أخبار عاجلةاخبار افريقياالرأي

كيمو بن محمد كوندي يكتب : المزاوجة بين العلوم وضرورة الاستفادة منها

من الواضح أن تعدد تخصصات العلوم في عصرنا الراهن له أهمية قصوى في تحديد مسيرة طلبة العلم في أروقة الجامعات؛ غير أن هذه التعددية التخصصية لا تعني بحال من الأحوال أنْ يتقوقع الطالب على نفسه في تخصصه الوحيد بمعزل عن بقية التخصصات الأخرى ، كما بتنا نلاحظ هذه الظاهرة في واقعنا المُشاهد في أوساط طلبة العلم .

فعلى سبيل المثال لا الحصر ” لما يُسأل طالبٌ متخصص في الشريعة في وقتنا الحالي عن مسألة لغوية لطيفة ،  تجد هذا الطالب يعجز عن إجابة هذا السؤال المطروح، ويقول ببساطة إنه متخصص في الشريعة وليس متخصصا في اللغة.

والحق؛ أن هذه الظاهرة مشكلة فكرية عمتْ وطمتْ بها البلوى فالحاجة الراهنة ماسة إلى تفادي هذه المشكلة ومعالجتها معالجة حكيمة وسليمة كي لا يتقولب طلبة العلم في قوالبها، فتندرس العلوم إثرها!!

فكون الإنسان متخصصا في فنٍّ من الفنون أو في علمٍ من العلوم لايمنع ذلك من الاستفادة والعيش في قطر آخر من أقطار العلوم والفنون الأخرى، إذ لايمكن للإنسان التبحّر في تخصصٍ مالم يكن ثمة اهتمام كبير، وتأصيل جذري بتخصصات أخرى خارج تخصصه؛ لأن العلوم مرتبطة بعضها ببعض، ومكمّلة بعضها الأخرى.

ولذا نجد دوما الفروق الفردية بين المتعلمين من الناحية الفكرية والثقافية وحتى العلمية، لأن المتعلم المنغلق الذي يقرأ في زاوية واحدة دائما، يختلف بكثير عن الذي يقرأ في زاويا متعددة؛ لأن القراءة في الزوايا المتعددة كما عبرتْ عنها السيدة سوزان مبارك: بأنها هي المظلّة الرئيسية للبناء الروحي والفكري والوجداني للإنسان.

ولذلك نجد أن الإمام الشافعي عليه رحمة الله هذا الإمام الهاشمي الذي شهد عصره انطلاقة هائلة نحو الازدهار الثقافي والحضاري بعد مضي قرن ونصف القرن على بزوغ فجر الإسلام ، حيث كان الشافعي عالما متعدد المواهب، له دراية عميقة بالفقه، والتفسير، والحديث، والأصول، بالإضافة إلى الشعر واللغة والأنساب، فضلا عن اهتمامه بالطب والجدل والمناظرة والفراسة وفنون الذكاء، وكانت العبقريات تتفجّر من ينبوعه في كل هذه المجالات، وبالأخص الجوانب المتعلقة منها بالشريعة، وماكتابه الأصولي القيم الموسوم بالرسالة منا ببعيد!!

ذلك الكتاب الذي له أثرٌ عميق في الفكر الإسلامي على اختلاف مذاهبه واتجاهاته، بعيدا عن الأفكار الفجة ذات الطابع الشعبي، كيف لا وهو أول كتاب ألّف في علم أصول الفقه ، كما أقرّ ذلك جملة حسنة من علماء الأفذاذ في علم أصول الفقه، كابن خلدون في مقدمته والجويني في شرح الرسالة، وكذلك الرازي وغيرهم كثير.

قصارى القول وخلاصته: لكي يكون المرء عالما متعدد المواهب، بما يُعرف اليومَ بالموسوعية كالإمام الشافعي في عصره؛ فعليه أن يستفيد من كل قديم صالح، ومن كل جديد نافع من مختلف العلوم والفنون، عندئذ بمُكنتِه أو بإمكانه أن يبلغ مابلغ به الإمام الشافعي في العلم والدراية في عصره، ولايعني ذلك عدمَ التدرج في تلقي العلوم بل لابد من التدرج لأنه سنة إلهية معتبرة في شريعتنا الغراء.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء

 

. كيمو بن محمد كوندي :  باحث في جامعة القاهرة قسم الشريعة والقانون.

إقرأ المزيد :

أمنية إبراهيم تكتب .. التنمية البشرية في مصر و أفريقيا

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »