فن وثقافةأخبار عاجلة

الفيلسوفة و الشاعرة الإيفوارية تانيلا بوني تفوز بجائزة “تشيكايا يو تامسي” للشعر الإفريقي

تم تكريم الفيلسوفة والشاعرة الإيفوارية تانيلا بوني مساء الخميس 9 أكتوبر 2025 على منصة مركز الحسن الثاني للقاءات الدولية في مدينة أصيلة المغربية، وتسلمت جائزة “تشيكايا يو تامسي” للشعر الإفريقي في دورتها الثالثة عشرة، ضمن فعاليات الدورة السادسة والأربعين من مهرجان أصيلة الثقافي الدولي.

وجاء هذا التكريم — الذي تمنحه مؤسسة منتدى أصيلة منذ عام 1989 تخليدًا لاسم الشاعر الكونغولي الراحل تشيكايا يو تامسي — تقديرًا لمسار بوني الشعري والفلسفي، ولقدرتها على جعل القصيدة فضاءً للتأمل والتمرد الجمالي في آن واحد.

وقال حاتم بتيوي، الأمين العام للمؤسسة، في كلمة الحفل، إن هذا التتويج “يُثمِّن التجربة الفريدة لتانيلا بوني، ويعترف بثراء عملها الشعري الذي يزاوج بين الدقة الجمالية والالتزام الاجتماعي”، مضيفًا أن كتاباتها “تُعيد تعريف الصوت النسائي في القارة، وتمنح إفريقيا لغتها الخاصة في مواجهة العالم”.

ومن جانبها، وصفت جيسلين دروس، ممثلة وزير الثقافة المغربي، الشاعرة الفائزة بأنها “صوت بارز في الشعر الإفريقي المعاصر”، مشيرة إلى أن قصائدها تمثل “شكلاً من المقاومة الهادئة التي تعيد للمرأة الأفريقية مكانتها الرمزية في بناء الوعي الجمعي”.

أما رئيس لجنة التحكيم، الشاعر السنغالي أمادو لامين سال، فقال: “اسم تانيلا بوني أصبح مرادفًا للشعر والعمل الجاد، ولقد جاءت الجائزة تتويجًا طبيعياً لمسيرة تتجاوز الحدود بين الفكر والفن، بين العقل والإلهام”.

وفي كلمة امتزج فيها الامتنان بالحكمة، قالت تانيلا بوني وهي تتسلم الجائزة: هذه الأرض الإفريقية، رغم أمراضها وقيودها، مصنوعة من المشاركة والتبادل والجمال والكرامة… وأنا ابنة هذه الأرض.”

وقد انضمّت الشاعرة إلى قائمة مشرّفة من كبار الشعراء الأفارقة الذين نالوا الجائزة من قبل، من بينهم أحمد عبد المعطي حجازي، وفيرا دوارتي، ونيي أوسونداري، وإدوارد مونيك، وأمادو لامين سال نفسه.

رحلة تانيلا بوني… حين يتحوّل الفكر إلى قصيدة

557334268 1207772058038896 2349199595990506478 n 1536x864 1 الفيلسوفة و الشاعرة الإيفوارية تانيلا بوني تفوز بجائزة "تشيكايا يو تامسي" للشعر الإفريقي

ولدت تانيلا سوزان بوني سنة 1954 في أبيدجان، عاصمة كوت ديفوار، في زمنٍ كانت فيه القارة الإفريقية تتلمّس طريقها نحو ما بعد الاستقلال. نشأت بين أمواج التحولات السياسية والاجتماعية، فاختارت منذ بدايتها أن تصغي لا إلى خطب الزعماء، بل إلى الهمس العميق للأرض والإنسان.

سافرت إلى فرنسا لتدرس الفلسفة، فحصلت على دكتوراه الدولة من جامعة باريس عام 1987 عن أطروحتها “فكرة الحياة عند أرسطو”. لكنها عادت إلى وطنها لا لتنعزل في برجٍ أكاديمي، بل لتصنع من الفلسفة جسرًا يربط بين الفكر الإفريقي والتراث الإنساني.

وفي جامعة فليكس هوفويت بوانيي في أبيدجان، كانت بوني أستاذة تُدرِّس الفلسفة بقدر ما تُعلِّم طلابها الإصغاء إلى أصوات إفريقيا في الفلسفة، وحين بدأت تانيلا بوني الكتابة الشعرية، لم تكتب عن الحب أو الحنين فحسب، بل جعلت القصيدة مرآةً للذات الأنثوية الإفريقية التي تُحاصرها الأعراف والسلطة واللغة.

في دواوينها مثل: «Là où il fait si clair en moi» (حيث يكون الضوء جليًّا في داخلي)،«Grains de sable» (حبّات الرمل)،و«Interdit de mourir» (ممنوع أن تموت)، وتتجلى أنوثة تنطق بلسان الحكمة، وشجاعة فكرية تضع المرأة في مركز الوجود لا في هامشه.

أما في كتابها الفلسفي «Que vivent les femmes d’Afrique?» (فلتعش نساء إفريقيا)، فقد خاضت حوارًا مفتوحًا مع واقع المرأة الإفريقية، مؤكدة أن “تحرر المرأة ليس فعلاً سياسياً فقط، بل فعل وجودي يغيّر معنى الحياة نفسها”.

تجمع تانيلا بوني بين صرامة المفكر وشفافية الشاعر، في نظرها، الفلسفة ليست نقيض الشعر، بل امتداده الطبيعي؛ كلاهما يحاول أن يفهم الإنسان من خلال اللغة، كتاباتها مشبعة بالأسئلة الكبرى: من نحن؟ ما معنى أن نكون أفارقة في عالم لا يسمعنا إلا حين نصرخ؟ ما الذي يبقى من الإنسان حين تُسلب منه كرامته؟ وفي كل نص من نصوصها، يلمح القارئ ذلك الإيمان العميق بأن إفريقيا ليست قارة الهزائم، بل قارة التأمل والقدرة على البدء من جديد، إنها تُعيد تعريف إفريقيا من خلال القصيدة، لا بوصفها جرحاً في خريطة العالم، بل قلباً نابضاً بالحكمة والعناد والجمال.

لم يكن تتويج تانيلا بوني بجائزة Tchicaya U Tam’si حدثًا أدبيًا فحسب، بل لحظة رمزية في تاريخ الثقافة الأفريقية الحديثة، إنه اعترافٌ بأن القصيدة الأفريقية دخلت زمن الوعي الأنثوي؛ زمن المرأة التي لم تعد تُكتب عنها القصائد، بل تكتب هي القصيدة وتُعيد بها صياغة العالم.

في قارة تبحث عن توازنها بين الحداثة والتقليد، جاءت بوني لتقول إن الشعر ليس ترفًا لغويًا، بل فعل بقاء. وأن الفلسفة ليست بحثًا في المفاهيم، بل في مصير الإنسان، لقد نقلت تجربتها من ضيق الجامعة إلى سعة الحياة، ومن حوار الفكر الأوروبي إلى أسئلة الذات الإفريقية — تلك الذات التي لا تزال تُعيد اكتشاف نفسها في المرآة بعد قرون من الاستعمار والصمت الطويل.

إن فوز بوني، وهي الشاعرة التي تحمل بين سطورها وجع النساء الأفريقيات وأحلام القارة بأسرها، يؤكد أن مستقبل الأدب الأفريقي لن يُكتب بالسياسة ولا بالبيان، بل بالقصيدة؛ قصيدةٍ تُضيء كالمصباح في ليلٍ طويل، وتُعيد بناء الوعي من الداخل، لقد سبقت إفريقيا العالم في تحويل الشعر إلى شكل من أشكال المقاومة الروحية، وتأتي تانيلا بوني لتواصل هذا الإرث — إرث الشاعر الراحل تشيكايا يو تامسي — وتمنحه ملامح جديدة:

وهكذا، يصبح تتويجها في أصيلة أكثر من جائزة، إنه إشارة إلى أن القارة السمراء ما زالت قادرة على إنتاج الفكر والجمال معًا — وأن الشعر، كما تقول بوني نفسها، “ليس وعدًا بالنجاة، بل فعل حياة مستمر في وجه العدم”.

من هي تانيلا بوني؟

تانيلا بوني (Tanella Boni) شاعرة وفيلسوفة وروائية من كوت ديفوار، وُلدت عام 1954 في أبيدجان. تُعدّ من أبرز الأصوات الأدبية والفكرية في إفريقيا المعاصرة، وتمتاز كتاباتها بقدرتها على المزج بين عمق الفلسفة وشفافية الشعر.

حصلت على دكتوراه الدولة في الفلسفة من جامعة باريس عام 1987، ودرّست في جامعة فليكس هوفويت بوانيي في أبيدجان، حيث شغلت أيضًا منصب رئيسة قسم الفلسفة.

كتبت بوني عشرات الأعمال بين الشعر والرواية والمقال الفلسفي، من أبرزها: «حبّات الرمل» (Grains de sable)،«ممنوع أن تموت» (Interdit de mourir)، «حيث يكون الضوء جليًّا في داخلي» (Là où il fait si clair en moi)، وكتابها الفلسفي «فلتعش نساء إفريقيا» (Que vivent les femmes d’Afrique?).

تتناول أعمالها قضايا الهوية والأنوثة والحرية والمصير الإنساني، وتُعدّ من رموز الحركة النسوية الفكرية في إفريقيا، حصلت على جوائز أدبية مرموقة في القارة وخارجها، كان آخرها جائزة تشيكايا يو تامسي للشعر الإفريقي لعام 2025، تقديرًا لتجربتها التي تمزج الفكر بالجمال، والذات بالوطن، والقصيدة بالحكمة.

اقرا المزيد: –

الكاتب والسياسي النيجري عمر مختار الأنصاري يكتب : نسيج الوحدة والتضامن بين الطوارق والسنغاي والزرما في الساحل الإفريقي

تانيلا بوني: “بين فرنسا وأفريقيا ، كانت الدودة في الفاكهة لفترة طويلة جدًا”

فرنسا..تسمح أخيراً للسنغاليين الذين حاربوا بجانيها ضد ثوار الجزائر بالعودة لبلادهم

الجزائر ..10سنوات على رحيل المجاهد الشاعر مصطفى تومي مبدع رائعة “سبحان الله يالطيف”

فرنسا.. محاكمة الرئيس السابق ساركوزي بتهمة تمويل ليبيا لحملته الانتخابية عام 2007

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »