اخبار افريقياالرأي

يوسف العومي يكتب: ” شرب القهوة” حرام شرعاً برأي فقهاء الاسلام ورهبان الكنيسة

IMG ٢٠٢٢٠٩١٤ ١٣٤٩٥٩ يوسف العومي يكتب: " شرب القهوة" حرام شرعاً برأي فقهاء الاسلام ورهبان الكنيسة

ألقت تداعيات التغير المناخي بظلال سوداء على مزاج محبي القهوة، الذين يشربون أكثر من 3 مليار فنجان يومياً، بسبب قلة وجودة المعروض من البُن في العالم، وارتفاع أسعارها.

لكن ماهي قصة القهوة؟ وما هي حكايتة نشئتها؟ وهل فعلاً شرب القهوة حرام شرعاً  لدي بعض علماء الاسلام ؟ ولماذا حرمها الرهبان والقساوسة في البلدان الغربية.

البداية كانت من مكة المكرمة، نعم من مكة المكرمة، بل ومن داخل بيت الله الحرام، ففي أحد ايام شهر مايو  عام 1511 ميلادي، كان شريف مكة المكرمة الأمير المملوكي “خاير بك” المعين من قبل السلطان المملوكي قنصوه الغوري سلطان مصر وبلاد الحجاز والشام، يتجول داخل الحرم فوجد بعض من المكيين  يحتسون مشروباً جديداُ أطلفوا عليه القهوة، ورغم أن هذا المشروب الذي جاء من اليمن لمكة المكرمة وسرعان ما أنتقل عن طريق الحجاج والمعتمرين الي بلاد الشام ومصر، واقبلت عامة الناس علي شرابه، إلا أن خايربك كان له رأي أخـــــــــــــــــــــــــــــــــــر، فقد جمع كبار العلماء والفقهاء ليستفتيهم في حكم شراب القهوة.

لكن يبدو أنه كان بين هؤلاء الفقهاء بعض المتشددين والمتزمتين ومشايخ السلطان فقالوا له يا أميرنا : إن حبوب البن حكمها مثل حكم بقية النباتات لا حرمة فيها،  لكن اجتماع الناس على شراب القهوة حرام، وعلى هذا يجب أن يحرم شربها، بل أنهم تمادوا  وقال أحدهم العنب حلال والنبيذ حرام والبن حلال والقهوة حرام، وأن المقاهي هي بيوت فساد، وغالي بعضهم وأفتوا بأن الذهاب إلى الحانات أفضل من الذهاب للمقهى.

هنا  أرتدي خاير بك عبادة حامي حمي الدين، والمقوم لسلوك المسلمين، فأمر بأن ينادى المنادى فى الشوارع، بأن شرب القهوة حرااااام شرعاً، وأن من سيشربها سيعرض نفسه للعقاب من قبل الأمير، هنا هتف المتزمتة والمتشددة من العلماء قائلين أصلح الله الأمير وأطال الله في عمره.

وبعد هذا الهتاف كبرت المسائلة في رأس “خاير بك” فأصدر قرارات لاحقة تم بموجبها إغلاق كل محال بيع القهوة وإحراق حبوب البن فى مخازن التجار بمكة.

لكن فريق المعارضة من المكيين الذين لم يقبلوا بقرارات الأمير ولا برأي الفقهاء الموالين له، قرروا مواصلة شرب القهوة سراً في منازلهم، وراحوا يقولون أن الامير وحاشيته لن يتحكموا في أمزجتنا، في المقابل أطلق خاير بك فريق البصاصين التابع له لمراقبة تنفيذ قرارته، وبالفعل رصد هؤلاء البصاصين أحد المعارضين يشرب القهوة في منزله سراً ، فأمر بالقبض عليه، وفي يونية عام 1511 ميلادية شكل خاير بك محكمة من خمسة قضاة من الفقهاء والعلماء الموالين له، لمحاكمة هذا الرجل فأصدروا حكمهم بأن هذا الشخص مذنب ومارق، وللأمير الحق في معاقبته، فأمر “خاير بك” بتجريسه وإركابه بالمقلوب علي ظهر حمــــــــــــــــــــارة طافت به شوارع وحواري وأذقة مكة، بل وأمر الصبية بأن يزفوه خير زفة!

هنا شعر “خاير بك أنه أنجز عملاً عظيماً، فأرسل رسالة إلى السلطان الغوري ليبشره بأنه فتح فتحاً عظيماً وقضي علي فتنة القــــــــــــهوة، في بلاد الحجاز، وأن عمله هذا جاء من منطلق قلقه على الدين الحنيف من مشروب القهوة الذى يتم تعاطيه داخل المسجد الحرام فى كئوس، وزاد الفقهاء خلال رسالته بأن الكثير منها يؤدى إلى السكر وأن الأطباء شهدوا بأنها مفسدة للبدن!

قرأ السلطان الغوري رسالة واليه علي مكة، واصابته صدمة عظيمة، جعلته يضرب كف بكف لأن شرب القهوة كان مباحا فى القاهرة بشهادة الفقهاء والأطباء فجمع علماء الأزهر الذين أكدوا له أنه لا يوجد مفسدة في شرب القهوة، فكتب إلى خاير بك يأمره بضرورة الرجوع عن قراره بتحريم الفهوة.

وعقب قرار السلطان الغوري، بجواز شرب القهوة وعدم تحريمها أنتقلت المعركة الفقهية من مكة المكرمة الي القاهرة، فأشتدت بها المساجلات الفقهية حول شرب القهوة وتبني أحد الفقهاء التكفيرين المشهد وسأل الناس: ما رأيكم فى الشراب المسمى بالقهوة الذى يشرب فى جماعة على أساس أنه مباح، رغم أنه ضار جدا بالصحة، هل هو حلال أم حرام؟ ثم أرفق بالسؤال رأيه المسجل بأن شرب القهوة حرام شرعا، وعلى أثر الجدل الدائر قام الخطباء كالعادة بمهاجمة القهوة وشاربيها، حتى قام المصلون المصريون بمهاجمة المقاهى وتكسير أوانى القهوة.
– لكن السؤال هنا كيف تم أكتشاف هذا المشروب؟

هناك ثلاث روايات، الاولي تقول: أن راعي أبل يمني شاهد جماله تأكل من عشب له بذور، وعقب تناول العشب تظهر علامات الرضا النشاط والبقظة علي الابل، فقرر مضغ بعض هذه البذور فوجد أن حالته المزاجية في أحسن حال، وأنه بالليل يكون متقظاً بشكل افضل، وبدأ يداوم علي صلاة قيام الليل، فحكي لأصدقائه عما أكتشفه فقرروا تحميص هذه البذور وطحنها وعمل مشروب منها، وأثناء هذه المراحل خرجت من هذا المشروب رائحة جميلة جعلتهم في حالة مزاجية رائعة، ومن البمن بدأ ينتشر هذا المشروب وسرعان ما وصل الي بلاد الحجاز وأخذه الحجاج الي بلاد الشام ومصر.

أما الرواية الثانية فلم تختلف كثيراً فهي تنسب الواقعة لراعي غنم حبشي، أكتشفها مع أغنامه، فحكي لراهب عما حدث لأغنامه فألقي الراهب بعض من هذه البذور في النار فخرجت منها رائحة نفاذة جعلته متقظ في صومعته فحمص بعضاً منها واضاف اليها الماء وشربها، وسرعان ما أنتقل المشروب الي اليمن ومنه الي بعض البلدان الأخري.

أما الرواية الثالثة فتقول: وهي رواية شائعة في شبه الجزيرة العربية تدور حول الشيخ عمر الموكا ، اليمني ، الذي نُفي وحُكم عليه بالتجويع خارج المدينة، وفي محاولته اليائسة للعثور على شيء صالح للأكل، اكتشف شجرة قهوة وتمكن، وهو يمضغ ثمارها ، من البقاء قوياً والعودة بعد سنوات إلى المخا، حيث فُسِّر بقاءه على أنه معجزة إلهية، فحكي عن هذه الشجيرة فتم تمجيد ثمار شجرة القهوة كهدية من الله ، وأصبحت القهوة مشروب المخا المفضل، حتي الطرق الصوفية  دخلت في هذا المعترك ووصفت القهوة  بأنها”مشروبًا مباركًا” وإنهم يستهلكونها بكثرة لإقامة احتفالاتهم الدينية طوال الليل.

لكن كيف وصلت القهوة الي أوروبا؟ وبماذا وصفها المسيحيين عندما أهداها لهم العرب المسلمون؟

في القرن السابع عشر – وصف معارضي القهوة الأتقياء  من المسيحين مشروب القهوة بأنه تجسيد للشر وأن المسلمين ، حيث لم يتمكنوا من شرب مشروب النصارى المقدس، الخمر، لمعاقبتهم، أعطاهم الشيطان القهوة. ! وفي عام 1605 ، تمت دعوة البابا كليمنت الثامن للحكم عليها.

في تلك الاثناء أعطي تاجر من البندقية البابا كليمنت الثامن قدحاً من القهوة فوجد طعمها جميلاُ وعقب تناوله كان سعيدًا جدًا بمذاقه ورائحة المشروب لدرجة أنه وافق على الفور على تناوله من قبل المسيحيين، لذلك تم افتتاح أول مقهى في لندن عام 1652، وكان مالكه هو باسكا روزي، الخادم الأرميني للتاجر الإنجليزي دانييل إدواردز ، الذي تعرف على القهوة من رحلاته المتكررة إلى الشرق، وفي كل مرة كان يعود فيها من المشرق العربي كان يجلب كميات من القهوة قادرة على سقي نصف مدينة لندن.

وأدت روح المبادرة لدى إدواردز إلى فتح مقهى باسم خادمه، الذي أصبح ، في هذه الأثناء ، علامة تجارية في تحميص القهوة. وأعلن عن المشروب بأنه “إنه يحارب النعاس ويمنح اليقظة في العمل، خاصة في الليل. لذلك لا يوصى بتناوله بعد العشاء حيث أنه سيمنع النوم لمدة ثلاث أو أربع ساعات

وسرعان ما أنتشرت القهوة في فرنسا وأمستردام ولاهاي، حتي قيل أن الفيلسوف الفرنسي فولترو كان أكبر معجب بالقهوة و يشاع أنه كان يحتسي حوالي 40 كوبًا من القهوة يوميًا ، ولكن ربما يكون هذا مبالغة تهدف إلى تسليط الضوء على اعتماد الفيلسوف الفرنسي على القهوة،  لأنه سيكون من الصعب عليه تناول هذه الكمية حتي وإن كان يشربها بفمه ومن خلال أوردته.

وفي مقابل ذلك الانتشار قاد الكهنة حرباً ضد القهوة أستمرت طويلاُ ففي إيطاليا – في القرن السادس عشرومع كونها واحدة من أهم القوى التجارية في العالم خلال تلك الفترة الزمنية، لم يكن من المستغرب وصول القهوة إلى شبه الجزيرة وانتشارها بسرعة. لكن سرعان ما انطلق رجال الدين في حملة ضد المشروب المحبوب من العامة مطالبين بحظره وواصفين إياه بكونه مشروباً شيطانياً.

ولحسن حظ محبي القهوة، كما ذكرنا سالفاً أن بابا الفاتيكان حينها (البابا كليمنت الثامن) كان من أشد المعجبين بالقهوة بعدما جربها. وعلى الرغم من إصرار الكهنة على رأيهم، فلم يكن هناك ما يستطيعون فعله أمام ”المباركة البابوية“ للمشروب، وسرعان ما انتشرت المقاهي في كل مكان في إيطاليا.

وفي عام عام 1623 تم حظر القهوة في القسطنطينية (استنبول حالياً) بعد وصول السلطان (مراد الرابع) إلى عرش الإمبراطورية العثمانية وعمره 11 عاماً فقط، وسرعان ما أصدر قوانين بحظر القهوة بشكل كامل مع عقوبات كبيرة لمن يخالف هذا الحظر، حيث كان جزاء المخالفة لأول مرة هي الجلد، بينما من يرتكب المخالفة العظمى ويشرب القهوة أكثر من مرة؛ كان يحبس في كيس جلدي ورميه في مضيق البوسفور ليغرق.

وفي السويد تم حظر القهوة في – عام 1746 بأمر الملك السويدي (جوستاف الثالث) بشكل كامل بعدما اقتنع بكلام من يدعون كونها عقارا خطراً. والحظر لم يكن للقهوة فقط، بل امتد للملحقات المستخدمة لها مثل الفناجين وصحونها والتي كانت الشرطة تصادرها كونها ”غير قانونية“.

وفي بروسيا وفي عام 1777أصدر ملك بروسيا –وهي أحد أقاليم ألمانيا الاتحادية اليوم– (فريدريك الكبير) بياناً يشجب فيه القهوة كونها تتداخل مع عادات المنطقة بشرب البيرة، وشجع على شرب المزيد من البيرة وبالأخص ”كأس من البيرة الصباحية مع الفطور“، حيث يبدو أن ما يعد اليوم سلوكاً مكروهاً كان أمراً محبذاً من ملك بروسيا.

لكن في عام 1674 ، دخلت النساء بنشاط في الحرب ضد القهوة، ونشرت إحدي الصحف نص لجمعية نسائية بعنوان “مناشدة النساء ضد القهوة، عرض النص البؤس الهائل الذي تعاني منه الأنثى بسبب تعاطي الشراب المنهك” الذي يحعل الذكور مثل الصحاري القاحلة، وتجعلهم فاقدين للفاكهة الأبدية التي تأتي من (!) .. الأزواج الذكور  لأنهم يقضون كل وقتهم في المقاهي، ويتقلص الاتصال بينهم بسبب منع النساء من دخول هذه المقاهي، لذا فإن الأمة كلها مهددة بالانقراض بسبب هذا المشروب”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »