أخبار العالمأخبار عاجلةشمال افريقيا

اسيا العتروس تكتب .. قراءة أولى في الاتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل 

هل يضمن دخول حزب الله على خط مصالح لبنان .. وهل يكون مقدمة لاتفاقات أخرى؟

 

بعد جولة طويلة ومعقدة من المفاوضات السرية التي استمرت أشهرا طويلة قبل أن تخرج إلى العلن، وبعد رحلة مع التعتيم والتشويق تم أمس تسريب ما يفترض أنه نص اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بالعربية والانجليزية، وقد حصلت “الصباح” على نسخة من الاتفاق الذي وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي ليبيد بالاتفاق التاريخي ومنحه حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله الضوء الأخضر في انتظار تأشير الرئيس اللبناني ميشيل عون عليه بالاتفاق رسميا بعد تسلمه نص الاتفاق.

المثير فعلا أن الأطراف اللبنانية المتناحرة التي ما انفكت تؤجل انتخاب الرئيس اللبناني وتفشل في كل مرة في تشكيل الحكومة الجديدة توصلت إلى موقف مشترك من الاتفاق الذي قد يحمل معه على رأي البعض فرصة استعادة لبنان المنهك بأزماته مجالا أوفر للتنقيب عن الغاز والاستفادة منه.. في كل الأحوال يبدو أن ما في قاع البحر مغر لكل الأطراف للبحث عن اتفاق مشترك مع حكومة العدو .

بروتوكوليا سبق تسريب نص الاتفاق بين إسرائيل ولبنان علما وأن لبنان لا يعترف بالكيان الإسرائيلي وليس له علاقات مع تل أبيب، بيان لوزارة الخارجية الأمريكية يثني على الاتفاق وجاء في بيان الخارجية الأمريكية ” أنه بعد سنوات من الوساطة الأمريكية، أعلنت حكومتا إسرائيل ولبنان اليوم التوافق على اتفاقية تاريخية لإنشاء حدود بحرية دائمة بين البلدين ، و”يعد هذا الإنجاز ببداية حقبة جديدة من الازدهار والاستقرار في الشرق الأوسط وسيوفر الطاقة الأساسية لشعوب المنطقة والعالم ،  يوفّر هذا الإعلان فوائد هائلة للشعبين اللبناني والإسرائيلي، كما يوضح قوة التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المشتركة في الشرق الأوسط وخارجه ويبرز القوة التحويلية للدبلوماسية الأمريكية”.

ويضيف البيان أن الاتفاق يحمي المصالح الاقتصادية والأمنية لكل من إسرائيل ولبنان ويكتب فصلا جديدا لسكان المنطقة…

ومن خلال البيان الأمريكي يمكن التعرف على بعض الأطراف المتداخلة في التوصل إلى هذا الاتفاق الذي يبدو انه كان برعاية العراب الأمريكي والمنسق الرئاسي الخاص آموس هوكستين الذي جمع الأطراف المعنية بهذا الاتفاق إلى جانب نائب رئيس مجلس النواب اللبناني الياس أبو مصعب ..

كما هاتف الرئيس الأمريكي بايدن أمس كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد ليهنئه على الاتفاق التاريخي بشأن إنشاء حدود بحرية دائمة بين لبنان وإسرائيل, وشدد الرئيس بايدن على التزامه الراسخ بأمن إسرائيل وناقش كيف أن الاتفاقية التي تم الإعلان عنها اليوم لا تحافظ على المصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل وتعززها فحسب، بل تخلق أيضا فرصا جديدة لتكامل إسرائيل الإقليمي وازدهارها الوطني ،  وكذلك الرئيس اللبناني ميشيل عون مثنيا خاصة عن تقديره للرئيس عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي على الروح التشاورية والانفتاح اللتين تحلوا بها طوال فترة المفاوضات.. معربا عن أمله في أن يشكل إعلان اليوم فصلا جديدا للشعب اللبناني. وأشار إلى أن الولايات المتحدة لا تزال مستعدة لتسهيل حل القضايا التي قد تنشأ بموجب الاتفاقية إذا طلب الطرفان ذلك.طبعا لم ينسى بايدن أن يهمس في أذن الرؤساء الثلاثة في لبنان انه يأمل أن تجري الانتخابات الرئاسية في موعدها بما يتوافق مع الدستور اللبناني…

إلى هنا قد يبدو كل شيء طبيعي وأن هذا الترحيب بالاتفاق اللبناني الإسرائيلي يتنزل في إطار علاقات ثنائية تبحث عن الصمود والبقاء لولا أن الأمر ليس كذلك ولولا أن الكيان الإسرائيلي في صراع مستمر مع المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله وان إسرائيل تواصل اختراق أجواء لبنان وأجواء سوريا بمناسبة وبغير مناسبة وان إسرائيل تظل الاستثناء الوحيد في العالم والعضو الوحيد في الأمم المتحدة الذي يرفض رسم حدوده البرية فكيف ولماذا قبل برسم حدوده المائية مع لبنان الذي يجاهر بعدائه لإسرائيل؟

من الواضح أن الاتفاق اللبناني الإسرائيلي لم يكشف بعد كل أسراره والخوف كل الخوف أن يجد لبنان نفسه لاحقا أمام فخ النصوص القانونية التي يبرع الإسرائيليون بالقفز عليها وتحميلها ما لا يحتمل ولعل في اتفاقيات أوسلو ما يؤكد دهاء الجانب الإسرائيلي المدعوم دوما من الجانب الأمريكي ومن المحامين الأمريكيين اليهود العارفين بأدق التفاصيل عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي.. والأكيد أن الخبراء اللبنانيين في هذا المجال لا يحصون ولا يعدون في أمريكا ولكن يظل من غير الواضح إن كان هناك اعتماد على هؤلاء قبل وخلال وضع الاتفاق.. مواقف الصحافة اللبنانية من جانبها تباينت في قراءتها للاتفاق فالبعض اعتبره اتفاقا بأبعاد إقليمية جيوسياسية.. والبعض اعتبره مثل لابيد اتفاقا تاريخيا مع إسرائيل والجميع فيه منتصرون. وهناك من اعتبر أن الاتفاق يحفظ ماء وجه لابيد أمام ضغوط حزب الله.. وهنا من رأى أن الاتفاق يعكس جراحة معقدة لحفظ ماء وجه لبنان الرسمي لإسقاط أي شبهة عن الاتفاق.. وهناك من ذهب إلى حد اعتباره انجازا يختم الأعوام الست العجاف للرئيس ميشيل عون حتى يذكر له التاريخ أي شيء …

في المقابل فان الرئيس اللبناني اعتبر والكلام له “أن الاتفاق ينتشل لبنان من الهاوية التي سقط فيها”.. ولاشك أن الأيام المقبلة وحدها كفيلة بكشف مدى وجاهة موقف الرئيس اللبناني ..

الإعلام الإسرائيلي من جانبه اعتبر في جانب منه أن الاتفاق تغليب لإرادة حزب الله.. واعتبرت صحيفة هارتس وانه خلف الجدل الدائر حول الاتفاق البحري مع لبنان هناك قضية أخرى قد تشتعل في أي حين قد تنتهي بانفجار حقل غاز ضخم وهو ما يوصف بسيناريو يوم القيامة مع سقوط آلاف الصواريخ على إسرائيل… مصادر أخرى اعتبرت أن الاتفاق أشبه بميزان الرعب مع حزب الله.. وقد وصف جنرال إسرائيلي ما حدث بأنه “سابقة خطيرة فحزب الله يهدد وإسرائيل تجثو على ركبتيها”.

 

-نصر الله “بدنا ناكل عنب” ..

حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله لم يغب عن الاتفاق ويبدو أن لقاء جمعه حديثا برئيس مجلس النواب نبيه بري بعد تسريب صور عن اللقاء وقد اعتبر نصر الله أن ساعات حاسمة تنتظر بعد مفاوضات صعبة بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية كانت صعبة في الأيام الماضية. نصر الله وان توخى الحذر ودعا إلى الاحتياط إلى حين توقيع الاتفاق فانه لم يوضح ما إذا كن الاتفاق يعد اعترافا بإسرائيل.. ولكن كشف ضمنيا أن مهمة المقاومة انجزت وهو ما يمكن اعتباره بأنه إقرار ضمني بان حزب الله فرض موقفه بشان رسم الحدود مع إسرائيل واستخراج النفط والغاز وأن الكرة الآن في ملعب حكومة اتل أبيب..

وحسب تصريح نصر الله فان الأمر ليس محسوما في ظل المواقف الإسرائيلية المتناقضة.. يقول نصر الله “من البداية قلنا إننا نقف خلف الدولة في موضوع المطالب اللبنانية، ودائما كنت أقول نحن بدنا ناكل عنب، وبدنا استخراج النفط، وعندما يعلن الرئيس الموقف الرسمي المؤيد للتفاهم، بالنسبة للمقاومة تكون الأمور قد أنجزت، وإلى ذلك الحين يجب أن نبقى يقظين”، نصر الله تحدث عن تجربة جديدة للرؤساء الثلاثة حظيت بدعم المقاومة التي دعاها إلى الجهوزية إلى أن ترى بأم العين أن التفاهم وقع… ويبقى في حكم المجهول ما إذا كان الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية يمكن أن يكون مقدمة لاتفاقات أخرى على ارض الواقع فيما بقي من جنوب لبنان المحتل والجولان وهل يكون في الاتفاق الإسرائيلي اللبناني رسائل للفلسطينيين بعد ربع قرن على تلاشي اتفاقات أوسلو؟..

لا خلاف أن مشكلة الحدود تبقى من الملفات الكبرى المفتوحة منذ وضع قادة الحركة الصهيونية خطة إقامة دولة إسرائيل الكبرى على حدود مفتوحة لا تعترف بجوار ولا تتوقف عند حد وهو ما أدى إلى أكثر من حرب في المنطقة من مصر وسوريا ولبنان والأردن وفلسطين ..

وفي المفاوضات مع الفلسطينيين كانت حكومات إسرائيل تسابق الزمن للسيطرة على أكبر مساحة من الأرض وتهويدها بواسطة مشاريع الاستيطان…

وحسب الاتفاق الذي تم تسريبه مع لبنان بوساطة أميركية يبدو أن إسرائيل تنازلت عن قسم غير قليل من مطالبها في الحدود البحرية، أكان ذلك في المياه الإقليمية (12 ميلاً من الشاطئ) أو (20 ميلاً في عمق البحر). وان لبنان سيحصل على غالبية المنطقة المختلف عليها في المياه الاقتصادية بمساحة 890 كيلومتراً مربعاً. وجرى الاتفاق على أن يبقى خط العوامات من رأس الناقورة لمسافة خمسة كيلومترات، حدوداً مؤقتة… وهي معلومات نسوقها بكل تحفظ في انتظار تأكيد السلطات اللبنانية لهذه الحدود وضمان عدم تلاعب إسرائيل وسعيها لمغالطة الفريق المفاوض وربما اعتماد تقارير غير ذات مصداقية للفوز بما تريده من الاتفاق والانصراف إلى التنقيب عن الغاز الذي تنتظره الأسواق الأوروبية لتعويض النقص الحاصل للغاز الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا.. وتشير بعض التقارير إلى إن الاتفاق يخدم مصالح إسرائيل الإستراتيجية في هذه المرحلة ويمنحها مكاسب اقتصادية وسياسية وأمنية بالإضافة إلى انه يعد ضربة لإيران حليف حزب الله ويعزز صورتها لدى الرأي العام الدولي واعتبارها شريكا محتملا للبنان …

وفي انتظار ان تتضح الصورة بشان أبعاد وأهداف هذا الاتفاق وما اذا سيخدم مصلحة لبنان والشعب اللبناني الذي يعيش انهيارا مستمرا بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية المعقدة في هذا البلد فقد يكون من المهم الإشارة أيضا إلى دور الضغوط الأمريكية في الدفع إلى هذا الاتفاق لا سيما مع تواتر محاولات فرض مزيد العقوبات على الدول والمؤسسات الداعية لمقاطعة إسرائيل وتحديدا جامعة الدول العربية… وتتجه وزارة التجارة الأمريكية إلى فرض أقوى برنامج إنفاذ ممكن لمكافحة المقاطعة… يأتي ذلك بعد عامين من تدشين أربع دول عربية قطار التطبيع في إطار اتفاقية ابراهام التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسودان .

• نقلا عن جريدة الصباح التونسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »