أخبار عاجلةالرأي

الدكتورة مني صبحي نور الدين تكتب : خريطة خطر وصراعات جيو – اقتصادية وسياسية جديدة فى مدخل البحر الأحمر 

يعد البحر الأحمر من أهم البحار التى تسهم فى حركة التجارة العالمية بين شرق آسيا وغرب أوروبا ،ويعد مضيق باب المندب هو البوابة الجنوبية للبحر الأحمر ولقد زادت أهميتهما بعد حفر قناة السويس عام 1869 وفيما قبل هذا التاريخ كان البحر الأحمر يعد بحيرة عربية خالصة ويعرف باسم “بحر القلزم” ، وظهرت أهميته بعد وجود قناة السويس شريان الملاحة العالمى سواء فى الحرب أو السلم ، وقد تم إغلاق مضيق باب المندب من قبل فى وجه ناقلات النفط وتم استخدامه كورقة ضغط سياسية فى حرب 1973 ، ويوجد ثمانية دول متشاطئة مع البحر الأحمر ،فمن الجانب الشرقى توجد اليمن والمملكة العربية السعودية والأردن وفلسطين ، وتشرف اليمن على مدخل المضيق وتبلغ أطوال سواحلها 1906 كم ، ويوجد به ميناء الحديدة وميناء المخا ، وتتمتع المملكة العربية السعودية بساحل طويل على البحر الأحمر .

وتعانى كل من الأردن بشقة مائية ضيقة جدا على خليج العقبة تصل إلى 26 كم ، ويشغلها ميناء العقبة الأردنى ،وهو الميناء الوحيد لدولة الأردن لذا تتزايد أهميته ، وكذلك تشرف فلسطين بجبهة مائية ضيقة يصل طولها إلى 10.5 كم ويشغلها ميناء إيلات الإسرائيلى على خليج العقبة الذى كان يطلق عليه خليج أيلة فى العصر المملوكى من قبل ثم تحول الإسم إلى العقبة ومعناها الصعب من الجبال ، ومن الجانب الغربى تطل مصر بساحل طويل مقابل للمملكة العربية السعودية سواء على خليج العقبة أو البحر الأحمر وتوجد العديد من الموانئ المصرية مثل طابا ونويبع على الخليج ، والسويس عل خليج السويس وميناء سفاجا والغردقة والقصير وبرنيس على ساحل البحر الأحمر ، ثم تليها السودان بطول 853 كم على الساحل ويوجد بها ميناء بوتسودان وهو من أهم الموانئ ، ثم إريتريا ويوجد بها موانئ مصوع وميناء عصب ، ثم جيبوتى بشقة مائية صغيرة جدا ويشغلها ميناء جيبوتى ، ثم تقع الصومال على مدخل البحر الأحمر وتشرف على مضيق باب المندب وخليج عدن ، وتوجد ثلاثة موانئ منها ميناء مقديشيو وميناء بصاصو وميناء كيسمايو .

وترجع الأهمية الجيوستيراتيجية إلى عدة نقاط :

الأهمية الجغرافية : الربط بين شرق آسيا وغرب أوروبا وتتنوع الأهمية الجغرافية بين الدول حيث يعد هذا الطريق هو الملاذ الوحيد لدول مثل الأردن وكذلك فلسطين وأهمية الربط بين ميناء إيلات الإسرائيلى ومينائي حيفا وأشدود على البحر المتوسط .

الأهمية السياسية : يعد هذا الموقع جزء من منطقة القرن الأفريقى والتى تشهد دوما صراعات كبيرة بين الدول وخاصة مع وجود الإرهاب فى شرق أفريقيا وكانت تشهد تلك المنطقة حركات قرصنة عديدة من قبل ، وفى الوقت الحالى بعد سيطرة الحوثيين على اليمن وزيادة تطلعاتهم نحو السيطرة على مضيق باب المندب وإحداث قلاقل به مما يصب فى مصلحة إيران التى تحاول من آن لآخر تهديد الملاحة في  مضيق ” هرمز ” و تهدد دوما بإغلاقه فى وجه ناقلات النفط ، وبذا فإن الهدف مزدوج بالنسبة لإيران ، ولقد ظهرت المشكلة مؤخرا بعد حركة طوفان الأقصى ، ورد فعل إسرائيل الغاشم وانتهاكاتها لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وارتكابها لجرائم حرب فى غزة على مرأى ومسمع من العالم أجمع ، لذا تحججت جماعة الحوثي بقرصنة السفن الإسرائيلية فقط المتجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلى ، ولكن لم تكتف فقط بالسفن الإسرائيلية فقط طالت حركات القرصنة العديد من ناقلات النفط العالمية وكذلك سفن الحاويات الضخمة مما أثر على حركة الملاحة البحرية العابرة التى كانت تزيد عن 12 % من حركة الملاحة العالمية فضلاً عن مرور ما بين 25 _ 30 % من حركة سفن الحاويات العالمية .

وبذا فقد أثرت تلك التوترات السياسية على سحب العديد من خطوط الملاحة العالمية ومنها الخط الملاحى ميرسك وخطوط أخرى مهمة ولجأت مضطرة للمرور عبر طريق رأس رجاء الصالح حول أفريقيا والذى يبلغ طوله 3200 ميل بحرى وهى مسافة طويلة تعمل على زيادة تكاليف الوقود وتكاليف التشغيل وتكاليف طاقم السفينة وزيادة المسافة مما يؤدى إلى زيادة تكاليف الشحن والخدمات وتكاليف سلاسل الإمداد العالمية مما يشكل تحد كبير فى الجنوب على غرار مشكلة الحرب الروسية الأوكرانية والتى ألقت بظلالها وأوزارها على العالم أجمع .

الأهمية العسكرية :

لقد حرصت معظم الدول الكبرى لأن يكون لها موطئ قدم فى هذه المنطقة الهامة والحيوية ولذا يوجد تواجد عسكري لكثير من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين  وروسيا  وفرنسا .

الآثار الإقتصادية للأزمة والدول المتضررة.. ما هى الدول المتضررة ؟: 

201806150554205420 الدكتورة مني صبحي نور الدين تكتب : خريطة خطر وصراعات جيو - اقتصادية وسياسية جديدة فى مدخل البحر الأحمر 
خريطة لمضيق باب المندب

مصر من الدول التي قد تتأثر بما يحدث في مضيق باب المندب بسبب تأثير ذلك على إمكانية تخفيض الحركة العابرة لقناة السويس وبالتالى التأثير على الدخل القومى لمصر وآخر ما ساهمت به قناة السويس سنوياً بحوالي 9 مليار دولار .

إسرائيل : هي الأكثر تضرراً لأن معظم عمليات القرصنة والخطف تم تركيزها على السفن المتجهة إلى إسرائيل ، وبالتالى ظهر ميناء إيلات فى معظم الخرائط التفاعلية البحرية فارغاً تماماً من السفن . 

والتساؤل هنا هل إسرائيل سيتزايد احتياجها للأردن أم لمصر ولقناة السويس ؟ ، ولكن لن يحدث هذا إلا إذا تعرضت الموانئ الإسرائيلية حيفا وأشدود لأى خطر على البحر المتوسط ، ولكنها ستحتاج أكثر إلى الأردن وخاصة فى تجارتها الترانزيت عبر الأردن وجسر الشيخ حسين ، وقد تلجأ إلي محاولة تفعيل التطبيع الذى تم مع الإمارات والبحرين ، وبالتالى محاولة استغلال أيضاً الأراضى السعودية كمنطقة عبور ومنصة لوجيستية بين البحر الأحمر والخليج العربى.

وتعد الأردن الأكثر تضرراً نظراً لأنها تعتمد فى تجاررتها البحرية على ميناءها الوحيد على خليج العقبة وهو ميناء العقبة .

وبالنسبة للمملكة العربية السعودية سوف تتأثر بعض الموانئ المطلة على البحر الأحمر وكذلك المناطق الإقتصادية مثل منطقة ينبع ، ومنطقة ميناء الملك عبد العزيز ، بينما ستظل الموانئ المرتبطة بخطوط الملاحة المنتظمة مع مصر سواء بين ميناء الأدبية والعين السخنة ، وميناء جدة أو الحركة المنظمة بين مينائي سفاجا ضبا ، أو الموانئ المرتبطة بموانئ الشمال وموانئ الدول الأوروبية عبر قناة السويس مما يدعم حركة النقل عبر قناة السويس ، فضلاً عن الاستغلال الأمثل للنقل متعدد الوسائط عبر الموانئ السعودية وشبكات النقل البرى وخطوط السكك الحديدية ، ومراكزها اللوجيستية للعبور إلى الجانب الشرقى للمملكة على ساحل الخليج العربى ، وهذا ما ركز عليه مشروع ندلب الوطنى فى المملكة وزيادة التركيز على تنمية شبكات الطرق والسكك الحديدية والمبادرات اللوجيستية .

وبالنسبة لليمن فما زالت أجزاء منها تحت سيطرة الحوثيين هل ستشكل عمليات قرصنة السفن مكاسب إقتصادية لليمن ؟ ، ولكن سيقابل ذلك الإجراءات التى ستتخذها الدول الكبرى عسكرياً من أجل حماية مضيق باب المندب وربما تغييرات سياسية أو تقسيمات دولية .

وبالنسبة للسودان تعد من الدول المتضررة وخاصة فى علاقاتها مع دول الجنوب مثل كينيا ، بينما طريق الشمال البحرى مفتوح نحو عبور قناة السويس ، وكذلك هل ستسعى دولة جنوب السودان أيضاً لإيجاد منفذ لها على البحر الأحمر مثلما تسعي إثيوبيا .

وبالنسبة لجيبوتى فهى من الدول المتضررة وخاصة فى علاقاتها التجارية مع دول الجنوب ، ومع إثيوبيا التى سوف تستغنى عن جيبوتى كدولة عبور لها حينما كانت دولة حبيسة في حال تحققت أطماعها بالسيطرة على جزء من الساحل الصومالي، وبالنسبة للصومال وأرض الصومال هل ستتزايد حدة الصراعات فى المنطقة سواء فى الداخل أو على الساحل وتزايد عمليات الإرهاب الداخلى وخاصة من الشباب الإسلامى أو من الخارج وتزايد حركات القرصنة على الساحل الصومالى أو ثمة تقسيمات سياسية .

الخسائر الإقتصادية عالمياً:

لقد واجه العالم العديد من التحديات فى السنوات الأربعة الماضية بداية من كوفيد 19 والذى أثر على العالم أجمع وأثر على حركة الشحن العالمى وتضاعفت خسائر الشركات الملاحية فى الربع الأول من القرن العشرين وبدأت تتعافى تدريجياً وإن جاءت خسائرها بأثر رجعى وما لبث العالم أن يتعافى اقتصادياً جاءت الحرب الروسية الأوكرانية فى 24 فبراير 2022 والتى أثرت على إعادة تشكيل خريطة سلاسل الإمداد العالمية ونتج عنها أكبر أزمتين عالميتين وهما أزمة الطاقة وأزمة الغذاء والتى فاقت تداعياتها وآثارها الأزمة العالمية فى عام 2008 .

وما زال العالم يعانى من تلك الأزمة وتطوراتها إلا وأن بدأت أزمة قطاع غزة والتى جسدت إسرائيل فيها كل أشكال الانتهاكات لحقوق الإنسان وعملت على إبادة مناطق كثيرة من غزة بهدف ترحيل الفلسطينيين إلى الأراضى المصرية استكمالا لمخطط الدولة الصهيونية الغاشمة ، وأثناء الأزمة التى ما زالت مستمرة ردود أفعال من دول كثيرة رفضت ونددت بتلك الانتهاكات ، ومن ردود الأفعال قرصنة السفن من قبل الحوثيين فى مدخل مضيق بابا المندب والسيطرة على السفن الإسرائيلية فى البداية بعدها طالت عمليات القرصنة العديد من سفن الخطوط الملاحية العالمية وأهمها خط ميرسك العالمى الذى يتبع دولة الدانمارك ، وخط سى ام ايه ، وهاباغ لويد ، وايفرجرين ، والعديد من الخطوط الملاحية التى تعمل على خط الشرق الأقصى غرب أوروبا .

وبالتالى قررت العديد من الخطوط الملاحية تعديل الوجهة الملاحية لها إلى طريق رأس الرجاء الصالح ومن ثم زيادة المسافات البحرية إلى ما يقارب 3200 ميل بحرى ، وبالتالى زيادة أسعار الشحن ، والتكاليف اللوجيستية ، وتستغرق الرحلة ما يزيد عن 15 يوما .

ومن أهم الخطوط الملاحية التى قررت سحب سفنها من طريق قناة السويس خط ميديترينيان شيبينج والذى يساهم بنحو 19,7 % من حصة سوق الشحن البحرى العالمى ، وخط ميرسك الذى يساهم بنحو 14،7 % ، وخط هاباغ لويد والذى يسهم بنحو 7 % من حصة سوق الشحن الملاحى ، وخط أوشن نتورك إكسبريس ويسهم بنحو 6,4 ، وخط إيفرجرين ويسهم بنحو 5,8 % ، وخط إتش إم إم ويسهم بنحو 2،8 ، وخط يانج منج ويسهم بنحو 2,5 % ، وخط زيم الاسرائيلى ويسهم بنحو 2,1 % من حصة سوق الشحن الملاحى .

وظل كل من الخط الملاحى سى إم إيه سى جى إم والذى يسهم بنحو 10,8 % من حصة سوق الشحن الملاحى ، والخط الملاحى كوكسكو شيبينج والذى يسهم بنحو 10,8 % .

كما تم إبلاغ العديد من الخطوط الملاحية بالهجمات التى تعرضت لها ومنها خط ميديترينيان وخط ميرسك وسى إم جى ، وهابغ لويد .

 وترتب على ذلك زيادة تكاليف شركات التأمين العالمية ، وبالتالى خسرت تلك الشركات خسائر كبيرة ، وكذلك الدول المتشاطئة مع البحر الأحمر وبدأت تتزايد حركات القرصنة فى المضيق وبلغت أعداد السفن ما يزيد عن 100 سفينة .

ولقد أعتمد مجلس الأمن قرارا يطالب الحوثي بوقف الهجمات على السفن فى 11 يناير 2024 ، ودعا القرار كل الدول باحترام حظر الأسلحة المفروض على هؤلاء جماعة الحوثي المدعومة من إيران ، ولقد اعتمد القرار مجلس الأمن بأغلبية 11 عضوا وامتنعت أربعة دول ، والقرار يطالب بأن يضع الحوثيون فورا حداً للهجمات التى تعرقل التجارة الدولية وتقوض حقوق وحريات الملاحة وكذلك السلم والأمن فى المنطقة .

وينص البند الرئيسى فى القرار على حق الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة وفقا للقانون الدولى فى الدفاع عن سفنها من الهجمات بما فى ذلك التى تقوض الحقوق وحريات الملاحة مما يدعم عملية حارس الرخاء التى تقوم بها الولايات المتحدة وهى عبارة عن قوة متعددة الجنسيات للدفاع عن السفن التجارية من هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة .

وطالبت روسيا بعدة مقترحات وتعديلات على مشروع القرار منها أن تضيف أنه من بين العوامل التى تساهم فى التوترات الصراع فى قطاع غزة .

وتعد تلك الأزمة من أهم الأزمات بعد أزمة كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية ، ولذا لا بد للدول المتضررة من البحث عن عدة بدائل هامة ومنها مصر والمملكة العربية السعودية ، ولقد سارعت مصر بالتواصل مع كل من المملكة العربية السعودية والأردن بهدف تشغيل بعض الخطوط الملاحية وضمان انتظام حركة الملاحة فى قناة السويس ، ولا بد من الاتجاه إلى النقل متعدد الوسائط فى المنطقة العربية وإيجاد البدائل التنافسية أو التكاملية بهدف الحفاظ على موارد الدخل القومى ، وضمان انتظام سلاسل الإمداد وتنوعها وتوفير الفرص البديلة لمواجهة كافة الأزمات المحتملة .

 

* الأستاذة الدكتورة منى صبحى نور الدين أستاذ الجغرافيا الإقتصادية والنقل البحرى بكلية الدراسات الإنسانية .

إقرأ المزيد

البحر الأحمر ..مجلس الأمن يدعو إلى وقف التصعيد في باب المندب

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »