اخبار افريقيا

الطرق الصوفية في افريقيا.. 100 مليون مريد مكانتها – دورها – نضالها السياسي

دور الطرق الصوفية في غرب افريقيا " أمر لا تخطئه عين"لتأثيرها الديني ونفوذها العميق

الموجز:
الجزائر.. استقبل وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج, رمطان لعمامرة, امس الخميس 15 ديسمبر 2022 بالجزائر العاصمة، باستقبال خليفة الطريقة التيجانية الأحمدية في جنبة (السنيغال), الشيخ حسان سيك أحد رموز الطرق الصوفية غب افريقيا.

وخلال اللقاء جرى “استعراض العلاقات الأخوية بين الشعبين الجزائري والسنغالي, وما يربطهما من وشائج العلم والعقيدة التي تمتد جذورها عبر تاريخهما المشترك، بما في ذلك الدور التاريخي للطريقة التيجانية بمنبعها الأصيل في مدينة عين ماضي بوصفها مركز إشعاع روحي ووجهة لملايين الأتباع في العالم, لاسيما في القارة الافريقية.

يذكر أن الشيخ حسان سيك شارك يومي الاثنين و الثلاثاء في ملتقى الجزائر الدولي “الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي : الحوكمة واستقرار المجتمعات الإفريقية ووحدتها، الذي نظم تحت رعاية رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، وهذا في إطار الاحتفالات المخلدة للذكرى ال60 لعيد الاستقلال.
لكن ماهي مكانة الطــرق الصوفية ودورها في غرب إفريقيــا؟
الواقع يؤكد أن دور الطرق الصوفية في افريقياُ وبخاصة في غربها” أمر لا تخطئه عين”نظرًا لتأثيرها الديني الواســع ونفوذها الاجتماعي العميق وبالتالي تفاعلها
مــع المنظومة السياســية القائمة.
وفقد الطــرق الصوفية اليوم جز ءٌ مــن تاريخ الغرب الإفريقي؛ بحيث تفاعل شــيوخها ومريدوها مع الأحداث الكبرى التي عرفتها تلك المنطقة، فخلال الاســتعمار أســهمت الطرق الصوفية بفعالية في مقاومة التوســع الأوروبــي في غرب إفريقيا. وعلى ســبيل المثــال، قاد الحاج عمر تال (توفي 12فبراير/شــباط 1864(، وهو من كبار شيوخ الطريقة التجانية، حربًا ضد الفرنسيين في مناطق واسعة من مالي والسنغال، وتابع ابنه أحمدُ الكبير المدني (15 ديسمبر/1897) نفس المسار.

وقد تبنى شيوخ صوفيون عديدون طريق مقاومة الأوروبيين، وجيشوا الجيوش مثل الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل (توفي 25 أكتوبر 1910) في موريتانيــا وفي الصحراء وجنوب المغرب.

وكان موقف الشــيخ حماه الله (توفي 1943 في منفاه بفرنســا) -وهو أحد شيوخ الطريقة التجانية البارزين-، من الفرنسيين في مالي سب بًا في نفيه بعي دًا عن موطنه.

ولا يختلف موقف شيوخ التصوف ومريديهم في غرب إفريقيا ع مّا قام به الأمير عبدالقادر الجزائري، وهو من أتباع الطريقة الصوفية القادرية، ضد الفرنسيين من مقاومة.

ومع اســتقلال دول غرب إفريقيا عن فرنسا وبريطانيا نهاية خمسينات وبداية ســتينات القرن الماضــي توطدت علاقة بعض الطــرق الصوفية في أغلب هذه
وحاضراً وبدأت الطرق الصوفية خلال الفترة الأخيرة، تأخذ لنفسها موطئ قدم جديدًا فى المشهد السياسى بالقارة الأفريقية، خصوصًا فى “السنغال ومالى ونيجيريا والكاميرون ودول المغرب العربى”.

ويوجد فيها دعم كبير من قبل الطرق الصوفية للسلطة السياسية هناك، فلا توجد أى مناسبة سياسية إلا ويعلن الصوفية فى هذه الدول تأييدهم أو معارضتهم لأى أمر من هذه الأمور التى تريدها السلطة.

100مليون مريد صوفي

وتؤكد الإحصائيات الأخيرة التى أعدتها بعض الطرق الصوفية، مثل “التيجانية والقادرية والبرهانية والسمانية” وصول مريدى الصوفية في القارة السمراء إلى 100 مليون مريد صوفى، مما يؤكد صدارة الصوفية فى القارة السمراء للمشهد السياسى والمشهد الدينى أيضًا، ويتشابه مريدو الصوفية فى أفريقيا في الأوراد والأذكار، والمعتقدات تجاه مشايخهم.

وتعتبر “الحضرة الصوفية” من أهم الأمور التى تميز صوفية أفريقيا، عن غيرهم فى الدول الأخرى، خاصة أن القصائد والمدائح التى تردد فى هذه الحضرات، تكون متعلقة بمدح الرسول الكريم “محمد بن عبدالله” صلى الله عليه وسلم وآل بيته، مما يجعل جسد المريد وقلبه يلتهبان محبة هذه الحضرة التى توصله إلى حالة وجدانية كبيرة.

وتجعل الدموع تنهمر من عينيه والخوف من الله، يكبل جوارحه وأفكاره، وهذا ما نجحت فيه الطرق الصوفية فى أفريقيا عن غيرها فى الدول والقارات الأخرى.

الصوفية ودورهم السياسى فى أفريقيا.

من جانبه يقول الباحث فى الشؤون الصوفية السودانية أحمد سيف الدين إن الحضور القوى للصوفية ببعض الدول الأفريقية في المشهد السياسي يشكل أحد أهم أبرز الملامح السياسية بهذه الدول.

وخصوصا دولة نيجيريا والسنغال والكاميرون، حيث أن الصوفية أدت على مدار السنوات الأخيرة دورًا حاسمًا فى توجيه البوصلة السياسية بأفريقيا، وقد عملت الأنظمة على استغلالها فى حل الكثير من العقد والتجاذبات السياسية المحلية.

وتُراهن الأحزاب السياسية فى بعض الدول الأفريقية، على تأييد زعماء الطرق الصوفية بالنظر إلى دورهم المؤثر والحاسم فى رسم ملامح المشهد السياسي مؤخرًا، ولا يمنع هذه الأحزاب فى السنغال مثلًا من ذلك، سوى مبدأ “ملائكية الدولة الذى ينص عليه دستور البلاد”.

ويشير “سيف الدين” إلى أن الانتخابات الرئاسية بالسنغال، التى جرت خلال الفترة الماضية، أثبتت انحسار تأثير القوى الصوفية فى المشهد السياسى، ورفضت أكبر الطرق حضورًا دعم أى مرشح رئاسي، مكتفية بإعلان حيادها فى العملية الانتخابية، حسب تعبيره.

ومن جهته يرى الدكتور سيد عمر، الباحث الإسلامى المختص في شئون غرب أفريقيا، “أن الطرق الصوفية أدت أدوارًا جيدة فى دول أفريقية عدة، خصوصا في موريتانيا، وقد نجحت في تلك المهام نظرًا “لحيازتها عاملين أساسيين هما: رسالية الدور بأبعاده الروحية والعلمية والإصلاحية، وثانيًا خلق الأداة التنظيمية العابرة للقبائل والمناطق، وكان هذا إنجاز مهم فى مجتمع انقسامى لم يعرف الدولة خلال قرون طويلة”.

الاستعمار وإضعاف الصوفية فى أفريقيا

يقول الدكتور طلعت مسلم، الباحث في الشؤون الصوفية “إن العوامل السابقة، جعلت التصوف يؤدى دورًا أكبر من دور الفقهاء وأعمق من دور رؤساء القبائل.

وعندما جاء الاستعمار كانت الطرق الصوفية هى الرقم الأهم في معادلات القوة خلال هذه الفترة، سواء على مستوى مقاربتى المسالمة والمقاومة، لكن بعد اكتمال السيطرة الاستعمارية عملت المؤسسات الإدارية والأمنية على إضعاف الطرق الصوفية واختراقها.

فتم وتجريدها من شحنتها الإصلاحية، لتصبح مجرد هياكل دينية ذات صبغة اجتماعية وعائلية، غايتها الخلاص الشخصي عبر أذكار وأوراد وليس القيام بالواجب الدعوي الإصلاحي كما كانت”.

و استمرت الدولة الوطنية المستقلة فى الإبقاء على السياسات نفسها مع الطرق الصوفية، والاستعانة بها فى خلق ظهير دينى لسلطانها يدعمها في المحطات الانتخابية والتحالفات السياسية، مقابل امتيازات ومصالح “وقد اشتدت حاجتها لهذه الطرق أكثر مع تنامى الحركات الإسلامية، لا سيما تلك العنيفة المتطرفة، فأصبح البعض ينادى بالاستعانة بالتصوف فى مواجهة التطرف، وهو ما يمكن أن يكتب له النجاح شريطة تخلى التصوف عن التزلف” وفق قوله.

المغرب العربى والتأثر الصوفى.

ويرى أحمد القادري، الباحث فى الشئون الصوفية، أن الفكر الصوفي بدأ تأثيره يتزايد أخيرًا فى المنطقة المغاربية، بفعل التوسع الذى عرفه التصوف عبر أطره السياسية، التى أفرزتها طبيعة الالتحام الجماهيرى حول مشايخ الزوايا الصوفية، إضافة إلى تبنى ممالك في المغرب لطرق صوفية واستئناسهم بنصح وإرشاد مشايخها.

كما أن التصوف في المنطقة المغاربية ـ بمفهومها الواسع الذي يمتد ليشمل إقليم أزواد فى الشمال المالى وحتى النيجر ـ يشكل محورًا بارزًا ضمن الحراك الديني والثقافي الذي عرفته هذه المنطقة خلال القرون الماضية.

وأكد سيد عمر، الباحث فى الشؤون الصوفية المغربية والأفريقية، أن الطرق الصوفية في الشمال والغرب الأفريقيين، أدت تاريخيا أدوارا وصفها بالمهمة في مختلف أوجه الحياة المجتمعية من دعوة وتربية، وبناء دول إسلامية مثل الدولة التي أقامتها السنوسية في ليبيا والدول التي أقامت القادرية مثل الدولة السوكتية في نيجيريا على يد الشيخ عثمان بن فودي 1803م، ودولة ماسنا شرق مالي التي أقامها الشيخ أحمد بن لبو عام 1818م، والدولة التي أقامت التيجانية في فوتا وأجزاء من غرب مالي في عهد الحاج عمر الفوتي 1865م.

جهاد الصوفية فى أفريقيا.

ويضيف أن الطرق الصوفية فى أفريقيا لعبت دورًا كبيرا في مناهضة الاستعمار، من خلال الجهاد ضد المستعمر، والتصدى له بكل الأساليب، حيث يعتبر الجهاد من الأمورالتى نهضت بها الصوفية فى هذا الشأن، مثل جهاد متصوفة السنوسية في ليبيا ضد الطليان، وجهاد الطريقة القادرية فى الجزائر مع الشيخ عبدالقادر الجزائرى، وجهاد الطريقة الطيبية مع الشيخ بوعمامة فى غرب الجزائر، وجهاد الطريقة القادرية البكائية مع الشيخ عابدين فى أزواد وجنوب غرب الجزائر، وجهاد الطريقة القادرية الفاضلية مع الشيخ ماء العينين فى موريتانيا والصحراء الغربية.

و ظل بعض الطرق الصوفية تنأى بنفسها عن ممارسة السياسة والتفاعل مع الأنظمة القائمة. غير أن الظاهرة العامة هي أن الطرق الصوفية في غرب إفريقيا أصبحت بعد الاستقلال فاعً في المشهد السياسي المحلي تأخذ وتعطي، وتســتفيد وتفيد، تحصل على منافع وتمنح المرشــحين أصوا تًا مضمونة.

يومًا بعد يوم أصبحت هذه الطرق رقمًا مهمّا في المعادلة السياسية.

ومنــذ أن أعلنت الولايــات المتحدة والدول الأوروبيــة اهتمامها بالتصوف باعتباره الإســم المســالم الذي ينبغي توظيفه للوقوف في وجه حركات الإسلام
السياســي وتيارات السلفية المتشددة، وقد جارتها بعض الأنظمة العربية والإفريقية وظهرت آراء وتوجهات تريد من التصوف أن يكون مقابل الإسلام التكفيري
“الوهابي”، وأن يُتخذ وسيلة دون وصول إسلاميين إلى السلطة. لقد أصبحت النظرة الدولية بل والمحلية ترى في الطرق الصوفية أحد الخيارات التي يمكن أن تشكّل درعًا أمام مدّ حركات العنف وحركات الإسلام الاجتماعي السياسي، وهو ما أكدت عليه توصيات تقرير مؤسسة راند الأميركية الشهيرة ، وأكدت عليه بعد ذلك العديد مــن مراكز الأبحاث الغربية منذ أحداث 11 ســبتمبر/أيلول 2001 وحتى ما بعد
2011 .

من دراسة اعدها مركز الجزيرة للدراسات لمجموعة باحثين بعنوان” الطرق الصوفية في غرب إفريقيا السياقات الاجتماعية والأدوار السياسية” ذكرت في مقدمتها قائلة: غالبًا ما يقع لبس عند التطرق للعلاقة بين الطرق التصوف في غرب إفريقيا وبين الســلفية، فكثيرًا ما يميل البعض إلى وسم تلك العلاقة بالتناقض والمواجهة؛ بحيث تصور تلك العلاقة أن الطرق الصوفية تمثل إســمًا مسالمًا لا يمثل خطرًا، وأن الاتجــاه الســلفي يمثل توجهًا جديدًا علــى المنطقة بما يحمل معه من العنف والدعوة للقتال، وهو أمر غير دقيق.

ومن المعلوم أن المذهب السائد في منطقة غرب إفريقيا هو المذهب المالكي
وهــو أحــد مذاهب أهل الســنة الأربع، كما أنه من الملاحظ أن انتشــار المذهبالمالكــي فــي تلك المنطقة حدث غالبًا على أيدي شــيوخ الطــرق الصوفية.

وقد انتشــر أحيانًا بشكل سلمي وأحيانًا أخرى بواسطة القتال والحملات الجهادية. فإذا كان الشيخ سيدي المختار الكنتي (توفي 6 يونيو/حزيران 1811(، والشيخ محمد الحافظ العلوي (توفي 1831(، وكذلك الشــيخ محمد فاضل بن مامينا (توفي 23 أبريل/نيســان 1869(، وقبلهم عبد الكريــم المغيلي (توفي 1505(، وغيرهم من شــيوخ الطريقة القادرية أو التجانية أو الشــاذلية، قد نشروا الإسلام بواسطة الدعوة والإرشاد، فإن الحال كانت مختلفة مع شيوخ تصوف آخرين.

وهناك ثلاث حالات عرفتها مناطق في غرب إفريقيا أحســن مثال؛ فعثمان دان فوديو (توفي 20 أبريل/نيسان 1817) وهو القادري الطريقة والخليفة بسوكوتو بشمال نيجيريا، بدأ حركته بنَفَسٍ سَلَفي داعيًا إلى إزالة البدع من الإسلام والرجوع إلى الأصليْن، الكتاب والسّــنّة، ثم حمــل راية الجهاد وأدخل العديد من الممالك الوثنية في الإسلام.

ومن اللافت أن حركتي بوكو حرام وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا (MUJAO) تجعلان غالبًا من الشيخ الصوفي عثمان دان فوديو مرجعية لهما مع أنهما حركتان ســلفيتان. كما مملكة ماسينا التي أسسها أحمدُ لَبّ الفلاني سنة 1819 كان قد أخذ الطريقة القادرية عن الشيخ سيدي المختار الكنتي، وشملت مملكته أجزاء من مالي وشــرق موريتانيا، وكان من أقوى الممالك الإســلامية في غرب إفريقيا في النصف الأول من القرن التاســع عشــر.

ما فتئت تدعو إلى تنقية الإسلام من البدع وتحارب ممالك الدوغون الوثنية من عرقية البمباره وقد أخضعتهاللإســلام.

نلاحظ اليوم أن زعيم كتائب، ماســينا محمد كوفا، حليف إياد أغ غالي، زعيم حركة أنصار الدين، وقد شــكّلا مع غيرهما في فاتح مارس/آذار 2017 ما بات يُعرف بجماعة نصرة الإســلام والمســلمين، يعتبر نفسه امتدادًا لمملكة ماسينا مع أن ملوكها الثلاث كانوا صوفيين قادريين.

وكان الحاج عمر بن ســعيد تال أو الحاج عمر الفوتي (توفي 12 فبراير /شباط 1864م) من أهم مرجعيات الطريقة التجانية، وهو مؤلف كتاب الرماح “رماح حزب الرحيم على نحور حزب الرجيم” المطبوع سنة 1318هـ/1900م على هامش كتاب “جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض ســيدي أبي العباس التجاني” لعلي حرازم ابن العربي برادة المغربي الفاســي (توفي بالمدينة المنورة 1803) ويشكل هذان النصان مرجعية الطريقة التجانية.

ويعــرف الحــاج عمر الفوتي في الأدبيات التجانية بالســلطان المجاهد لأن المعارك التي حضرها بنفسه كانت اثنتين وثلاثين معركة، وتبلغ المعارك التي أرسل إليها بعض قواده ولم يحضرها خمســين معركة فالجملة اثنتان وثمانون موقعة.

وقد بدأ حركة الجهادية ســنة 1859 واســتمرت خمس سنوات لتنتهي عند مصرعه في فبراير/شباط 1864 وتنتقد حركة كتائب ماســينا بشــدة المتصوفة من أحفاد الشــيخ أحمدُ لب الفلاني، وتتهمهم بخيانة تراث أجدادهم حين انغمســوا في التصوف وتركوا ال بُعد الجهــادي للرجــل، ونفس الموقف نجده عند في أدبيــات بوكو حرام تجاه أحفاد عثمان دان فوديو الذين مكّنوا للتصوف القادري في غرب ووسط إفريقيا.

فمــن الواضــح أن هاتين الحركتين الجهاديتين (بوكو حرام وكتائب ماســينا)اتخذتا من المراجع الصوفية في القرن التاســع عشــر شرعية تاريخية لهما، لكنهما كانتا تأخذان من المرجعيتين جهادهما ودعوتهما لتنقية الإسلام من البدع وتتركان الجانــب الطرقــي الصوفي.
وهو ما يعني تبني الحركات الجهادية في غرب إفريقيا التراث الإصلاحي “المتشــدد” للشــيوخ الصوفيين في القرن التاســع عشر (عثماندان فوديو وشــيخُ أحمدُ والحاج عمر الفوتي) دون اســتحضار الموروث الصوفي الــذي كان جــز ءًا من تلك الحملات الجهادية الســابقة.

فهــذه الحركات توظف بعض التفسيرات الدينية لشيوخ التصوف في القرن التاسع عشر لتبرير جهادهم في الوقت الحاضر، ويعتنقون التفســيرات الدينية للعلماء الصوفيين في القرن التاســع عشــر لتبرير جهادهم في الوقت الحاضر.

من ناحية أخرى، يقدمون أنفسهم كورثة للتقاليد الجهادية ومقاومة للحكم الاستعماري الذي قاده شيوخ التصوف في الغرب الإفريقي في القرن التاســع عشــر، وهي تقاليد تحظى باحترام كبير من قبل السكان المسلمين في المنطقة.

ولا شك أن حضور تاريخ الجهاد الصوفي الذي سبق الاستعمار في مفردات
الحركات الجهادية في غرب إفريقيا وتفســير هذه الحركات ذلك الجهاد لصالحها كان من العوامل التي ســاعدت الجماعات الســلفية الجهادية على البقاء في منطقة الساحل والصحراء أطول مما كان متوقعا.

ومــع أن الحــركات الجهادية في غــرب إفريقيا لا تنفــي احتفاءها بالتراث الجهــادي للحــركات الصوفية إلا أنها فــي المقابل تقف بالمرصاد للممارســات الصوفية التي ترى فيها شِــرْ كًا وخروجًا عن الملة.

ولا ننســى في هذا الســياق أن القضــاء الدولي اتهم أحمد الفقي المهــدي المكنى “أبو تراب”، وهو أحد طوارق منطقة أزواد والعضو النشــط في جماعة أنصار الدين والذي عمل بتعاون وثيق مع تنظيــم القاعدة في المغرب الإســلامي، بالضلوع فــي تدمير أضرحة بمدينة تنبكتو شــمال مالي، عام 2012، تعد ضمن الآثار المســجلة على قائمة التراث العالمي منذ 1988، وهو ما يجسد أحد أبرز نقاط التوتر بين الحركات الجهادية والمؤسسة الصوفية في غرب إفريقيا.

وكان الفقي قد ترأس خلال شهر سبتمبر /أيلول 2012 هيئة الحسبة، أو جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تنبكتو، كما أسهم في أعمال “المحكمة الإسلامية” بتنبكتو وشارك في تنفيذ قراراتها.

وقد اعتقلته القوات الفرنسية على الحدود الليبية مع النيجر وسلّمته للأمن النيجري. وفي 26 من شهر سبتمبر/أيلول 2015، جرى تسليمه إلى المحكمة الجنائية من جانب سلطات دولة النيجر، ووصل مركز الاحتجاز التابع للمحكمة في هولندا .

و تُعرف مدينة تنبكتو المالية في أدبيات التصوف في غرب إفريقيا بأنها مدينة ثلاثمئة وثلاثة وثلاثين وليّا، ومن المهم أن نســتجلي الموقع السياســي للطرق الصوفية في غرب إفريقيا والموقــف الــذي تتبناه هذه الطرق من الأنظمة القائمة بــل وموقفها من المنظومة الغربية واســتراتيجياتها في البلدان الإســلامية، وهو ما سيقودنا إلى الوقوف -ولو بسرعة- على علاقة هذه الطرق بالسلطة ومستوى مشاركاتها السياسية في الحكومات والانتخابات، وكذا موقفها من بعض القضايا السياسية.

إقرا ايضا:-

جنوب افريقيا.. البرلمان يصوت ضد عزل الرئيس ويحصل علي دعم 230 مقعدًا من أصل 400 في الجمعية الوطنية
images 5 الطرق الصوفية في افريقيا.. 100 مليون مريد مكانتها – دورها – نضالها السياسي

images 4 1 الطرق الصوفية في افريقيا.. 100 مليون مريد مكانتها – دورها – نضالها السياسي

download 7 الطرق الصوفية في افريقيا.. 100 مليون مريد مكانتها – دورها – نضالها السياسي

f8bffd44d2b556a42ece3c07158241e9 M الطرق الصوفية في افريقيا.. 100 مليون مريد مكانتها – دورها – نضالها السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »