الرأيدراسات إفريقية

أثر الإستعمار الأوروبي على المشهد اللغوي الأفريقي

بقلم: حسنين عماد شيم

منذ مرور حوالي خمسون عام على تحرّر أغلب الدول الأفريقية من الاستعمار الأوروبي الذي جثم على صدرها, وأمسك بخناقها لفترات طويلة، إلا أن آثار وتداعيات هذا الاستعمار لا تزال ماثلة في الواقع الأفريقي، فهي تطالعنا أينما اتجهنا وتطل علينا حيثما ولينا وجوهنا.

وتتجلى هذه التداعيات في شتى الجوانب والمناحي، فنطالعها في التبعية السياسية، أو في الهيمنة الاقتصادية، أو في التردي الحضاري والثقافي، أو في التراجع الاجتماعي الذي يميز معظم دول القارة.

ويعد المشهد اللغوي الأفريقي أحد المشاهد التي طالتها هذه التأثيرات والتداعيات الناتجة عن الثقافات الأوربية الوافدة على القارة، فقد رحل الاستعمار الأوربي عن القارة وخلَّف وراءه لغاته الأوربية، لغات المستعمر السابق، في وضع متميز.

وترسخت داخل المجتمعات الأفريقية طوال فترة الاستعمار لتجابه اللغات الأفريقية المحلية التي لم تنل حظها من الدعم والتشجيع والتي عانت من التهميش لفترات طويلة، الأمر الذي زاد من تعقيد المشهد اللغوي الأفريقي بلغاته الكثيرة، وأدى لتداعيات لغوية وثقافية واجتماعية وسياسية خطيرة.

ويعود دخول لغات الدول المستعمرة إلى أفريقيا الى فترات طويلة، وقد سلكت هذه اللغات عدة طرق للوصول إلى أفريقيا؛ منها حركة الاستكشافات الجغرافية, وما تبعها من إقامة مناطق ونقاط تمركز للدول الأوربية على السواحل الأفريقية؛ الأمر الذي تمخض عنه بداية الاحتكاك المباشر بين الأوربيين والأفارقة، وتداول الافارقة هذه اللغات وأصبحت شغلهم الشاغل.

وكذلك عن طريق المبتعثين الى القارة من خلال البعثات التي تقوم بإرسالها بعض الدول, فيقوم هؤولاء المبتعثين بدراسة اللغات الافريقية, والعادات الاجتماعية, وغيرها من الأمور الأخرى.

واهم الأسباب التي دعت لدخول اللغات الاستعمارية القارة الأفريقية فيتمثل في الاستعمار الأوربي المباشر الذي استولى وسيطر على دول القارة الأفريقية لفترات طويلة، وفرض لغاته على شعوبها وأجبرها على استخدامها في الإدارة والتعليم ووسائل الإعلام والشؤون السياسية وغيرها من المجالات، وحرمها من استخدام وتنمية لغاتها المحلية والقومية وحظر ذلك عليها، حظراً تاماً، في غالبية دول القارة.

الأمر الذي أدى إلى تراجع مكانة هذه اللغات المحلية وتوقف تطورها، ومنح اللغات الأوربية مكانة سامية ووضعية متميزة، ترسخت وازدادت رسوخاً في المجتمعات الأفريقية مع طول مدة بقاء الاستعمار وسيطرته الكاملة على الدول الأفريقية(3).

وتكاد تقتصر الدول الأفريقية التي أقرت لغتها المحلية كلغة رسمية بمفردها على دول شمال أفريقيا والتي تضم مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب بالإضافة إلى السودان وموريتانيا والتي اختارت العربية لغة رسمية لها.

كذلك أقرت إثيوبيا في دستورها اللغة الأمهرية كلغة للعمل working language في إثيوبيا دون النص على اعتبارها لغة رسمية Official language مع إعطاء بقية اللغات الإثيوبية وضع ومكانة متساوية(4)، إلا أن هذا التحديد للأمهرية كلغة لتسيير الأعمال الحكومية، بالإضافة للمكانة التاريخية للأمهرية باعتبارها اللغة الرسمية للبلاد منذ القرن التاسع عشر وحتى عام 1994، منحها وضعية اللغة الرسمية رغم عدم التصريح بذلك.

أما في إريتريا فقد أُعطيت اللغات المحلية مكانة متساوية، ولم يقر في الدستور لغة رسمية للبلاد وإن كانت اللغة التيجرينية تقوم بهذا الدور بشكل فعلي(5).

ولا يختلف الوضع كثيراً في العديد من الدول الأفريقية ؛ اذ تستخدم اللغات الأجنبية في التعليم بنسب متفاوتة في القارة الأفريقية من بلد لآخر, ومن مرحلة لأخرى ولكن يمكن إيراد النسب التالية كمتوسط لإستخدام اللغات المحلية, واللغات الأجنبية في التعليم في الدول الأفريقية غير الناطقة بالعربية:

اللغات الاستعمارية
اللغات الأفريقية
نوع التعليم

30 %
70 %
الإبتدائى

75 %
25 %
الثانوي

95 % (6)
5 %
العالي

ومن خلال هذه الإحصائية يتضح حجم استخدام اللغات الأجنبية في التعليم في الدول الأفريقية, وخاصة في الدول الأفريقية غير الناطقة بالعربية؛ حيث تزداد هذه النسبة بالتدريج وتتصاعد من التعليم الأوَّلي؛ وفي التعليم المتوسط وفي التعليم العالي.

اقرا ايضا:-

إفريقيا بين جنة الموقع الجغرافي ونار الهيمنة

افريقيا الوسطى.. بين آمال التحول الديموقراطي وتجدد العنف الذي وقتل وشرد 20 ألف من المسلمين

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »