الرأي

الشيخ إسماعيل الهواري المفتري عليه  

يوسف العومي يكتب

في 3 يونيو 1769 وقعت معركة أسيوط بين قوات القبائل العربية بقيادة الأمير همام بن يوسف المعروف بشيخ العرب همام، وقوات المماليك بقيادة علي بك الكبير ، هذه المعركة أستمرت عدة أيام أسفرت عن هزيمة قوات القبائل العربية وهمام شيخ العرب همام، لكن المؤكد من المصادر القليلة الموجودة في دار المحفوظات وما أرخه المؤرخين عن هذه المعركة تبرىء تماماً الشيخ إسماعيل الهواري أبن عم همام من تهمة “الخيانة” خيانة  أبن عمــه همام وتنفي عنه رغبته في خلافته،  ولا توجد وثيقة أو معلومة واحدة  تشير ومن قريب أو بعيد، الي أن واقعة الخيانة قد حدثت بالفعل.

لكن المؤكد أن الشيخ إسماعيل تعرض لخًدعة من المماليك، وفي هذا لا غبار عليهم لأن “الحرب خًدعة”، ولغة وإصطلاحاً هناك فارق كبير من الخيانة والخًدعة، فالخديعة أو الخدعة، هي باطل مختلق عمداً ليبدو كالحقيقة، فالخديعة تبرىء صاحبها لأنها تتم دون إرادة منه بل بإرادة الآخرين ودهائهم، وهذا هو ما حدث مع الشيخ إسماعيل الهواري

اما الخيانة فتقع بإرادة الشخص أو بقهره، وهي نقيصة في النفس وخرق للعهد وإنتهاك للأمانة و الثقة وتتم أحياناً لرغبة ولغرض ولمكسب مادي أو معنوي، وتنتج عن الصراع النفسي في العلاقات بين الأفراد، ومكانة الشيخ إسماعيل الهواري في دولة الهوارة، كانت عظيمة، فكان الرجل الثاني في هذه الدولة، وفي بعض الأحيان كانت له نفس مكانة همام، فكان صاحب رأي وحكم ومشورة، بل إن إسمه في بعض الوثائق التي وجدت في بلاد المطاعنة الملاذ الأخير لشيخ العرب همام بعد هزيمته من المماليك، وبخاصة محاضر ووثائق الصلح في القضايا الثأرية بين القبائل والعائلات،  كانت تقرن أسم همام والشيخ إسماعيل علي حد الأستواء، والمعلوم فعلياً أن الشيخ إسماعيل الهواري قتل في ميدان المعركة مدافعاً عن دولة القبائل العربية التي كان علي رأسها قبيلة الهوارة وقائدها همام بن يوسف.

أما السبب الرئيس لهزيمة القبائل العربية ” الهوارة ” في معركة أسيوط الحاسمة التي كانت سبباً في نهاية دولة الهوارة التي حكمت الصعيد من المنيا وحتي الشلال الأول أو بلاد النوبة، فهي  التفوق العسكري وتراكم الخبرات القتالية للمماليك، فالجيش المملوكي  في هذه الحرب، كان يتكون من أربعة جيوش ضخمة الاول بقيادة “أيوب بك” (والي جرجا )، وجيش ثانٍ بقيادة ”خليل بك” وثالث بقيادة ”محمد بك أبي الذهب” بالإضافة الي جيش رابع من المرتزقة.

والأهم مما سبق ان الجيش المملوكي كان يتصف النظامية والتدريب الجيد وخاض عشرات المعارك علي المستوي الإقليمي سواء في بلاد الشام والحجاز أو علي أطراف أوروبا، والجنود المماليك هم في الأصل عبيداً أو مماليك يتم شرائهم وهم أطفال ومنذ طفولتهم ينخرطون في الجندية والتدريب علي الاسحلة والقتال،  أما العتاد الحربي  للمماليك فكان كبيراً ومتنوع من أسحلة ومدافع روسية وأوربية حديثة وهذا وفقاً لما جاء في كتاب «سوفور لوزينيان» المُعنوَن بالإنجليزية «A History Of The Revolt Ali Bey» الذي عاصر عهد علي بك الكبير وكان مقرباً منه.

في المقابل كان جيش همام عبارة مجموعات من الشباب تم الإيتيان يهم من الحقول والمزارع مهنتهم الأساسية الزراعة، تم جمعهم وتدريبهم علي عجل في “دارة همام في فرشوط” الموجودة أطلالها حتي الآن، أما  أسحلتهم فهي عبارة عن بنادق بدائية تعمل بالبارود وسيوف وخناجر وغيرها من هذه النوعية، وفي مجال التدريب لا توجد مقارنة بين الجيشين

فالمقاتلين الهوارة والعرب كانوا يفتقدون لحًسن التنظيم، فكانت المعركة بالنسبة لهم ” عركة” لذلك عقب رؤية قائد جيش همام وهو الشيخ إسماعيل الهواري الجيش المملوكي وتسليحه وتنظيمه وكثرته وجد أن ميزان القوي غير متكافىء وأن جيشه المكون من بني عمومته وأهله وأبناء القبائل المتحالفة معه، سيدخل مذبحة كبري، مذبحة لن يبقي منها أحد علي قيد الحياة، فحاول التفاوض مع المماليك والصلح معهم، لكن محمد أبو الدهب قائد جيش المماليك اشترط في البداية أن يكون التفاوض والصلح مع همام شخصياً، لذلك رفض رفض الشيخ إسماعيل هذا الشرط خوفاً علي همام، لأنه يعلم جيداً أن سلاح المماليك الرئيسي هو الغدر والخيانة وانهم لا عهد ولا أمان لهم وهذا هو طبعهم، لذلك حاول مراوغتهم وكسب الوقت، أما المماليك فكانوا أيضا يريدون كسب الوقت حتي تصل قوات خليل بك وجيش المرتزقة الذي كان يترأسه قائد سابق في الجيش الروسي، وتنضم لجيش محمد بك أبي الدهب وجيش أيوب بك والي جرجا  فأجهزوا علي قوات الهوارة وقتل في المعركة الشيخ إسماعيل.

لكن يبدوا أن السياق والحبكة الدرامية لمؤلف العمل الدرامي الذي تعرض لهذه الفترة التاريخية، قد تأثرت بالموروث الشعبي لقصص الابطال الذي تعرضوا  لخيانة زملائهم مثل قصة أدهم الشرقاوي وغيره، ويبدو أن الحبكة الدرامية قد ظلمت هذا الرجل كثيراً ، ونسجت قصة أبنته التي أحبت  رجلا ليس من نسل الهوارة ثم ذهب عقلها، وهي صورة كربونية لقصة حياة الشاعر الصعيدي “أبن عروس”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »