أخبار عاجلةاخبار افريقيارياضةرياضة أفريقية

لماذا صمدت ملاعب المغرب أمام الأمطار الغزيرة؟ خبير شارك في بناء هذه المنشآت يجيب..

في مشهد لافت أثار تساؤلات المتابعين، كيف واصلت الملاعب المغربية احتضان المباريات دون تأجيل أو تعطل، رغم هطول كميات ضخمة من الأمطار، في وقت تعاني فيه ملاعب أخرى من الغرق والتوقف عند أول اختبار مناخي قاسٍ.

ولفهم هذا التفوق الهندسي، سألنا المهندس كريم إسماعيل، المتخصص في إنشاء وتطوير الملاعب الرياضية حول العالم وفق المعايير الدولية، وأحد المستثمرين ورجال الأعمال الذين شاركوا ويشاركون في تجهيز الملاعب الرياضية بالمغرب، عن السر الحقيقي وراء عدم غرق هذه الملاعب.
قال إسماعيل:
“ما حدث في الملاعب المغربية ليس صدفة على الإطلاق، بل هو نتيجة تخطيط هندسي دقيق يبدأ من أسفل الملعب قبل أن يظهر سطح اللعب. الأساس هنا هو شبكة الصرف، فهي العمود الفقري لأي ملعب محترف.”

وأضاف:“في الملاعب الحديثة، لا نتعامل مع الأرض باعتبارها مساحة لعب فقط، بل كنظام متكامل لإدارة المياه.
يتم إنشاء طبقات هندسية متعددة أسفل السطح، تضم رمالاً عالية النفاذية، وطبقات حصوية مُصفّاة، إلى جانب أنابيب صرف مثقبة، تسمح بامتصاص المياه فور سقوطها ونقلها بعيداً عن الملعب خلال دقائق.”
وأوضح أن المواد المستخدمة في سطح الملعب نفسها تلعب دوراً محورياً، قائلاً: “سطح الملعب مُصمم بطريقة تسمح بمرور المياه من خلاله مباشرة، دون احتجازها أو تكوين برك مائية تعيق اللعب، وهو ما يحافظ على جاهزية الملعب حتى في أقسى الظروف الجوية.”
وكشف المهندس كريم إسماعيل عن أحد الأسرار التي لا يلاحظها الجمهور، قائلاً:
“هناك ميلان هندسي دقيق جداً في أرضية الملعب، محسوب بالملليمتر. اللاعب لا يشعر به إطلاقاً، لكنه يوجّه المياه بشكل طبيعي نحو نقاط الصرف، دون أي تأثير على الأداء الفني أو حركة الكرة.”
وأشار إلى أن العمل لا ينتهي عند التنفيذ فقط، موضحاً:
“قبل افتتاح أي ملعب دولي، نخضعه لاختبارات قاسية تحاكي سقوط أمطار غزيرة خلال فترة زمنية قصيرة. إذا لم ينجح الملعب في تصريف المياه خلال زمن قياسي، لا يتم تسليمه للتشغيل. هذه مرحلة لا نقبل فيها أي مجاملة.”
وأكد إسماعيل أن التجربة المغربية تمثل نموذجاً يُحتذى به، قائلاً:
“المغرب التزم بالمعايير العالمية بحذافيرها، سواء في التصميم أو التنفيذ أو الصيانة الدورية، ولهذا رأينا ملاعب قادرة على العمل في ظروف مناخية صعبة، بينما تتعطل ملاعب أخرى رغم تعرضها لأمطار أقل بكثير.”
وأضاف: “الرسالة الأهم هنا أن الملاعب الحديثة لم تعد مجرد أرض خضراء، بل مشروع هندسي متكامل. من يستثمر في البنية التحتية الصحيحة، لا يخشى المطر ولا ضغط البطولات الكبرى.”
واختتم المهندس كريم إسماعيل حديثه قائلاً:
“قبل البدء في تنفيذ الملاعب الرياضية في أي دولة، يجب دراسة طبيعتها الجغرافية والمناخية بدقة، من درجات الحرارة على مدار العام، إلى نسب سقوط الأمطار، واتجاهات الرياح.
كل هذه العوامل تُترجم إلى حلول هندسية مناسبة. وبفضل هذه المنهجية، نجحنا بخبراتنا في العمل داخل أكثر من 30 دولة حول العالم، خاصة في أفريقيا، من ملاعب المغرب وكوت ديفوار خلال البطولات القارية، إلى ملاعب بطولة (الشان) في شرق أفريقيا، وصولاً إلى ملاعب الدوري الإسباني (الليجا).”

بهذه الرؤية، تؤكد تجربة الملاعب المغربية أن كرة القدم الحديثة لا تُلعب فقط داخل المستطيل الأخضر، بل تُصنع أولاً على طاولة التخطيط الهندسي، حيث تتحول الأمطار من تهديد إلى شهادة نجاح لمنشآت أُعدّت وفق أعلى المعايير العالمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »