أخبار عاجلةالرأي

رامي زهدي يكتب  : إلي متي تستمر إثيوبيا في ضرر جيرانها بحجة البحث عن التنمية والرخاء

"حول إتفاق غير شرعي لميناء اثيوبي علي البحر الأحمر" 

عبر سنوات طويلة، استمرت إثيوبيا في محاولات الضرر بكل دول الجوار، بأسباب وحجج واهية في مقدمتها دائما الأمن والسلم وتحقيق التنمية والرخاء للشعب الإثيوبي ولشعوب المنطقة، والنتيجة النهائية صفرية ، فبعد أكثر من 50 عاما لم تحقق إثيوبيا أمن وسلم ووحدة شعبها ولم ينال الشعب الإثيوبي إلا أقل القليل من التنمية ويعاني ومن ويلات الجوع والمرض والفقر وغياب العدالة الإجتماعية والسياسية، وكذلك معظم شعوب المنطقة، نتيجة سياسات إثيوبية غير منضبطة في معظم الأحيان، ومتهورة في أحيان أخري. 

الآن، إتفاق الميناء الغير الشرعي بين إقليم أرض الصومال وجمهورية إثيوبيا الفيدرالية، يأتي لنا بأحلام غير واقعية و بدوافع غير منطقية، وسياسات غير شريفة لدولة الحبشة، الساعية خلف وهم الزعامة والهيمنة الإفريقية، وسط افتراضات غير منطقية بأن إثيوبيا تنافس قوي أخري إقليمية علي الزعامة والسيطرة علي القارة الإفريقية. 

لايمكن لأحد ما عاقل سوي وشريف أن يرفض أو يعمل ضد إتفاق أو توافق ما من شأنه تحقيق خير ورفاهية لشعوب عانت ومازالت تعاني من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة وغياب حتي لأبسط مبادئ الحياة الكريمة، لكن للأمور أبعاد أخري، فلا يمكن أبدا في إطار هدف تحقيق منفعة لشعب ما أن يتحقق أو يقع ضرر بشعب آخر أو تنتهك القوانين الدولية وسيادة الدول، وبالتالي كل من عارض الإتفاق المبدئي الإثيوبي مع إقليم أرض الصومال إنما يتملك دوافع منطقية عادلة ومنصفة لإتفاق غير شرعي، أعطي فيه من لايملك حقا لمن لا يستحق، إقليم أرض الصومال هو إقليم تابع لدولة الصومال الفيدرالية منذ الإستقلال عن الإحتلال البريطاني الإيطالي 1960، لحين إعلان الإقليم انفصاله واستقلاله عن الصومال من طرف واحد عام 1991 في ظل ظروف سياسية صعبة واجهت الصومال الكبير مع نهاية حكم الرئيس “سياد بري”، ولم يقبل بإستقلال الإقليم أو يعترف به أي كيان أو دولة في العالم، الآن نتحدث عن إتفاق بمنع إثيوبيا ميناء سيادي علي البحر الأحمر في نطاق ميناء بربرة بطول بحري 20 كيلومتر، يمنح إثيوبيا الحبيسة حقوق تشغيل ميناء جاري وقاعدة عسكرية واعلان عودة قوات البحرية الإثيوبية، وكل هذا يخل بسيادة الصومال الدولة العربية الإفريقية ولم تكن ترتضي أبدا إثيوبيا او غيرها العكس بالتواصل مع إقليم أو حركة انفصالية ضد إرادة وسيادة الدول، ولكن لماذا ترفض مصر والدول العربية والإتحاد الإفريقي وعدد من القوي الدولية الإتفاق، أسباب متعددة، نذكر منها، أن الإتفاق يمثل تحرك منفردا لم يتم إعلان الدول ذات المصالح المشتركة مسبقا، ولم يطرح للتشاور أو الدراسة رغم وضوح تداخل المنافع، وتعارض المصالح، وكذلك فإن الإتفاق غير شرعي ويمثل تعدي علي سيادة الصومال وهي دولة عربية وأفريقية، و الإتفاق يمثل خرقا للقانون الدولي بصفة عامة وأساسية، كما أن الإتفاق يقدم إسوة سيئة لدول أخري في ظروف مشابهة لتسير علي نفس النهج، و الإتفاق يهدد الأمن والسلم بالمنطقة، وأيضا الإتفاق يغير جغرافيا المنطقة ويضر بميزان القوي والأمن في البحر الأحمر، سواء الممر المائي أو الدول المشاطئة علي جانبي البحر ودول الجوار غير المباشرة. 

و الإتفاق يمثل فرصة لعودة وتنامي أعمال القرصنة والإرهاب في المنطقة، وللأسف الإتفاق يقضي بإعتراف اثيوبيا بإستقلال أرض الصومال وهو مايعني مشكلة دولية قد تؤدي لصراع دبلوماسي أو مواجهة عسكرية كبيرة وربما حرب متعددة الجهات والتوجهات، كما أنه يمثل إحتلال ناعم للإقليم الصومالي من قبل إثيوبيا وتغيير ديمغرافية الإقليم والمنطقة، واختراق أمني مباشر، خاصة وأنه سبق لإثيوبيا إحتلال إقليم أجادين الصومالي، وأرض الفشقة السودانية المبني عليها سد النهضة، والتداخل عسكريا أكثر من مرة ولسنوات في الصومال، وبالتالي فإن الإتفاق يمس أمن وسلم واقتصاد دولة عربية أخري وهي چيبوتي وأخري أفريقية وهي إريتريا، ويأتي في اطار أحلام هيمنة وسيطرة ونفوذ إثيوبي علي المنطقة وهي أحلام غير منطقية ربما تتفق مع تاريخ الدول الإثيوبية لكن لا تتفق مع واقعها. 

الإتفاق كذلك يمس بشكل غير مباشر السيادة والنفوذ المصري والسوداني علي الممر المائي (البحر الأحمر)، ويهدد اقتصاديات وأمن الدولتين وهما دولتان عربيتان وافريقيتان، و من المرجح أن ان اثيوبيا التي تعاني تعثر اقتصادي وعجز عن الوفاء بإلتزامتها ان تكون مجرد واجهة أو أداة لقوي دولية أخري ترغب في تعزيز هيمنتها وسيطرتها علي البحر الأحمر وهو كممر مائي أو اقليم چيوسياسي يمثل جوهر رئيسي من الصراع العالمي حاليا في المنطقة والعالم. 

في النهاية نحن أمام احتمالين لا ثالث لهما يندرج من كلا منهما سيناريوهات متعددة، الأول، أن تتراجع إثيوبيا وتدرك خطورة وأبعاد الموقف، وفي هذه الحالة إما أن تعيد التفاوض بشكل شرعي وأن تجلس علي مائدة تفاوض شرعية أو تتراجع نهائيا وتجد بدائل أخري قانونية وشريعة للنفاذ للبحر ويوجد بالفعل اختيارات عدة ممكنة وواقعية، والإحتمال الثاني أن تستمر إثيوبيا في خططها، حتي وإن طالت المدة وأن تلجأ لتدويل القضية والدفاع عن نفسها كصاحبة حق مشروع، أو أن تمضي بالقوة للتنفيذ وسريعا، وقد تكون المواجهة المسلحة هنا لا بديل عنها ما بين الصومال وداعميه ومابين الإقليم الصومالي وإثيوبيا، وهو الإحتمال الأخطر والأسوأ والذي لا يتمناه الجميع.

 

* رامي زهدي – خبير الإستثمار والتجارة البينية في القارة الإفريقية-خبير الشؤون الإفريقية ومدير الملف الإفريقي بمؤسسة الجمهورية الجديدة

إقرأ المزيد 

جلسة مسائية طارئة لمجلس الأمن لبحث مذكرة التفاهم بين إثيوبيا و”أرض الصومال”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »