًا بطبيعته حافلا بالصراعات والنزعات العدائية والتهديدات المتنوعة لأمنها القومي، مما يجعل مجرد المراقبة أو الرصد أو الاعتماد على الأساليب الدبلوماسية التقليدية في إدارة علاقات مصر مع أطراف المنطقة – مجتمعةً أو فرادى – ترفًا لم يعد في وسعها تحمله ومن المهم الإشارة، في هذا السياق، إلى أن دول المنطقة، التي تربطها بمصر روابط تاريخية وثقافية وسياسية عميقة، تنظر إلى النشاط الدبلوماسي المصري الجديد الحازم كضرورة ملحة لردع الاستفزازات ومظاهر العدوان وأوهام القوة التي تجتاح المنطقة.
ومن هنا، فإن مؤسسات وأجهزة الدولة المصرية الحكومية وغير الحكومية، تدرك ضرورة العمل على مسارات متوازية ومتكاملة من أجل استعادة قدر من التوازن الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي.
ولعل أبرز ما يميز النهج المصري المتجدد تجاه مستقبل القرن الأفريقي هو استجابته الإيجابية لطلب صومالي بالمساهمة بقوات عسكرية وشرطية، بالإضافة إلى قوة جوية، في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة لدعم الاستقرار في الصومال (AUSSOM). فإلى جانب القيمة النوعية التي ستضيفها المساهمة المصرية المتوقعة لجهود الاتحاد الأفريقي الطويلة الأمد في حفظ السلام في الصومال، ثمثل هذه المساهمة الأولى من نوعها لمصر في عمليات دعم السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بعد مرور ما يقرب من ثلاثين عاما على مساهماتها في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصومال. وهذا يجعل المساهمة المرتقبة في بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال مؤشرا مهما على إدراك مصر المتجدد لدورها ومسؤولياتها تجاه القرن الأفريقي.
تحسين العلاقات
علاوة على ذلك، أعادت .. مصر تنشيط علاقاتها الاقتصادية والثقافية مع جيبوتي وإريتريا وكينيا والصومال، وكثفت دعمها الفني ودعمها في مجال تنمية القدرات وثعد قطاعات حيوية، كالطاقة والبنية التحتية والتعليم، أمثلة على العلاقات متعددة الأبعاد المتنامية مع دول المنطقة.
ترى مصر أن منطقة القرن الأفريقي تمتلك بالفعل مقومات الاستقرار والتنمية. ومع ذلك، فإن المنطقة في أمس الحاجة إلى شريك قادر ومستعد لنقل الخبرات اللازمة لبناء الأمة والدولة، مع ضمان خدمة مصالح شعوب ومجتمعات الدول وإعطائها الأولوية.
الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد أن مصر ستوظف كافة أدوات دبلوماسيتها العريقة لإعادة التوازن والاستقرار إلى منطقة القرن الأفريقي، والدخول في شراكات حقيقية ومتعددة الأبعاد واستراتيجية مع دول وشعوب القرن الأفريقي.
وبالتالي فإن مصر مهيأة للتحرك بتقة إلى واجهة المشهد الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
- الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة والمصريين في الخارج المصري.
للإطلاع علي نص المقال عبر الرابط التالي :
https://www.news24.com/opinions/columnists/egypts-badr-abdelatty-reasserting-a-strategic-role-in-horn-of-africa-amid-turbulence-20251031-0854?fbclid=IwY2xjawN2nuxleHRuA2FlbQIxMQABHru7JnWk3rVFPMw0N1gcsWfzb-cdUz2WkbbQ4HgbIlEroprleQWFGTgvDlcb_aem_zymEJQMkSecBVeNRYZzbfw
إقرأ المزيد
الدكتور عبد الناصر سلم حامد يكتب : حرب السودان المنسية.. خطر يهدد البحر الأحمر والقرن الأفريقي




