أخبار عاجلةاخبار افريقياالرأيشمال افريقيا

الدكتور محمد لعقاب عضو مجلس الأمة الجزائري عن الثلث الرئاسي يكتب .. بعد طلب الإنضمام إلى “البريكس”: الرئيس تبون يغيّر قواعد اللعبة .. ( ٢ – ٢ )

الجزائر الآن _ ماذا تستفيد الجزائر من انضمامها للبريكس، وماذا تستفيد البريكس بانضمام الجزائر إليها، وما هي دلالات التوقيت الذي طالبت فيه الجزائر العضوية، وكيف ستكون علاقتها مع الغرب مستقبلا، وهل تمهد البريكس الطريق للعضوية في منظمة شانغهاي كـ “مراقب” أو كـ “شريك في الحوار”؟

البريكس هي المكان الطبيعي للجزائر

في ذات اليوم 8 نوفمبر 2022 الذي أعلنت فيه الجزائر تقديمها رسميا طلب الإنضمام لمجموعة البريكس، أعلنت كل من روسيا والصين على ترحيبهما بهذا الإنضمام، بل إن الترحيب بانضمامها سبق ذلك بأشهر، على مختلف المستويات: وزراء وسفراء، لذلك لا نعتقد أن الجزائر ستواجه أي صعوبة في الحصول على موافقة الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، بل نتوقع أن يتم ذلك في أقرب الآجال.

ذلك أن علاقات الجزائر مع جنوب إفريقيا ممتازة وتاريخية، وكذلك علاقاتها مع البرازيل وحاليا تبدو الطريق معبدة مع فوز اليساري لولا داسيلفا بانتخابات الرئاسة في البرازيل أواخر أكتوبر 2022 على حساب اليميني الموالي للغرب بولسونارو، أما العلاقات مع الهند فهي بدورها ممتازة وتمتد للخمسينيات في عهد غاندي وحصول الثورة الجزائرية على دعم الهند خلال مؤتمر باندونغ 1955.

للتذكير خلال الحراك الشعبي عام 2019 ، وبعد التوجه نحو تحول الحراك إلى ثورة برتقالية ساندت كل من روسيا والصين الموقف الرسمي للجيش حينذاك وهو ضرورة تنظيم انتخابات حرة ونزيهة.

ومنه يمكن القول أن المكان الطبيعي للجزائر هي مجموعة البريكس، ولا نعتقد أن الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ستتحفظ أو تتأخر في الموافقة على الانضمام.

مصلحة الجزائر من الإنضمام إلى البريكس

يلاحظ في الوقت الراهن، أن الدول غير المنتمية لتكتلات اقتصادية تبقى مقصية من الإستفادة مما توفره التكتلات من مزايا، والأكثر أهمية في الوقت الراهن، أن العلاقات الدولية تطورت لمستوى التحالفات أكثر من كونها علاقات. وبناء عليه يمكن ذكر بعضا مما يمكن للجزائر أن تستفيد منه بانضمامها إلى مجموعة البريكس:

1 – الإستفادة من العديد من المزايا التجارية والإقتصادية فضلا عن تأمين ظهرها من الأزمات غير المتوقعة.

2 – ستكون أمام الجزائر فرصة للإستفادة من القروض في حالة الضرورة، ومن تمويل المشاريع الإقتصادية خاصة من الصين.

3 – إن المجموعة تسعى لبناء نظام اقتصادي ومالي عالمي جديد، وهو من بين الأهداف التي سعت الجزائر لتحقيقها منذ 1975، وجدد الرئيس تبون الدعوة لهذا النظام خلال مشاركته في قمة البريكس الأخيرة شهر يونيو 2022، وحتى في كلمته أمام القمة العربية المنعقدة بالجزائر مطلع نوفمبر 2022. وبعد وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم شهر ديسمبر 2019، أصبحت الجزائر تسعى لتنويع اقتصادها والتوجه نحو التصدير، وهي مقتنعة بقدرتها على التحول إلى دولة محورية بدل انكماشها على نفسها بتصدير المحروقات.

3 – لأن مجموعة البريكس تضم دولا من أكبر الدول استهلاكا للطاقة هما الصين والهند، فإن الإنضمام إليها يمكن من ضمان سوق لمحروقات الجزائر في عالم شديد التقلب وغير موثوق.

4 – في ظل حرص الرئيس تبون على النهضة الزراعية لتأمين الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي، خاصة انتاج القمح، فإن مجموعة البريكس قد تمنح للجزائر فرصة تحقيق ذلك، من خلال الخبرة التي تمتلكها في هذا المجال، فروسيا حاليا تعتبر من أهم الدول المصدرة للقمح.

5 – بدون شك فإن الجزائر ستحقق سبقا عربيا وإسلاميا في الإنضمام للمجموعة بعد كشف كل من السعودية ومصر وإيران عن رغبتهم في الإنضمام إليها.

ماذا تضيف الجزائر للبريكس؟

إذا كان الأمر مثلما شرحناه أعلاه من مزايا قد تجنيها الجزائر من الإنضمام للبريكس، فإن السؤال يطرح نفسه في الإتجاه المعاكس، ماذا تقدم الجزائر للبريكس أو ماذا تستفيد البريكس من الجزائر؟ والإجابة عن هذا السؤال يقودنا للحديث عن العديد من مزايا الجزائر ومنها:

1 – المساحة الشاسعة المقدرة بـ 2.3 كلم مربع، وهي أكبر مساحة في القارة الإفريقية.

2 – شريط ساحلي على طول 1600 كلم يطل على العديد من الدول الأوروبية ويجعل منها بوابة أوروبا، يمكن دول المجموعة من بناء الموانئ على غرار ميناء الحمدانية غرب الجزائر العاصمة الذي سوف يربط بطريق الحرير الصيني الذي انضمت إليه الجزائر رسميا عام 2019.

3 – امتداد مساحة الجزائر نحو العمق الإفريقي تقدر بنحو 1800 كلم ما يجعلها بوابة إفريقيا بامتياز.

4 – تمتع الجزائر بثروات هائلة مثل المحروقات والمعادن النفيسة والمناجم.

5 – إطلاق الجزائر العديد من المشاريع الهائلة مثل الطريق العابر للصحراء والألياف البصرية العابرة للصحراء وأنبوب الغاز العابر للصحراء، والطريق الرابط بين تندوف وموريتانيا باتجاه إفريقيا الغربية، واحتمال ربطها بطريق الحرير الصيني. كما تملك البلاد شبكة هامة من الطرق السريعة والسكك الحديدية والمواني التجارية والمخصصة لتجارة البترول والغاز.

6 – تعتبر الجزائر دولة بدون ديون، وتمتلك احتياطات من النقد الأجنبي تقدر بنحو 50 مليار دولار.

7- بلغ الناتج الداخلي الإجمالي للجزائر في 2021 نحو 164 مليار دولار، ومن المتوقع أن يفوق 168 مليار دولار نهاية 2022.

8 – يحتل اقتصاد الجزائر المرتبة الرابعة إفريقيا وراء نيجيريا وجنوب إفريقيا ومصر، ويشهد نموا ملحوظا، حيث بلغت الصادرات خارج المحروقات 5 مليارات دولار نهاية 2021 ومن المتوقع أن ترتفع إلى 7 مليار دولار بنهاية 2022، وهو تطور لم تشهده الجزائر منذ الإستقلال عام 1962.

9 – بالموقع الجزائر في شمال القارة الإفريقية، وموقع جنوب إفريقيا في أقصى جنوب القارة، فإن مجموعة البريكس تكون قد وضعت إفريقيا بين فكي كماشة.

ما مستقبل علاقات الجزائر مع الغرب؟

بدون شك فإن الإنضمام لأي تكتل سياسي أو اقتصادي أو عسكري يحتم عليك بعض الالتزامات، فهل التزامات الجزائر داخل مجموعة البريكس ستجبرها على التخلي عن علاقاتها مع “الغرب الواسع” بمفهوم روسيا.؟

سوف يقف الباحث في علاقات الجزائر مع مختلف الدول، على حقيقة تجعله يستنتج أن انضمامها لمجموعة البريكس، لا يعني أنها ستتخلى عن مبادئها السياسية وعلى رأسها مبادئ عدم الإنحياز، ومبادئ مؤتمر باندونغ 1955 التي كان لها الفضل في اختراق الثورة الجزائرية للبعد الدولي، وقد شدد على ذلك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون غداة اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

ثم أن الجزائر هي عضو هام في دول عدم الإنحياز، ومجموعة الـ 77، لكن علاقتها بروسيا ممتازة، وكذلك مع الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وكذلك يسير الأمر بعد حصولها على عضوية البريكس.

والإنضمام لمجموعة البريكس لا يعني إدارة الجزائر ظهرها للغرب الذي تربطها معه علاقات اقتصادية وتجارية وإنسانية وتاريخية معقدة ومتشابكة،خاصة مع فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة.

ثم إن الهند بوصفها ذات علاقات متشعبة مع الغرب، وعضو في تحالف رباعي بقيادة الولايات المتحدة يضم أيضا أستراليا واليابان ويهدف للحد من النفوذ الصيني في المحيط الهندي والمحيط الهادئ، ستعمل على عدم تحول مجموعة البريكس إلى عدو للغرب، وهو توجه ستستفيد منه الجزائر.

وبالمقابل، تعتبر الصين وروسيا أهم دولتين في البريكس، لكن ذلك لم يؤثر على بناء علاقات متعددة الأبعاد مع مختلف بلدان العالم بما فيها أمريكا. وهذا ينطبق تماما على الجزائر.

إلّا أنه ليس مستبعدا أن تتأثر علاقات الجزائر مع بعض الدول الغربية، لأن الأولوية سوف تكون لدول المجموعة، لكن من المؤكد أن الجزائر سوف تحرص على علاقات متوازنة مع الجميع.

من البريكس إلى منظمة شنغهاي للتعاون

إن فتح الباب أمام انضمام عديد الدول إلى المجموعات التي تتزعمها روسيا والصين على غرار البريكس وشنغهاي، يمثل توجها من موسكو وبيكين، الذين يسعيان لتوسيع البريكس أساسا بضم إيران والسعودية ومصر والأرجنتين والجزائر ودول أخرى، وقد ينتهي هذا التوجه بالإنضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون، بهدف تحقيق الأهداف الإستراتيجية التي أشرت إليها أعلاه، ولو كعضو “مراقب” أو “شريك في الحوار”. ولو أن مناقشة هذا حاليا يبدو سابقا لأوانه بالنسبة للجزائر، لكن تغير قواعد اللعبة قد يؤدي إلى ذلك.

ففي عام 2021 انضمت إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون، وهي تحالف يضم روسيا والصين و6 دول أخرى في آسيا الوسطى. وفي مايو 2021، حضر للمرة الأولى وزراء خارجية السعودية ومصر والإمارات ودول أخرى كضيوف في اجتماع وزراء خارجية المنظمة.

ويوجد 3 دول في مجموعة البريكس أعضاء في مجموعة شنغهاي من أصل 9 دول هي : روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان والهند وباكستان وإيران.

وتأسست منظمة شنغهاي للتعاون عام 1996 بوصفها تكتلا إقليميا أوراسيا (المنطقة التي تقع بين أوروبا وآسيا) باسم “خماسية شنغهاي”، (الصين وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان)، أما الإعلان الرسمي عن تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون بشكلها الحالي فتم يوم 15 يونيو 2001 بعد انضمام أوزبكستان إليها.

وبعد انضمام أوزبكستان والهند وباكستان ثم إيران في قمة سمرقند يومي 15و16 سبتمبر 2022 أصبحت المنظمة تضم نصف سكان المعمورة. وتسعى تركيا بدورها للإنضمام لشنغهاي لتعويض رفض أوروبا انضمام تركيا إليها.

وتضم حاليا عدة دول بصفة “مراقب”، منها أرمينيا، وأذربيجان، وبنغلاديش، وأفغانستان، وبيلاروسيا، ومنغوليا، وتقدمت كل من مصر وسوريا بطلب للحصول على صفة مراقب.

وفي عام 2008 أنشأت المنظمة عضوية تسمى “شريك الحوار” لأي دولة أو منظمة تتشارك أهدافها ومبادئها مع منظمة شنغهاي للتعاون، وترغب في إقامة علاقات شراكة معها. وبذلك حصلت كل من كمبوديا ونيبال وسريلانكا على صفة شريك الحوار، في حين تقدمت كل من إسرائيل والعراق وجزر المالديف وأوكرانيا وفيتنام بطلب للحصول على الصفة ذاتها.

وفي عام 2012 منحت تركيا، وهي دولة عضو بحلف الناتو، صفة شريك الحوار خلال قمة المجموعة التي عُقدت في بكين، وفي 23 نوفمبر 2016 مُنحت أنقرة رئاسة نادي الطاقة لمنظمة شنغهاي للتعاون للفترة 2017، مما جعل تركيا أول دولة ترأس ناديا في المنظمة دون حصولها على العضوية الكاملة. وذلك مغازلة لها بهدف جرها للإنضمام، وبالنظر للدور الذي تلعبه تركيا في “الأزمة الأوكرانية” الحالية، ليس مستبعدا أن يكون لتركيا موقف آخر من البريكس و من منظمة شنغهاي.

ولا يستبعد المحللون أن تتحول منظمة شنغهاي للتعاون إلى حلف عسكري يواجه حلف الناتو على غرار حلف وارسو خلال الحرب الباردة، خاصة أنه منذ تأسيسها، كان التعاون الأمني الهم الرئيسي للأعضاء، وتحديدا مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف والحركات الانفصالية، والتصدي لتجارة الأسلحة والمخدرات. وفي عام 2007 وقعت دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي -التي تضم كلا من بيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزيا وطاجكستان وأوزبكستان إضافة إلى روسيا. وتجري الدول الأعضاء في شنغهاي مناورات عسكرية مشتركة دورية.

خاتمة

إن الإنضمام إلى مجموعة البريكس يعني بالنسبة للجزائر فتح آفاق جديدة بالنسبة لبلادنا، في مختلف المجالات خاصة الإقتصادية منها، ويحررها من الإرتهان للدول الغربية، ويخلق على الأقل التوازن في العلاقات الخارجية للجزائر في المجال الإقتصادي والثقافي والتجاري وحتى السياسي، ولها ما تكسبه، وهذا يعني أنه على مستوى القمة قد تغيرت قواعد اللعبة، بدون التخلي عن علاقتنا مع الآخر في الدول الغربية.

• نقلا عن جريدة وموقع الجزائر الآن 

إقرأ أيضا : 

الدكتور محمد لعقاب عضو مجلس الأمة الجزائري عن الثلث الرئاسي يكتب .. بعد طلب الإنضمام إلى “البريكس”: الرئيس تبون يغيّر قواعد اللعبة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »