أخبار عاجلةالرأي

يوسف العومي يكتب: صراع بين الموت والخلافة في الكاميرون

في قصر الرئاسة الكاميروني حيث الظلال تطول، يستعدّ الرئيس بول بيا (92 عاماً) – أطول الحكام الأفارقة بقاءً في السلطة – لخوض انتخابات أكتوبر القادم، متحدياً سنين عمره المتقدمة وتدهور صحته التي أخفته عن الأعين لأشهر، بول بيا يحكم البلاد منذ 1982، مدعوماً بتعديل دستوري ألغى حدود مدد الترشح عام 2008  وجعلها الي مالا نهاية وهو ما خدم عجوز ياوندي خلال الفترات السابقة، لكن يبدو أن هذه المرة المشهد يختلف:
فهناك تقارير متواترة عن تدهور حالة الرئيس الصحية وتغيّبه المتكرر تثير مخاوف من فراغ محتمل، غير أن الدستور الحالي ينص على أن رئيس مجلس الشيوخ، يتولى مؤقتاً عند شغور المنصب.

الجديد في المشهد أن ثمة
انشقاق ظهر  في قلعة الحكم بعد إعلان وزير سابق وذراع أمني سابق لبيا، وهو إيسا تشيروما باكاري (75 عاماً)، الذي استقال هذا الأسبوع معلناً ترشحه، واصفاً نظام بيا بـ”النموذج الذي استنفذ أغراضه”

أضف إلى ذلك أن ظهور تيارات المعارضة لترشح بيا لولاية ثامنة، وعلي الرغم من كون هذه المعارضة الحالية”هشة” لكنها تظل أمل متجدد أمام هشاشة النظام نفسه، فهي الآن تحاول لمّ شتاتها فهناك تحالف نادر يضم 30 حزباً معارضاً اتحدت خلف موريس كامتو (71 عاماً) مرشح تحالف “الائتلاف السياسي من أجل التغيير” (APC)، الذي سُجن 10 أشهر بعد احتجاجه على تزوير انتخابات 2018 .

أضف إلي ماسبق أن الحكومة حظرت تحالف كامتو ووصفته بـ”الحركة السرية”، بينما تواصل اعتقال الصحفيين وقادة المجتمع المدني .

وأمام هذه التغيرات يظل المشهد العام في الكاميرون نازفًا من جراح متعددة فلا يمكن اختزال  الصراع في شخص بيا وحده، بل في إرث من الأزمات المتفاقمة: فهناك حرب أهلية صامتة منذ 2016، أشعلت الأزمة في المناطق الناطقة بالإنجليزية (15-20% من السكان) نيراناً أودت بـ3,000 قتيل ونزّحت 700,000، بينما حُرم 600,000 طفل من التعليم .

أما الوضع الإقتصادي فهو يترنح رغم جود نسبة نمو طفيف تصل إلى 3.7% عام 2024، ويعيش 23% تحت خط الفقر المدقع، فيما يُعدّ البلد “من أكثر الدول فساداً في العالم” حسب تقارير دولية .
أما الشباب الذي يشكل 60% من السكان فهو بلا مستقبل فـ 74% من الشباب عاطلون، تحت سن 25.

وأمام هذا الوضع هناك سيناريوهات للانتقال السياسي: لكنها تتأرجح ما بين “الفوضى والأمل” فالبلاد على مفترق طرق خطرة: فسيناريو الاستمرار، نتيجة لفوز بيا أو خليفة من حزبه (ربما نجله فرانك) يعني استمرار السياسات القمعية وتفاقم الأزمات .
أما السيناريو الآخر هو سيناريو “الانفجار” فغياب خطة خلافة واضحة يهدد بحرب أهلية، خاصة مع وجود تهديدات إرهابية في الشمال المتطرف .
أما سيناريو التغيير فهو: تحالف المعارضة حول كامتو، وانشقاق باكاري، وتنامي الوعي الشبابي قد يُحدث مفاجأة إن نُظمت الانتخابات بشفافية، لأن الطرح الذي يلاحق الكاميرونيين اليوم، هو أن الانشقاق الأخير لباكاري ليس مجرد تمرد سياسي، بل إعلانٌ صارخ أن جدران النظام بدأت تتساقط… فهل تتحول الهزات إلى زلزال يغير مصير أمة؟

وخاتمة القول هو إن الكاميرون أمام لحظة مصيرية نادرة، بقاء بيا قد يكون “المزيد من نفس الدواء المميت”، لكن انتقال السلطة دون مؤسسات ديمقراطية رصينة قد يدفع البلاد إلى الهاوية. العيون اليوم على القوى الإقليمية والدولية التي قد تحاول تأجيج الصراع أو احتواءه، خاصة مع وجود شبكات روسية تنشر خطاباً مناهضاً للديمقراطية من دوالا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »