أخبار عاجلةالرأي

السفير عزت سعد يكتب : إفريقيا – روسيا .. فرص وتحديات

على مدى يومى 27 / 28 يوليو 2023، استضافت مدينة سانت بطرسبرج العاصمة القديمة لروسيا القمة الثانية الإفريقية الروسية، والتى عقدت تحت مسمى «القمة الاقتصادية والإنسانية الروسية الإفريقية»، والتى استهدفت تعزيز العلاقات بين روسيا والبلدان الإفريقية، وبصفة خاصة فى مجالات السياسة والأمن والتنمية الاقتصادية والعلوم والتكنولوجيا والبنية التحتية والتعليم والثقافة. وشمل جدول أعمال القمة أكثر من 30 جلسة نقاش حول أهم قضايا التعاون الإفريقى الروسى، جرت خلالها التفاعلات، وجها لوجه، بين السياسيين ورجال الأعمال والخبراء ووسائل الإعلام.

وعلى حين بدت روسيا مصممة على عقد القمة، بعد تأجيلها العام الماضى لظروف الحرب فى أوكرانيا، رغم الضغوط الشديدة التى مارستها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون خاصة ألمانيا وفرنسا، رأت دول القارة فيها فرصة لتبنى مقاربات براجماتية تتيح لها الاستفادة من الإمكانات والفرص التى توفرها السوق الروسية، رغم قسوة العقوبات الغربية المفروضة عليها.

وقد صدر عن القمة بيان ختامى وخطة عمل مشتركة حتى عام 2026، وأيضا خطة للتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب وأخرى لتنشيط التنسيق بين الجانبين فى السياسة الخارجية.

وعلى خلاف القوى الكبرى الأخرى المتنافسة فى إفريقيا، والتى أعلنت عن استراتيجية واضحة المعالم لكل منها فى إفريقيا جنوب الصحراء، مثل الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبى، لا توجد مثل هذه الاستراتيجية لروسيا. وفى هذا السياق، ينظر إلى الإعلان الختامى الصادر عن القمة الأولى ــ التى تم تدشينها فى أكتوبر عام 2019 برئاسة مشتركة من مصر رئيس الاتحاد الإفريقى آنذاك وروسيا تحت شعار «السلام والأمن والتنمية» ــ على أنه الأساس الأولى للشراكة الإفريقية الروسية، أو بالأحرى استراتيجية روسيا الإفريقية.

يمكن القول بأن الجانب الروسى تبنى مقاربة اقتصادية واضحة للقمة، وهو ما يتضح ليس فقط من مكان عقدها فى أكبر أرض معارض فى المدينة حيث جرى عرض بعض أحدث إنتاج روسيا من الأسلحة بما فيها المسيرات، بل وأيضا من حيث المشاركين فى الجلسة الافتتاحية، بجانب الرئيس بوتين والرئاسة الحالية للاتحاد الإفريقى (جزر القمر) . فقد شاركت ديلما روسيف رئيس «بنك التنمية الجديد» لتجمع بريكس ورئيسة البرازيل الأسبق، ورئيس البنك الإفريقى للاستيراد والتصدير. وجاءت مشاركة البطريرك كيريل «بطريرك موسكو وعموم روسيا» فى الجلسة الافتتاحية، للتأكيد على اهتمام روسيا بإبراز القواسم الثقافية والدينية المشتركة مع إفريقيا من حيث تمسكها بالقيم التقليدية فى مواجهة «القيم الليبرالية الغربية».

• • •

من ناحية أخرى، جاءت القمة بعد أيام من قرار موسكو رفض العمل باتفاق الحبوب، والذى انتهى فى 17 يوليو الماضى، الذى يسمح بتصدير القمح الأوكرانى عبر البحر الأسود، والذى تعتبره الأمم المتحدة غاية فى الأهمية كونه يحافظ على التوازن فى الأسعار ويمنع وقوع أزمة غذائية عالمية. وقد حظى هذا الموضوع بمساحة معتبرة فى الكلمة الافتتاحية للرئيس الروسى الذى أوضح أنه بينما تبلغ حصة روسيا فى سوق القمح العالمية 20%، وحصة أوكرانيا 5%، إلا أنه لم يتم الوفاء بأى من شروط الصفقة المتعلقة برفع الصادرات الروسية من الحبوب والأسمدة من قائمة العقوبات ووصولها إلى السوق العالمية.

وقد أعلن الرئيس بوتين فى ختام عرضه قيام روسيا بتوفير ما بين 25.000 إلى 50.000 طن من الحبوب مجانا إلى كل من بوركينا فاسو وزيمبابوى ومالى والصومال وجمهورية إفريقيا الوسطى وإريتريا خلال الأشهر القادمة وأن روسيا ستتحمل تكلفة توصيل هذه الشحنات. ومن جانبه، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته فى الجلسة العامة للقمة، «أهمية إيجاد حلول عاجلة لتوفير الغذاء والأسمدة بأسعار تساعد إفريقيا على تجاوز هذه الأزمة، مع البحث عن آليات تمويل مبتكرة تدعم النظم الزراعية والغذائية فى إفريقيا». وأعرب الرئيس السيسى عن تطلعه «لحل توافقى بشأن اتفاقية تصدير الحبوب، يأخذ فى الاعتبار مطالب جميع الأطراف ومصالحهم، ويضع حدا للارتفاع المستمر فى أسعار الحبوب».

وفى التقدير فإن عقد القمة فى حد ذاته يمثل نجاحا لا يستهان به لروسيا. ذلك أنه رغم مشاركة نحو ثلث القادة الأفارقة فقط (17 رئيس دولة وحكومة) فى القمة، الأمر الذى اعتبره الإعلام الغربى بمثابة فشل ذريع، إلا أن التغطية الروسية أبرزت أن قادة الدول الرئيسية فى القارة حرصوا على الحضور وفى مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسى ورؤساء جنوب إفريقيا والسنغال ورئيس الوزراء الإثيوبى، بجانب إيفاد 49 دولة ممثلين عنها فى القمة، منهم 20 على مستوى عال، وهو عدد الدول التى توجد لروسيا فيها سفارات مقيمة. وقد أشار الرئيس بوتين فى كلمته الافتتاحية والختامية إلى أن الغرب «حاول بشتى السبل عرقلة القمة، بممارسة ضغوط غير مسبوقة على الدول الإفريقية».

الواقع أن خطاب الرئيس السيسى أمام القمة أشار بوضوح لمدى ضخامة تلك الضغوط عندما ذكر أن هذه القمة «تأتى فى ظرف دولى بالغ التعقيد، ومناخ عام يتسم بدرجة عالية من الاستقطاب، والتغيرات التى باتت تمس القواعد الرئيسية التى بنى على أساسها نظامنا الدولى، بمفهومه الحديث.. إن الدول الإفريقية ذات سيادة، وإرادة مستقلة وفاعلة فى مجتمعها الدولى، ويتعين أن تبقى بمنأى عن مساعى الاستقطاب فى الصراعات القائمة».

ومن المهم الإشارة إلى أهمية اللقاءات الرئاسية الثنائية التى عقدت على هامش القمة، بما فيها لقاء الرئيسين المصرى والروسى. واختص هذا الأخير مصر بإشارات عديدة فى كلمته الافتتاحية والختامية، خاصة وأنها الشريك الاقتصادى والتجارى الأكبر لروسيا فى إفريقيا (أشار إلى مشروع الضبعة النووى والمنطقة الصناعية الروسية المنتظر تدشينها للتصدير لإفريقيا) . وبالمثل كشفت القمة عن قوة العلاقات الروسية / الإثيوبية فى ضوء إعلان بوتين، خلال لقائه بآبى أحمد قبل يوم من القمة، «لقد أعددنا حزمة كاملة من الوثائق لزيارتكم، بما فى ذلك اتفاق حكومى بشأن أمن المعلومات، والنقل الجوى، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وخارطة طريق للتعاون فى مجال استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وبروتوكول بين سلطات الجمارك فى البلدين».

ولقد لخص الرئيس بوتين فى كلمته الختامية، ما خلصت إليه القمة من نتائج، مشيرا فى ذلك إلى ما يلى بصفة خاصة:

1ــ تعهد بإن تكون هناك آلية عمل وتنسيق بين روسيا وإفريقيا فى المرحلة المقبلة (وهو ما أغفلته القمة الأولى) . 2ــ تقديم مساعدات للدول الإفريقية لمكافحة الأوبئة، مشيرا إلى أن المبالغ المخصصة لذلك تتجاوز 1.5 مليار روبل.

3ــ أشار إلى أن الشركات الروسية مستعدة لتمكين الشركاء الأفارقة من التكنولوجيا وزيادة التعاون الثقافى والرياضى.

4ــ أعلن عن خطة عمل مع إفريقيا حتى 2026 تستهدف زيادة التبادل التجارى وتطوير البنية التحتية والتعامل بالعملات الوطنية.

5ــ أكد استعداد روسيا لتزويد إفريقيا ببعض الأسلحة مجانا لتعزيز الأمن بالقارة والعمل بشكل أوثق مع أجهزة إنفاذ القانون والمخابرات الإفريقية.

6ــ تعهد بأن تزيد بلاده صادراتها الزراعية للقارة، وأنها ستظل موردا يعتمد عليه للغذاء، مضيفا أن موسكو ألغت ديونا مستحقة على إفريقيا بقيمة 23 مليار دولار (لم يوضح الفترة الزمنية أو يحدد الدول المعنية) . 7ــ سياسيا، قال بوتين:

• ــ «اتخذنا موقفا موحدا بالقمة على تحدى النظام الاستعمارى ومحاولات القضاء على القيم»، مضيفا أن بلاده وإفريقيا «تؤيدان إنشاء عالم متعدد عادل، مبنى على احترام الشرعية الدولية».

• ــ أن إفريقيا تتحول إلى مركز قوة جديد، وينبغى على الجميع أخذ ذلك فى الحسبان. وفى هذا السياق، أشار بوتين إلى المبادرة الإفريقية لتسوية الأزمة الأوكرانية كدليل على انخراط القارة فى عمليات وساطة كانت حصرية على «الدول التى يقال إنها ديمقراطيات، أما الآن فلا». وأضاف: «اليوم إفريقيا مستعدة للمساعدة فى معالجة مشاكل تقع خارج نطاق مصالحها الأساسية. بكل احترام نتعامل مع مبادرتكم، وسندرسها بكل اهتمام».

أخيرا لقيت القمة اهتماما كبيرا من قبل العديد من مراكز الفكر الروسية، التى قامت بتناول الجوانب المختلفة للعلاقات الروسية الإفريقية، مشيرة فى ذلك إلى أوراق القوة أو المزايا التى تتمتع بها روسيا فى إفريقيا ــ مثل التاريخ وتعهدات روسيا الصريحة بالتعاون مع دول القارة والصناعات العسكرية والتعاون الأمنى والقيم التقليدية وحاجة إفريقيا إلى روسيا كموازن قوة فى عملية صراع القوى الكبرى ــ وكذلك أوجه الضعف، حيث ذكر الخبراء أنها عديدة، منها:

1ــ افتقاد التواصل بين روسيا وإفريقيا، والذى بدأ فى عقد التسعينيات من القرن الماضى بعد سقوط الاتحاد السوفيتى واستغرق نحو ثلاثين عاما. إذ يصعب القول بأن تداعيات هذا الانقطاع تم تجاوزها بشكل كامل، أخذا فى الاعتبار حقيقة أنه فى غياب روسيا قام لاعبون آخرون بملء الفراغ.

2ــ على العكس من الخصوم الغربيين، لا تبذل روسيا ما يكفى على المستوى المفاهيمى، والذى لا يتعلق فقط بتشكيل صورة إيجابية عن روسيا فى إفريقيا وأخرى عن إفريقيا فى روسيا، ولكن أيضا التعزيز المتبادل للقيم المشتركة.

3ــ تعد حركة التبادل التجارى الروسى / الإفريقى الأقل، مقارنة بالقوى الكبرى الأخرى فى القارة، وذلك بالرغم من التعهد بالعمل على مضاعفتها. فقد تراجعت قيمة المبادلات التجارية بين روسيا ودول القارة من 20 مليار دولار إلى 17.7 مليار فى الفترة ما بين 2017 و2021، وذلك على عكس الصين (282 مليارا) والاتحاد الأوروبى (254 مليارا) والولايات المتحدة (83 مليارا) ، علما بأن نسبة 70% من تجارة روسيا مع إفريقيا هى مع بلدان الشمال، منها 30% مع مصر وحدها، وهى الشريك الاقتصادى والتجارى الأكبر لروسيا فى القارة.

كذلك فإن الاستثمارات الروسية فى القارة لا تزيد عن نسبة 1% من إجمالى الاستثمارات الأجنبية فيها، وتتركز نسبة 60 إلى 70% منها فى قطاعات النفط والغاز واليورانيوم والبوكسيت والماس والحديد والصلب والموارد المعدنية الأخرى.

4ــ تمثل العقوبات الاقتصادية والمالية غير المسبوقة على روسيا، ارتباطا بالحرب فى أوكرانيا، قيدا على تعاون روسى / إفريقى فعال.

والخلاصة هى أن صعود التأثير الروسى فى إفريقيا، وفقا للخبراء الروس، مرهون بأن تقترن تعهدات موسكو بشراكة قوية مع إفريقيا بتحركات عملية، وأن ذلك يستوجب إعداد استراتيجية واضحة تشمل مشروعات وتدابير فعالة للتنفيذ، ونتائج يمكن التحقق منها. ويؤكد هؤلاء أن لدى بلادهم القدرات الكبيرة الكفيلة بقيام تعاون مفيد للجانبين فى المستقبل، خاصة فى مجالات الطاقة والصحة والتعليم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأمن الغذائى والتعاون الفنى والاقتصادى والتجارة، بجانب التعاون الأمنى والعسكرى.

 

* السفير عزت سعد : سفير مصر الأسبق لدي روسيا.

* نقلا عن صحيفة الشروق المصرية.

إقرأ المزيد

مصر .. الرئيس السيسي يستعرض الرؤية المصرية لأولويات الشراكة الأفريقية الروسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »