الرأيأخبار عاجلة

كريم إسماعيل : يكتب مصر في مواجهة العاصفة.. مركز وطني لعلاج الإدمان: مشروع أمن قومى

لم تعد معركة الإدمان مجرد “قضية اجتماعية” يمكن التعامل معها بخجل أو بحملات موسمية، نحن اليوم أمام موجة جديدة وخطيرة من المخدرات المصنعة، شبكات الترويج، الجرائم العنيفة، وتفكك الأسر. موجة لو تُركت يومًا واحدًا دون مواجهة شاملة، سندفع جميعًا ثمنها غدًا مضاعفًا: أمنيًا، واقتصاديًا، وإنسانيًا.

الإدمان لم يعد مرضًا فرديًا، بل تحوّل إلى تهديد صريح للأمن القومي، والدولة التي لا تُحسن إدارة هذا الملف، لن تستطيع حماية شبابها، ولا اقتصادها، ولا مستقبلها.

من هنا تبرز الفكرة: إنشاء مركز قومي لعلاج الإدمان… مشروع دولة لا يحتمل التأجيل، لأن المشاهد اليومية تبدو كافية لتكشف حجم الخطر؛ جرائم سرقة واعتداءات لا مبرر لها، حوادث قتل بسبب جرعة، عنف أسري يتصاعد، بل وظهور “أجيال جديدة” من السموم لا تشملها التشريعات بالكامل. المخدرات المصنعة – شبو، فودو، كيميكال – أصبحت متاحة، رخيصة، وسريعة التأثير، بينما القانون يركض خلفها بخطى متأخرة.

ومع كل مدمن غير معالج، يولد خطر جديد، ومع كل أسرة تنهار، يبدأ نزيف اجتماعي لا يتوقف، والحقيقة أن تكلفة علاج مدمن واحد أقل كثيراً من تكلفة تركه ينهار: خسائر اقتصادية، ضغط على أجهزة الأمن، ازدحام في السجون… كلها أثمان ندفعها يوميًا لأننا تأخرنا في إنشاء منظومة علاج قومية.

نحن بحاجة إلى مؤسسة وطنية مستقلة وقوية، تعمل تحت إشراف مباشر من مجلس الوزراء، وتضم ممثلين من الصحة، والداخلية، والقوات المسلحة، والتعليم العالي، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، مؤسسة رؤيتها واضحة: تحويل الإدمان من مشكلة طبية إلى ملف أمن قومي يُدار بخطط دولة، لا بجهود متناثرة، البنية المقترحة تشمل مستشفى قومي رئيسي بسعة 500 – 1000 سرير، يضم أقسامًا متخصصة في الطوارئ وسحب السموم والعلاج النفسي، كما تشمل مراكز إقليمية فرعية ومدينة كاملة لإعادة التأهيل، ليست “مهجعًا” للمتعافين، بل مجتمعًا تدريبيًا منتجًا يضم ورشًا حرفية ومعامل تدريب.

الإدمان ليس علاجًا سريعًا، بل رحلة طويلة من خمس مراحل متكاملة: التقييم الطبي والنفسي، سحب السموم بمعايير عالمية، العلاج النفسي والسلوكي، إعادة التأهيل والتشغيل بالشراكة مع القطاع الخاص، وأخيرًا المتابعة اللاحقة عبر تطبيق إلكتروني وزيارات دورية.

 لا إمكانية للنجاح دون متانة خطة المتابعة، فالانتكاسة أخطر من الإدمان ذاته.

الدولة وحدها لن تكسب هذه الحرب، نحتاج إلى شراكة حقيقية من القطاع الخاص في التمويل والتدريب وتشغيل المتعافين، وإلى مشاركة فاعلة من المجتمع المدني في حملات التوعية ودعم الأسر، إنها معركة وطن.. وليست معركة وزارة. كما أن التشريعات تحتاج إلى تحديث جذري يشمل إدراج كل المخدرات المصنعة ضمن قائمة التجريم، وتشديد العقوبات على المروّجين لا المتعاطين، وتحويل المتعاطي من “مجرم” إلى “مريض” تُلزم الدولة علاجه.

هناك نماذج عالمية في أبوظبي والبرتغال والسعودية والولايات المتحدة تُثبت أن النجاح ممكن. كل هذه التجارب تقول شيئًا واحدًا: حين تتعامل الدولة مع الإدمان باعتباره أولوية قومية… تنقذ مجتمعًا بأكمله. المدمن ليس مجرمًا… بل ضحية. والأسرة التي تفقد ابنها بسبب المخدر ليست مسؤوليتها وحدها، بل مسؤولية وطن كامل. مصر اليوم على مفترق طرق: إما أن نتحرك الآن، أو نستيقظ بعد أعوام على مجتمع يدفع أضعاف الثمن وأجيال ضائعة لا يمكن استعادتها. لقد حان وقت التحرك… قبل أن يصبح التأجيل خيانة لمستقبل هذا الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »