تنزانيا في رسالة لمنتدى الطاقة العالمي: دعوا أفريقيا تتولى زمام أمورها بنفسها

شددت تنزانيا في موقف حازم ومعبّر عن روح الاستقلال، على ضرورة أن تتولى أفريقيا زمام أمورها بنفسها في مجال الطاقة، مؤكدة أن الوقت قد حان لتمكين القارة من تسخير مواردها الطبيعية وتحديد مصيرها بعيداً عن الإملاءات الخارجية. جاء ذلك على لسان نائب رئيس الوزراء ووزير الطاقة التنزاني، الدكتور دوتو بيتكو، خلال مشاركته في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، الذي يُعد من أبرز المنصات الاقتصادية العالمية.
وفي حديثه في 19 يونيو 2025 ضمن فعاليات المنتدى المنعقد في روسيا، أطلق الدكتور بيتكو رسالة قوية حملت صدى واسعًا في أرجاء المنتدى، دعا فيها إلى رفع القيود المفروضة على استخدام أفريقيا لمواردها، مشددًا على أن القارة، التي لا يزال الملايين من أبنائها محرومين من الوصول إلى طاقة نظيفة وموثوقة، تستحق حقها الكامل في تقرير كيفية تلبية احتياجاتها من الطاقة.
وأوضح بيتكو أن أفريقيا لا تساهم إلا بنسبة تتراوح بين 3 إلى 4 في المائة فقط من الانبعاثات الكربونية العالمية، ورغم ذلك تُفرض عليها قيود بيئية صارمة لا تُطبّق بنفس الحدة على الدول الصناعية الكبرى، التي تستمر في استغلال الوقود الأحفوري دون قيود تُذكر. وانتقد الوزير التنزاني ما وصفه بـ”النفاق” في الخطاب العالمي حول الطاقة، داعيًا إلى إعادة النظر في المعايير المزدوجة التي تعيق تطور أفريقيا في هذا القطاع الحيوي.
وأكد الدكتور بيتكو أنه يجب السماح لأفريقيا باستخدام مواردها الطبيعية من الفحم والغاز والماء والطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية ظروفها التنموية والاجتماعية. وقال بوضوح: “لا يمكن أن نُعامل كما لو كنا جميعاً نعيش في نفس الواقع، في حين أن واقع أفريقيا مختلف تمامًا”.
وفي إطار استعراضه لجهود بلاده، قدّم الوزير التنزاني نموذجاً متكاملاً لاستراتيجية الطاقة في تنزانيا، يتضمن مشروعاً لتوليد الطاقة بالفحم بقدرة 120 ميغاواط، يهدف إلى تزويد المجتمعات الفقيرة بالطاقة، إلى جانب استثمارات واسعة في مشاريع الطاقة الشمسية والغازية والكهرومائية. وأكد أن هذا النهج يعكس توازناً بين التنمية المستدامة والتقدم الاقتصادي.
كما دعا بيتكو إلى احترام سيادة الدول في اختيار مساراتها الخاصة في تطوير الطاقة، قائلاً: “ينبغي أن تكون كل دولة حرة في اختيار كيفية تلبية احتياجاتها من الطاقة، بطريقة مسؤولة ولكن مستقلة”.
استغل الوزير التنزاني المناسبة لتسليط الضوء على قوة العلاقات بين تنزانيا وروسيا، داعيًا إلى توسيع التعاون الثنائي في مجالات تطوير الطاقة، ونقل التكنولوجيا، والاستثمار. وأكد أن العلاقة القائمة على الاحترام المتبادل يمكن أن تثمر عن شراكات قوية ومثمرة، قائلاً: “بالاحترام المتبادل، يمكن لبلدينا تحقيق إنجازات عظيمة”.
من جانبه، عبّر وزير الطاقة الروسي سيرجي تسيفيليف عن دعم بلاده لطموحات أفريقيا في مجال الطاقة، وأكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حريص على تعزيز التعاون مع القارة، خاصة في المجالات التي تدعم النمو المشترك والتنمية الاقتصادية.
وانضم إلى النقاش إن جيه أيوك، رئيس غرفة الطاقة الأفريقية، الذي أيد بقوة تصريحات الدكتور بيتكو، وحث المجتمع الدولي على الاستماع إلى صوت القادة الأفارقة. ودعا أيوك إلى مزيد من الاستثمارات الروسية الخاصة في قطاع الطاقة الأفريقي، مشيرًا إلى أن أفريقيا تمتلك إمكانات هائلة يجب أن تُستغل في إطار من الحرية والاحترام.
كما أثنى أيوك على التجربة التنزانية، واصفاً إياها بالنموذج الذي يجب أن تقتدي به بقية الدول الأفريقية، نظرًا لما تمثله من توازن بين الطموح العملي والواقعية السياسية.
بمشاركة ممثلين من أكثر من 140 دولة، اكتسب منتدى سانت بطرسبرغ هذا العام أهمية متزايدة كمنصة تُتخذ فيها قرارات اقتصادية عالمية حاسمة. وفي هذا السياق، لم يكن خطاب الدكتور بيتكو مجرد تعبير عن موقف وطني، بل كان دعوة عالمية إلى إرساء نظام طاقة أكثر عدالة، يكون فيه لأفريقيا دور قيادي، لا مجرد تابع.
واختتم الدكتور بيتكو كلمته برسالة واضحة للعالم: “أفريقيا تمتلك الموارد، والطموح، والحق الكامل في قيادة مستقبلها. ما تحتاجه هو الدعم، لا العرقلة. إنها لحظة حاسمة نطالب فيها بالعدالة والسيادة في مجال الطاقة”.