فن وثقافة

خونة الأنفس

الجزء الرابع والاخير من رواية المؤلف موسي مُهَوس"خونة الأنفس"

الجزء الرابع والاخير

يستمر سدود في طريقته في البغاء المغلف بالطهارة والصلاح. فأصبح مكانه مَرتع للمفسدين ليلا ونهاراً.                           بمرور الوقت تزداد مشاكل القرية الأسرية والعائلية وتُصَب كل المشكلات عند الشيخ سدود فمازال سدود ينفذ أوامر وَلِيُه فيفرق ولا يُجَمِع؛ وفي المقابل يزداد غنى وفجور.                              ذاع صيت سدود ووصل إلي بعض الأشخاص  المهمين في بعض المناصب المرموقة؛ وصل إليهم صِيته ومهارته الفائقة في استخراج الكنوز بسهولة ودقة عالية! وبعد تعاون بينهم ازداد نفوذ سدود   ابوالكرامات، فزاد نفوذ الرجل وأصبح ذو بطش من كل ناحية.                            وبينما تعج المنطقة بالجهل والخديعة والفسوق إذ يتم تعين امام مسجد جديد وهو الشيخ سلامة -ذاك الشاب الأبيض الوجه ذو القامة المتوسطة واللحية الصغيرة التي تزيد وجهه بهاء ووقار وهيبة- يغوص الشيخ الشاب في أعماق مشكلات القرية، يحارب الجهل المدقع بالعلم المقنع؛  ولكنه يصطدم باعتقاد الناس في كرامات الشيخ سدود! التي لا يقبلون بأي حديث خلاف الاعتقاد بها!  يتجمع حول الشيخ سلامة مجموعة من الشباب المثقف الذين لا يرضيهم ما يحدث في القرية من دجل وشعوذة وبعد عن صحيح الدين، ويحاول الشيخ  أن يقنع أهل القرية بضرورة فهم أمور دينهم من علماء ثقات ولكن لا فائدة.

بينما  الشيخ سلامة مهموم من أمره فيتذكر ما كان عليه شيخه ومعلمه الشيخ ماضي الذي نزل بقرية يسود فيها شرب الخمر ليل نهار ولعب القمار ولكنه استخدم الحيلة معهم فاتفق معهم علي ان يشربوا الخمر ولكن عليهم بالصلاة؛ فوافقوا وبعد ايام قال لهم بعد أن واظبوا علي الصلاة أن عليهم ان لا يصلوا وهم سكاري فكان لابد أن يتوقفوا عن شرب الخمر نهارا، وبعد فترة كان يجتمع معهم بعد العشاء في المقهي ويجلس معهم ليقص عليهم القصص من السيرة النبوية والحكايات الي أن يغلبهم النوم فيذهبوا الي منازلهم دون شرب خمر الي ان انتهت الخمور وتجارتها من القرية.

فيقررالشيخ سلامة أن يقاوم الحيلة بالحيلة ويتظاهر بأنه مقتنع بكرامات الشيخ سدود واصبح يتكلم عنه بشكل جيد ولكن في نفس الوقت أصبح يعدل للناس بعض أمور دينهم فيعلمهم الطهارة والوضوء بشكل سليم بعد ان كان سدود يبيح لهم الصلاة طوال اليوم بتيمم دون وضوء! لأن سدود وصل به الحال انه اقنع الناس أن تتيمم بدل الوضوء طوال الوقت، وزاد عن ذلك انه اقنعهم بالتيمم  بأن تمسح علي كتف من بجوارك؛ علي اساس ان أصل الانسان من طين والطين أصله من تراب وبالتالي من أراد الصلاة فليضرب علي كتف من بجواره ويصلي!   و محاولات الشيخ سلامة أن ينهاهم عن ذلك ويبين لهم الخطأ في ذلك كانت تقابل كلها بالفشل!! ولكن الشيخ سلامة كان رجلاً مخلصا واخلاصه لله جعله مؤيد بتوفيق الله؛ فاهتدى لحيلة فقال لبعض الناس: ان ما يقوله سدود صحيح؛ ولكنه صحيح بالنسبة لسدود وساحته المباركة وبالتالي اذا خرج الفرد من الساحة يجب عليه  أن يتوضأ ليصلي ولا يفعل ما يفعله عند سدود الا هناك.              وبالفعل بدء هؤلاء الناس يسمعون كلام الشيخ سلامه ويصلون الأوقات في المسجد بوضوء وطهارة؛ واصبح الشيخ سلامه يقضي كل وقته مع الناس وعندما تنتهي الصلاة يظل معهم ولا يتركهم الا اذا تأكد انهم ذاهبون لقضاء بعض أمورهم الخاصة الهامة حتي في المساء يجمع اغلبهم ويذهب الي المقهي ويحكي لهم قصص السير والصالحين والصحابة وكان في قصصه يلمح الي الفرق بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن؛ حتي بدأ البعض يتشكك في سدود وما يفعله. وبدأت ساحة سدود يقل روادها رويدا رويدا، وبدأت حيل سدود لا تلقي قبول كبير بين الناس  سدود يسأل نفسه ماذا يحدث؟ فأرسل عراب ليعرف ما يجري ذهب عراب  وما لبث أن عاد اليه وأخبره خبر الشيخ سلامه.

بعدما علم سدود بخبر الشيخ سلامة استشاط غضبا و خوفا في نفس الوقت وظل يفكر ويفكر ماذا يفعل وكيف يحمي ملكه ؟ وبينما هو كذلك جاءه شيطانه وسأله

–         ما بك يا سدود؟

–        ألا تري  ذلك الشاب الذي يدعي سلامه يهدم ما نفعله طوال سنين؟

–       أنت من فعلت ذلك يا سدود ؟

–       أنا؟ كيف؟

–       قولت لك يجب أن تفسد ما بين الناس لا أن تفسدهم فقط فإنك أن افسدتهم قد يعودوا الي ربهم فيتوب عليهم اما أن افسدت ما بينهم البعض اعانك الحقد والبغضاء عليهم.

–       صدقت صدقت والان كيف التصرف مع سلامة هذا؟                           – هذا شأنك فأنا لا أستطيع أن أتدخل    – لا تستطيع!  كيف؟

–       هذا وعد من الأزل عندما تحديت الله بغواية البشر وافق الله ولكن منعني المتقين

–       كيف  السبيل اذا؟ كيف؟                يرحل بعيدا ويقول: هذا شأنك فأنتم شياطين الإنس بالمكر والخديعة أقوي منا.

يستيقظ سدود فيجد عراب واقفا علي باب الغرفة

فيفزع منه ما بك يا عراب؟

فيبتسم ويرحل ….

ما العمل؟ وماذا يقصد بأنني اقوي منه بالمكر والخديعة؟هل هي إشارة أم ماذا ؟وإشارة الي ماذا؟؟

يفكر ويفكر…..ثم يبتسم ويقول وجدتها.اذا أردت أن تحارب أحد لابد أن تعرف سلاحه اولا.

في الصباح ينادي سدود علي عراب: تعالي يا صديقي يقترب عراب وقد بدا عليه عودة ألم الفراق ولكنه يكابر ويخفي                      -نعم يا شيخ سدود        –  أريدك أن تذهب الي حيث يجلس سلامة هذا وتكون مع من يجلسون معه؛ وتتقرب منهم بل وتشيع أن الشيخ سدود معجب بالشيخ سلامة وعلمه! يتعجب عراب ولكنه ينفذ ما أمره ويظل طوال الوقت متتقلا هنا وهنا بين الجموع، يعلن حُبه وحُب شيخه للشيخ سلامه فيبدأ البعض منهم يقول الشيخ سدود هذا أفضل من سلامه دائما وتلميذه يذكرونه بخير وهو لا يكف من التشكيك في سدود. وبدأ مكان سدود يعج بالناس كما كان وتفرق الكثير عن الشيخ الشاب؛ ولم يثبت معه القليل من المتعلمين أصحاب الثقافة الدينية  الصحيحة،               في احدي الايام يأتي الشيخ (الحنفي) مفتش الاوقاف ليتابع عمل العاملين بالمسجد وكان هذا الشيخ  الحنفي ذو بصيرة صادقة، فأعجب بالشيخ الشاب ودار بينهم حديث طويل ودعاه الي زيارته في قريته، ذهب الشيخ سلامة مع الشيخ الحنفي وقص عليه ما يدور في القرية، فنصحه بعض النصائح فتقبلها الشيخ سلامة ورجع الي تلك القرية بعد ان دعا له الشيخ الحنفي بالنصر والسداد.

قرر سدود التخلص من الشيخ سلامة، فأراد ان يبعد الشبهات عن نفسه فقرر دعوة الشيخ سلامة الي الساحة ليشاهد الجميع أن العلاقة بينهم مميزة حتي يبعد الشبهة عن نفسه عند التخلص من سلامة.

تلاقت دعوة سدود مع رغبة سلامة في مجالسة سدود ليعرف عنه أكثر، وبالفعل قبل الدعوة التي جائته بواسطة عراب

وأكرم عراب وتحدث معه وقتا وأحس عراب براحة من حديثه مع الشيخ سلامة، فعراب رغم ما يَعرف إلا أنه يمتلك قلبا طيبا ولم ينغرس في براثن الخطيئة مثل سدود فهو يشاهد فقط؛وان كان لا يُعفيه من الذنب،الا انه يحسب له انه لم يكن مثل سدود او حتي سابقه.

فأصبح عراب يتحين الفرص ليجالس الشيخ سلامة ويسأله عن بعض الامور، فَهِم الشيخ سلامة ان ما يسأل عنه عراب يخص سدود وتحدث مع الشيخ عن الحب وهل الحب حرام؟                 فيقول الشيخ ان الدين يؤمن بالحب بل ويدعو اليه، وخاصة الحب الطاهر العفيف الذي لا يخالطه خطيئة وهنا يبكي عراب ويزيد في البكاء فيرق الشيخ لحاله ويهون عليه، فيحكي عراب للشيخ أمر المرأة التي تبعته واحبها، كيف تبعته المرأة وكيف قتلها سدود وسر الكحل السحري بل وسر كحل الزاهد الذي يشبه زجاجته ذلك الكحل…

ويستمع الشيخ سلامة وهو في ذهول ويكاد لا يصدق! شيء من دروب الخيال،وبعد ما سمع الشيخ قال لعراب: اسمع يا عراب أنت ذو قلب نقي ولكن الساكت عن الحق شيطان أخرس

–       انا أن تكلمت لن يصدقني الناس

–       أعلم ذلك ولكن لابد أن تكفر عن ذنوبك بأن تمنعه أن يفعل ذلك مرة اخري…..

–       كيف ذلك ياشيخ ؟

–       ادنو مني فيدنواعراب من الشيخ ويتهامسون

ثم يرحل عراب ليذهب الي سدود.

اليوم موعد زيارة الشيخ سلامة لسدود

المكان يتزين بالاعلام والزينة والكل فرحان باجتماع قطبي العلم في البلدة.           يجلس سدود علي كرسي يُشبه عرش الملوك ويدخل الناس افواجا يقبلون يده ويطلبون البركة

ويدخل الشيخ سلامة مع بعض الشباب ويسلم علي سدود ويقف سدود مستقبلا الشيخ في ترحاب مصطنع

ويُجلس الشيخ علي كرسي بجواره…

ينظر الشيخ سلامة الي عراب ويبتسم فيرد عراب بابتسامة عريضة وإيمائه بالرأس كأنه يقول كله تمام؛

وبدأ الجميع  تناول  طعام العشاء وتحجج الشيخ سلامة بانه مريض بعض الشيء ولا يستطيع أن يتناول من الأصناف الموجودة؛ وتناول  من طعام كان قد أحضره معه.       يطلب سدود من الشيخ سلامة إلقاء كلمة فيقوم الشيخ ليلقي خُطبة عن الدنيا الفانية والتوبة فيقع ذلك موقعا عظيما في نفس سدود، ولكن الكِبر وحب الدنيا يمنعانه من العودة الي الله؛ فينظر فيجد الناس مشدوهين بحديث الشيخ السحري؛

فيقترب عراب بزجاجة الكحل الي سدود

ويقول له: القوم سيضيعون منك اكتحل لتجذبهم. فيكتحل سدود من زجاجته المسحورة ولكن عراب كان قد استبدلها بزجاجة الزاهد كما اتفق مع الشيخ سلامة.

وماهي الا دقائق حتي صرخ سدود معلنا عن كل خطاياه والناس في ذهول والشيخ سلامه يقف مع الناس مستمعا لما يقول وبعد أن انتهي من كلامه ولكنه يظل يصرخ و يبكي بكاء له نحيب

والناس في صمت رهيب.

حتي قطع الصمت  صوت رجل يصرخ انت فعلت بنا كل ذلك انت من قتلت أمي الطاهرة العفيفة بشهادتك، ويهجم علي سدود ولكن الشيخ سلامة يتصدي للناس

ويهرب سدود ومعه عراب الي مغارتهم السرية ولكن المغارة لا تفتح الا بالكحل السحري

وهنا يخرج عراب ذلك الكحل ويكتحل هو وتفتح المغارة ويدخل سدود ويقف عراب علي بابها

يقترب الناس منهم والشيخ سلامة ينادي علي عراب: لا ترحل معه؛ لا تدخل معه.

ولكن عراب يقول: لابد ان نرحل يا شيخ ادعو لي.

ويرمي بزجاجة الكحل السحري بعيدا

ويدخل فتنغلق المغارة وتختفي

ويدخل و يكتحل بكحل الزاهد ويظل يبكي ويبكي ويفيق سدود من كحل الزاهد ويحاول الخروج ولكن لا مفر فعراب يتمتم  ويدعو وسدود يصرخ حتي يهلك ويموت معه عراب

وتمر الايام ويعود الامن والسلام للقرية

وبعد فترة يجد الشيخ مجموعة من الناس

يحملون المشاعل ليلا  ويذهبون ناحية المكان الذي اختفي فيه سدود

وعندما سألهم الشيخ عما يبحثون فقالوا نبحث عن كحل سدود السحري لنكون أغنياء ولكن لن نكون مثله

يصرخ الشيخ فيهم:

لا حول ولا قوة الا بالله. ويضرب كفا بكف ويتركهم ويرحل من هذه القرية الظالم أهلها ويستقر في قرية الشيخ الحنفي

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »