أخبار عاجلةالرأي

رامي زهدي يكتب : النصر قادم لامحالة .. «السودان أكبر من أن يُهزم وأعمق من أن يُختطف وأرسخ من أن يُقسّم» 

الجيش السوداني وإرادة الشعب: المعادلة الحاسمة في مواجهة الفوضى والميليشيات

الميليشيات المنهكة مقابل الدولة الصامدة: نهاية المُحتل الداخلي

قراءة لمستقبل السودان،مابين أطماع الخارج وحدود السيادة 

 

لا تبدو الحرب السودانية مجرد مواجهة بين قوات مسلحة وطنية وميليشيا مارقة منشقة وغير شرعية؛ بل تبدو بعد ما يقرب من الألف يوم اختبارا مصيريا بين مشروعين متناقضين، الأول هو مشروع الدولة الوطنية التي تستند إلى شرعية التاريخ والجغرافيا والمؤسسات، والثاني مشروع التفكك والارتزاق الذي يسعى لابتلاع السودان واستنزافه وتحويله إلى ساحة مفتوحة لمصالح القوى الأجنبية، وكلما توغلت الحرب في الزمن، باتت تتكشف حقيقة واحدة لا تقبل الجدل، سيظل السودان أكبر من أن يُهزم، وأعمق من أن يُختطف، وأرسخ من أن يُقسّم، لأن دولة بهذا الامتداد والعمق لا يمكن أن تستبدلها ميليشيا مهما تعددت مصادر دعمها.

ولأن السودان ليس قطعة أرض عادية، فإن حجم الأطماع الدولية والإقليمية عليه يفسّر حجم السعي لإبقائه في حالة صراع، نحن نتحدث عن بلد تبلغ مساحته 1.8 مليون كيلومتر مربع، يمتلك ملايين الهكتارات من الأراضي الأخصب في القارة الإفريقية، ويضم ثروة حيوانية تتجاوز 110 ملايين رأس، واحتياطيات مياه جوفية من الأكبر في شمال شرق إفريقيا، وساحلا على البحر الأحمر تمر بمحاذاته نحو 12% من التجارة العالمية، هذا ليس بلدا يمكن أن يُترك لينهض بسهولة، بل بلد يحمل من المقومات ما يجعل السيطرة عليه جائزة كبرى لكل اللاعبين غير الشرعيين.

ورغم فداحة الحرب، فإن نسيج المجتمع السوداني يكشف عن مأساة أكبر، حيث 15 مليون نازح داخليا وخارجيا، من بينهم 11.5 مليونا داخل السودان و3.5 ملايين عبروا الحدود نحو مصر وتشاد وجنوب السودان، ومع ذلك، ورغم الانهيارات المتلاحقة، ظل الشعب في المدن والقرى يميل بغريزته الوطنية إلى جانب الدولة، لأنه يعرف أن سقوطها يعني سقوط الوطن بكامله، وليس سقوط حكومة أو سلطة فقط.

وعلى الجانب العسكري، يكمن الفارق الأكبر في الطبقة المؤسسية والمنطق الاستراتيچي، فالجيش السوداني ليس مجرد قوة مقاتلة؛ إنه ذاكرة وطنية عمرها أكثر من قرن، وهو أحد الجيوش المؤسسة للحركات التاريخية في القرن الإفريقي، يمتلك الجيش عقيدة قتالية مرتبطة بحماية الدولة والحدود والهوية، بينما تقوم الميليشيا المتمردة على الارتزاق والتوسع القائم على المال والدعم الخارجي. ما يُبنى على المال ينهار مع توقف المال، وما يقوم على الدولة يبقى ما بقيت الدولة.

وعلى الأرض، ورغم الضجيج الدعائي للميليشيا، فإن نِسَب السيطرة الفعلية تشير إلى أن الدولة لا تزال صاحبة اليد العليا، وفق التقديرات التالية حتى الربع الأخير من عام 2025، فالجيش السوداني يسيطر على 58–62% من الأراضي السودانية

(ولايات الشمال، الشرق، أجزاء واسعة من النيل الأبيض وسنار والجزيرة، محاور عسكرية في جنوب كردفان، ومراكز سيادية متقدمة قرب العاصمة)، بينما الميليشيا تسيطر على 25–28% من الأراضي، (أجزاء من دارفور، وكتل حضرية متضررة في الخرطوم، وجيوب متقطعة بلا خطوط إمداد ثابتة) ، ثم مناطق اشتباك متحركة تمثل 10–15٪، وهي تتغير تبعا للعمليات العسكرية، خصوصا في محاور الجزيرة، كردفان، أطراف دارفور، والخرطوم.

أما على مستوى القدرة القتالية، فقد حاولت الميليشيا تحويل الطائرات المسيرة إلى عامل تفوق، خصوصا عبر 13 طائرة Delta Wing رُصِدت قرب مطار نيالا، لكن التفوق الجوي ليس مجرد طائرة؛ هو منظومة كاملة من قواعد تشغيل وإمداد واستخبارات وقدرة صيانة، وهي أمور لا تملكها الميليشيا، ولذلك تبقى قدراتها المسيرة تكتيكية قصيرة العمر، وليست تفوقا استراتيجيا كامل ولا متكامل.

أما على المستوى الإنساني، فقد خرج 250 مستشفى من أصل 750 عن الخدمة، بنسبة انهيار 70% للمنظومة الصحية، والاقتصاد فقد 108 مليارات دولار من الناتج والخسائر المباشرة وغير المباشرة، القطاع الصناعي انخفض إنتاجه بما بين 60–90% ويختلف من ولاية لأخري، وهذه ليست أضرار حرب فقط؛ بل نتائج مشروع ميليشياوي قرر أن ينتصر على الدولة ولو دمر الوطن كله.

ويبقى الدور المصري ثابتا لا يتغير، فمصر لا تنظر إلى السودان كجار، بل كـامتداد مباشر للأمن القومي المصري، وجود دولة قوية في الخرطوم هو الضمان الرئيسي لاستقرار وادي النيل، بينما وجود ميليشيا مسلحة على الحدود الجنوبية هو سيناريو لن يُسمح له بالتحقق بأي شكل مهما حدث “ومهما دعم الداعمون وحاول المغامرون وتآمر المتآمرون”، فالمشروع الميليشياوي يتعارض جذريا مع مصالح مصر الاستراتيجية، ومع التوازن الإقليمي في البحر الأحمر وشرق إفريقيا، لذلك ظلت القاهرة داعمة للدولة السودانية، ومتصدية بقوة بشكل” معلن وغير معلن” لأي محاولة لتغيير هوية السودان أو تركيبه الجغرافي أو مسار وحدته.

أما فكرة قيام دولة بديلة في دارفور فهي خرافة سياسية تتناقض مع الواقع، فلا بنية تحتية، ولا مؤسسات، ولا موارد مستدامة، ولا اعتراف دولي، ولا حاضنة شعبية، بل حتى أن الدول التي تدعم الميليشيا تعرف سلفا أن مشروع الدولة في دارفور سيولد مشلولا وغير قابل للحياة.،(ويكفي سبباََ لإستحالة ذلك ان مصر لن تقبل ذلك وستمنعه وهي قادرة علي ذلك وتمتلك من الأدوات مايكفي لفرض مافيه مصلحة الشعبين السوداني والمصري.) 

 كما ان الدول المشاطئة للبحر الأحمر ودول الجوار للسودان في معظمها ليس في صالح أمنها القومي أبدا اي تغيير جغرافي في السودان، خاصة احد ابرز دول البحر الأحمر وهي المملكة العربية السعودية والتي تتوافق تماما مع الرؤية المصرية في خطورة الأمور علي امن وسلم منطقة البحر الأحمر سواء الممر المائي ذاته او المنطقة الجغرافية. 

وبالاستناد إلى جميع المعطيات الميدانية والسياسية والاستخباراتية، يمكن رسم أربعة سيناريوهات رئيسية حتى عام 2030 تؤشر لمستقبل السودان، السيناريو الأول وهو انتصار الدولة وهو الإحتمال الأعلى ترجيحا بنسبة 55–62، واستعادة الجيش لكافة مواقع ومراكز السودان الحيوية تدريجيا، انهيار الميليشيا نتيجة تآكل التمويل، تدخل إقليمي داعم لإعادة البناء، وعودة الدولة الموحدة.

ثم السيناريو الثاني،وهو الاستنزاف طويل المدى ، وهو احتمال قائم بنسبة 20–25%، حيث تستمر الحرب دون تغيير جذري، مع احتفاظ الميليشيا بجيوب متفرقة، ما يخلق نزيفا اقتصاديا وإنسانيا طويلا، لكنه لا يغير مستقبل السودان كدولة واحدة.

ثم سيناريو تفكك الميليشيا من الداخل، وهو احتمال قائم ومرجح بنسبة 15–18%، ويعني انشقاقات كبرى، انهيار ولاءات، تصفيات داخلية، وتراجع ميداني مفاجئ يعيد توازن القوى لصالح الدولة بسرعة.

سيناريو أخير، مستبعد، غير واقعي وغير مُرجح، وهو فرضية التقسيم، وهو أضعف السيناريوهات بنسبة 3–5% علي الأكثر، في حقيقته سيناريو غير قابل للحياة جغرافيا أو سياسيا أو اقتصاديا، ويصطدم برفض مطلق من مصر وتشاد وجنوب السودان والاتحاد الإفريقي وأيضا من عدد من الدول المشاطئة للبحر الأحمر ابرزها المملكة العربية السعودية. 

وبعد تحليل هذه السيناريوهات، تتضح حقيقة لا يمكن إنكارها: السودان بلد يختبر، لكنه لا ينهزم، والمعركة مهما اشتدت ستنتهي في نهاية المطاف بانتصار مشروع الدولة والشعب على مشروع الفوضى، وبانكسار الميليشيا وذوبانها، وبعودة السودان موحدًا أكثر وعيا وصلابة من أي وقت مضى.

فالدول التي تمتلك جغرافيا بهذا العمق، وشعبا بهذا الصبر، وجيشا بهذا التاريخ، لا تسقط أبدا، قد تتعثر، قد تنهك، لكنها لا تُمحى، والسودان، مهما طال ليله، قادم إلى فجر جديد قريب جدا.

 

* رامي زُهدي – خبير الشؤون الإفريقية السياسية والإقتصادية، نائب رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات الإستراتيچية ورئيس وحدة الدراسات الإفريقية بالمركز – مساعد رئيس حزب الوعي للشؤون الإفريقية، عضو الهيئة الاستشارية لمركز ايچبشن انتربرايز للسياسات والدراسات الإستراتيچية. 

اقرأ المزيد 

السفير السوداني بالقاهرة : مصر حريصه علي وحدة السودان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »