واشنطن: هل ينجح ترامب في إيقاف حرب الكونغو الأبدية

وصل الرئيسان الأفريقيان بول كاجامي (رواندا) وفيليكس تشيسكيدي (الكونغو الديمقراطية) إلى واشنطن في محطة دبلوماسية فارقة، بدعم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للسعي نحو توقيع اتفاقية سلام لإنهاء الصراع الدامي في شرق الكونغو الديمقراطية. هذه الخطوة تأتي بعد فشل مبادرات إفريقية سابقة مثل “عملية لواندا” الأنغولية ومحادثات نيروبي الكينية، تحت وطأة اتهامات متبادلة: كينشاسا تتهم كيغالي بدعم تمرد “حركة M23” المدججة بالسلاح، ورواندا تتهم الكونغو بإيواء مقاتلي “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا” (FDLR) المسؤولين عن جرائم إبادة جماعية.
على الورق، يهدف الاتفاق إلى سحب القوات، ونزع سلاح الميليشيات، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجارين. لكن الواقع على الأرض أكثر قتامة: حركة M23، المدعومة – حسب تقارير الأمم المتحدة – من رواندا، تتحكم في مطار غوما الاستراتيجي وطرق الإمداد، وتواصل اشتباكات يومية دامية مع الجيش الكونغولي وميليشيات “وازاليندو” المحلية. النزوح الجماعي يتفاقم، حيث نزح أكثر من 100 ألف شخص في شهر واحد فقط، ويواجه أكثر من 7 ملايين نازح أهوال المجاعة والأمراض مثل الكوليرا، بينما تُقصف المدارس وتعطل قوافل المساعدات.
الدافع الأمريكي ليس إنسانياً بحتاً؛ فلدى واشنطن مصلحة اقتصادية استراتيجية. يعد ترامب باستثمارات ضخمة في قطاع الكوبالت بالكونغو (التي تنتج 70% من الإمداد العالمي)، وفي قدرات رواندا التصنيعية، لتأمين سلاسل توريد السيارات الكهربائية والتكنولوجيا الأمريكية وتقليل الاعتماد على الصين. هذا يضع السلام كجزء من لعبة جيوسياسية كبرى. كما أن انضمام رئيسي بوروندي وكينيا للإعلان يهدف إلى إضفاء طابع إقليمي، لكنه لا يخفي الانقسامات، خاصة مع وجود محادثات منفصلة بين قطر وحركة M23.
سكان شرق الكونغو، وهم الضحايا الحقيقيون، ينظرون إلى هذه القمم بشكوكية مريرة. تتدفق البضائع الرواندية إلى أسواق بوكافو رغم العقوبات، بينما تستهدف طائرات مسيرة – يُزعم أنها رواندية – القرى. كما يُطالب النشطاء المحليون والجماعات النسائية في إيتوري بإشراكهم في العملية وإصلاحات زراعية جذرية، وهو مطلب غالباً ما يتم تجاهله في صفقات النخبة.
التحديات المستقبلية ضخمة:

هل ستلتزم M23 بوقف إطلاق النار مع اقتراب عيد الميلاد، أم سيكون مصير هذا الاتفاق كمصدر سابقيه التي لم تصمد لأيام؟
· هل ستُفرج العقوبات الأممية القادمة على رواندا حقاً، أم ستكون أداة ضغط؟
· الأصعب: كيف يمكن نزع سلاح ميليشيات مثل FDLR دون إلحاق الأذى بالمدنيين؟
باختصار، تضع واشنطن نفسها كحَكَم في أطول حرب في إفريقيا، مدفوعة بمصالح اقتصادية ورهانات سياسية. النجاح سيتطلب أكثر من مصافحات في البيت الأبيض؛ فهو يحتاج إلى آلية رقابة قوية على الأرض، وضغط مستمر على الأطراف الداعمة للميليشيات، وإشراك حقيقي للمجتمعات المحلية. بالنسبة لأهالي كيفو، الذين يدفنون أطفالهم كل أسبوع، فإن المقياس الوحيد للنجاح هو توقف الرصيف ووصول الغذاء والدواء. إنها معادلة صعبة قد تفشل فيها الدبلوماسية الأمريكية كما فشلت غيرها، إذا لم تمسك بمفاتيح الحرب الحقيقية في كيغالي وكنشاسا وعلى خطوط القتال.




