الرأي

ماريغا ماسري يكتب .. شكوك الشباب تهزم حلم الزعامة الدينية (نظرة تحليلية نقدية) الإمام ديكو نموذجاً

بالنظر إلى الانتقادات الكثيرة الموجهة لشخصية الإمام ومواقفه السياسية ، والفجوة الخلافية منقطعة النظير التي تتسع بين الإمام ديكو و محبيه من جهة، والسلطات الانتقالية في مالي وغالبية الشباب من جهة أخرى، أعتقد أنه من الجيد البحث في أسباب هذه الانتقادات – على الرغم من أنها قد تكون عنيفة في بعض الأحيان ، فهي تصدر عن موقف شديد التعلق بنجاح الفترة الانتقالية –  لذا يجب علينا أن نعرض هذه الأمور بكل وضوح وموضوعية واستكشاف أسباب تلك الانتقادات ، ومحاولة ايجاد حلول معقولة للمشكلة ، وذلك من خلال:
تسليط الضوء على شخصية الإمام ديكو ومواقفه السياسية المختلفة , والتعرف على طبيعة الاجتماعية لشباب المالي , وأخيرًا، كيف غيّرت الأحداث الأخيرة نظرة الشباب نحو الإمام؟.

أولا : من هو الإمام محمود ديكو 

165692 ماريغا ماسري يكتب .. شكوك الشباب تهزم حلم الزعامة الدينية (نظرة تحليلية نقدية) الإمام ديكو نموذجاً
الإمام محمود ديكو هو شخصية مثيرة للجدل كان موضع الكثير من الانتقادات والتساؤلات في الآونة الأخيرة ، وقد برز إسمه كشخصية مؤثرة على الساحة السياسية المالية خلال السنوات الأخيرة ، حيث لعب دورا رئيسيًا في العديد من القضايا السياسية والاجتماعية في مالي ، على سبيل المثال، كانت قضية “رمز العائلة” الشهيرة مسؤولة بشكل مباشر عن شعبية الإمام بين المجتمع المالي ,وبعد هذه الحادثة ، أصبح الإمام مهتماً بالقضايا السياسية حتى سقوط حكم “أمدو توماني توري ” المعروف بـ ” ATT “ومن ثم إنهيار الدولة المركزية على أثره مما أدخل الدولة في فوضى سياسية وإجتماعية وكذلك أمنية، ونتيجة لذلك ، رأى الإمام أن دعمه لإبراهيم أبوبكر كيتا -ذي الخلفية الإسلامية- سيلعب دورًا في تحقيق الاستقرار في البلاد. وبالفعل نجحت خطة الإمام ، وانتخب إبراهيم أبو بكر كيتا رئيسًا للجمهورية في مالي , ومنذ ذلك الوقت أصبح الإمام معروفًا بأنه “دولة داخل دولة” وهكذا إلى أن ظهرت الخلافات السياسية بين الطرفين مما ادى للحراك الشعبي بإشراف الأحزاب السياسية المعارضة وبتوجيه ورعاية الإمام الشيخ محمود ديكو، مما جعل الجيش المالي يتدخل في نهاية المطاف لإسقاط النظام ،وبذلك دخلت البلاد في فترة انتقالية ،وبفضل شعبيته الكبيرة تم اختياره -دون استشارة أو مشاركة أي قوى سياسية داخلية – من ضمن اللجنة التي عملت علي اختيار رئيس المرحلة الانتقالية (السيد باه نداو) ، كما أنه هو الذي رشّح “مختار وان ” لرئاسة الحكومة والكثير من الشباب المقربين منه، وكل ذلك يدل على أن الإمام كان مع المجلس العسكري الحاكم بل يؤكد على دعمه للانقلاب الأول الذي أطاح بالرئيس كيتا في عام 2020.

ثانيا: كيف نفهم طبيعة الشباب المالي:

في جمهورية مالي يشكل الشباب نسبة كبيرة من السكان، حيث تبلغ نسبتهم حوالي 70% من إجمالي عدد السكان , ويميل شباب مالي بطبيعته الإجتماعية إلى الاستقلالية والروح المعنوية العالية والحيوية والنشاط والتعاطف والتضامن، والعدالة ، وحب الوطن والدين، واحترام كبار السن و تقدير كلا من رجال الدين و الشيوخ…وتأسيسا على هذه الحقائق ، فقد كان الشباب والعلماء هم طليعة الثورات قديما وحديثا في تاريخ مالي، فالثورة التى قادها الإمام ديكو مع الشباب لإنقاذ الوطن والمواطنين خير شاهد على ذلك، فنحن كشباب قد مرّ بنا من أيام ثورتنا المجيدة التى قدناها مع الإمام دروس وعبر، رأينا كل أنواع التلون في المواقف السياسية والدينية من أشخاص وشخصيات دينية كنا نحسبهم مناضلين من أجل الإصلاح ومحاربة الفساد الإداري والسياسي والمحسوبية وما إلى ذلك من ظلم اجتماعي.
وكان الإمام واحدًا من الذين كانوا يحاربون معنا في الساحة النضالية، لكن بعد أن نجح الحراك الشعبي في إسقاط حكم إيبكا، من هنا بدأ حدوث تضارب في المصالح والأهداف بين الإمام والقوى الثورية .

 ثالثًا: كيف غيّرت ” الأحداث الاخيرة ” نظرة الشباب لإمام محمود ديكو :

وأود هنا أن أبدأ بما قاله الأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي عن خداع العناوين ، حيث يقول: لقد جهل من قال: “إن الكتاب يعرف بعنوانه ” وأستدل على ذلك بأنه” لولا خداع العناوين لما سمينا صالحا تقيّا …وأن وراء هذا العنوان الأبيض كتابا أسود الصفحات ، وكثير السقطات…”، قلت حتمًا هذا ما ينطبق على حالة الأمام مع شباب مالي ، لأنه وإن كان عنوانه أبيض ، إلا أن وارء أفعاله تصريحات مثيرة للجدل.

ومما لا يدع مجالا للشك أن المتتبع لخروجه الأخير يدرك مدى جدية نواياه في محاولة عرقلة عملية الاستقرار في مالي ونهوض هذا البلد على طريق المصالحة الوطنية والسلام ,وكذلك يمكن أن يفهم من أقواله الأخيرة، أنه لم يعد يؤتي أي تقديرًا لأهل مالي الذين أظهروا للإمام من الفضل بعد الله سبحانه وتعالى ، وما وصل إليه اليوم-من مكانة وجاه وشهرة .

 لكن كل ذلك لم يشفع له عند الإمام، بل أحيانًا يصفهم بأوصاف لا تليق أبدا بمن هو في مقام الشيخ أو الإمام، ذلك فيما جاء في تصريح له أدلى به خلال منتدى حواري حول السلام والاستقرار في العاصمة المالية باماكو، واستهل حديثه بانتقاد حاد لرئيس الانتقالي وزملائه في المجلس العسكري متهماً إياهم بـ”الغطرسة”، مضيفاً أنهم “يحتجزون الشعب المالي رهينة،وأن الشعب سيدفع ثمناً باهظاً لغطرستهم”.

في رأيي، ما كان ينبغي للإمام أن يصفهم بهذه الطريقة غير اللائقة، وكأنه يريد القول ، بأن الشعب المالي لا يفهم ما يواجهه من تحديات، ولا يعرف مصالحه الوطنية ، قال ذلك لأنه لم يجد أي تأييدًا من قبل الشعب لدعم موقفه الجديد، حيث أن غالبية الشباب أدركوا أن الإمام كانت له آراء ومواقف شخصية لا علاقة لها بالاسلام،ولهذا السبب حاولوا إعادة قراءة وفهم مواقفه وآراءه السياسية و فصلها عن الإسلام.

وهذا الأمر الذي يقودنا إلى السبب الحقيقي الذي دفع الشباب إلى الابتعاد عن الإمام، لقد كان بطبيعة الحال ، سلوك الشيخ وتصريحاته السلبية بحق السلطات البلاد ، الأمر الذي أدّى إلى الكثير من الشكوك حول شخصيتة ومواقفه السياسية.

وبعبارة أخرى، لم يكن الشباب هم من تخلو عن الإمام أو تركوه في منتصف الطريق، بل هو الذي تخلى عنهم لأسباب لا يعلمها إلا هو نفسه، ولا ننسى أنه بعد نجاح الثورة خرج إلينا معلنًا عودته إلى المسجد دون سابق إنذار إلى قادة الحراك الشعبي التي جعلت من الإمام قائدًا ومرشدًا إصلاحيا للحركة ، وهنا مربط الفرس، لأن الإمام بهذه الخطوة وافق على المشروع العلماني في مالي، أي فصل الدين عن الدولة.

وبالفعل هذا ما أقره الإمام برجوعه إلى المسجد دون إخطار مسبق للحراك الشعبي، وقد كان لذلك أثر سلبي على علاقاته بالقاعدة الشعبية في مالي، وليس هذا فحسب، وإنما اكتشفوا فيمَا بعد أن الإمام هو الذي قدم العديد من المسؤولين إلى مناصب رئيسية في الوزارة الأولى ووزارة الشباب والرياضة والمجلس الوطني الانتقالي، حيث وضع العديد من الشباب المقربين منه في مناصب رئيسية في البلاد ، وكان لتلك الأخطاء الفردية والتجاوزات الخاطئة دور في إضعاف كفة الشيخ لصالح السلطة الانتقالية، مما أدى إلى تراجع شعبيتة لدى الأكثرية الشعبية في البلاد( الشباب) , ولم يحاول الإمام العمل على تصحيح أخطاءه السابقه، بل كررها بأساليب مختلفة، وهذا ما اتضح بشكل كبير في خروجه قبل الأخير، الذي أعلن فيه سبب مشاركته في اجتماع لجنة المتابعة والمصالحة في العاصمة الجزائرية (الجزائر) قبل شهر رمضان المبارك، بدعوة رسمية من الجزائر له بصفة الإمام محمود ديكو، -حامي حمى الدين الإسلامي والراعي الرسمي لمصالح الدولة والعباد -وهو ما يؤكد على أن الإمام لم يتعلم من أخطاءه السابقة، بل يثبت لنا على أنه مازال يري نفسه لاعبا رئيسيًا وممثلا شرعياً باسم الشعب أمام السلطات الجزائرية .
وحسبكم في خروجه الأخير الذي زاد الطين بلة، لقد أدلى الإمام بتصريحات شديدة اللهجة في يوم يعد يوم سعادة وتسامح وله قدسيته لدى الجاليات المسلمة في العالم، إلا أن الشيخ لم يراعِ حرمة هذا اليوم، مفضلًا أن يوصل رسالته إلى الشباب الذين يأمل أن تصلهم ، تحت ستار حماية الدين ومصلحة الشباب المسلم في البلاد، لم يكتف بذلك، بل صرح  بأن الذين يحاربونه لا يحاربونه من أجل المال أو السلطة، بل من أجل الدين الإسلامي .
وفي النهاية نحن أمام شواهد تشير إلى مواضع الخلل التي علقت بشعبية الإمام لدى الشباب في مالي ، وبذلك مهدت لهم الشكوك أمام حلم الزعامة الكبرى .

لكن ، مع ذلك يبدو أن الإمام قد تبنى استراتيجية جديدة في حربه ضد السلطات الانتقالية، وأعتقد أنها مقلقة أكثر بكثير مما رأيناه حتى الآن. فالخطة الكامنة التي تقف وراء التصريحات الأخيرة هي إعادة التموضع باستراتيجية جديدة مشتركة بين الإمام والطبقة الدينية الشبابية البعيدة عن السياسة وصراعاتها، وأعتقد أن هذا ما يخطط له الإمام لإزاحة السلطة الانتقالية في البلاد.
وأخيرا ليس آخرا ، على السلطات الانتقالية الإسراع لإيجاد حلول عاجلة للتعامل مع الاضطرابات الدينية التي تشهدها البلاد منذ فترة.
وإعادة النظر بشكل عاجل في مسألة الخطابة حول المنابر وتنظيمها من أجل التفاهم وإبقاء حالة الاستقرار النسبي في البلد، وذلك بمشاركة ومساعدة القوى الدينية الكبرى التي تسيطر على المشهد الديني والثقافي والاجتماعي في البلاد من أجل حسن تنظيم الوعظ ومنع انتشار الفوضى على الساحة الدينية.
وأخيرا، إيلاء أكبر قدر من الاهتمام باللجان الشبابية المكلفة بشؤون الشباب في البلاد ، سواء عن طريق المجلس الأعلى للإسلام أو عن طريق المجالس الدينية الأخرى، مسيحية كانت أو وثنية، المكونة من أبناء هذا الوطن الغالي، لتفويت الفرص على أصحاب النيات السيئة، وآن الأوان للشروع في الحوار معهم من أجل تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز التلاحم الشعبي والديني.

  • ماريغا ماسري (Marega Macire) .. باحث من دولة مالي متخصص في الشئون الأفريقية 

– المقالات المنشورة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر أفرو نيوز 24

إقرأ المزيد :

الولايات المتحدة تفرض عقوبات على 2 من القادة الجهاديين في الساحل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »