أخبار عاجلةالرأي

آسيا العتروس تكتب .. النساء غاضبات 

من حق النساء في كل العالم أن يجاهرن بالغضب ، و أن يتجهن للاعلان عن عدم رضائهن إزاء واقع و حال المرأة الذي يشهد تراجعا خطيرا على مختلف المستويات في عالم اليوم وهن من يستنزفن كل يوم ما لديهن من طاقات وإمكانيات و أفكار ومبادرات في مختلف المجالات لتقديم الإضافة و فرض ما أمكن من تغيير لإعادة إحياء بعض الآمال في النفوس المنكوبة.

النساء غاضبات وهذه أول الملاحظات في اليوم العالمي للمرأة في 8 مارس هذا الموعد الذي تحول إلى تقليد تحتفي به مختلف الأمم ,و لكنه غضب حاضر طوال أيام السنة لعدة اعتبارات في ظل ديموقراطية البؤس و الفقر بعد سنتين من قيود الكوفيد و تداعيات الوباء الاقتصادية و الاجتماعية و غيرها ..

لا خلاف أنه مهما تفننت الأطراف الرسمية في الإحتفال بهذا الحدث وفي توجيه رسائل التهاني للمرأة فإنها لا يمكن أن تجمل الواقع المتردي مع تراجع حقوق النساء على مستوى الحريات كما على مستوى المشاركة السياسية والفرص الاقتصادية و تراجع مكانتها و موقعها في دوائر صنع القرار.

لا نتحدث من فراغ وأغلب الكادحات و العاملات في المصانع والحقول والمؤسسات الإدارية لسن معنيات بأي احتفالية في هذا اليوم فمتطلبات الحياة و اللهث خلف لقمة العيش أهم وأولى من كل المظاهر الإحتفالية ليس نقمة او كرها او رفضا لهذه الاحتفاليات و لكن لانها احتفاليات تخفي معاناة المرأة في مجتمعاتها حتى وإن كانت معاناة متفاوتة بين مجتمع وآخر وبين ثقافة وأخرى .

ثم إن هذه الاحتفاليات الرسمية جدا في هذا اليوم العالمي للمرأة لا يبدو أنها يمكن أن تغير القليل أو الكثير في واقع المرأة المنسية في حسابات و أولويات وبرامج صناع القرار وأصحاب السلطة وأهل المال الاعلام و كل القطاعات التي لا تستغني عن جهود المرأة ، و لكنها لا تعترف بحقها ولا تقبل بمنحها المرتبة التي تستحق سواء تعلق الأمر بالدول التي يفترض أن للمرأة موقع و مكانة إجتماعية مريحة  فيما هو دون ذلك من الدول الأقل نموا أو الدول الفقيرة .

و بعيدا عن الانسياق وراء الأحكام المسبقة يمكن القول إن الغضب و عدم الارتياح كان سيد المشهد في هذا اليوم العالمي للمرأة.

و لو حاولنا استعراض بعض ما رافق هذا اليوم من أحداث مأساوية في حياة النساء لما أمكن استيفاء الامر و لو اننا توقفنا عند بعض الاحداث و المحطات سنجدها محملة بالجروح و الإهانات و الاستعباد في مفهومه الجديد للمرأة التي لا تزال تتعرض للوأد و تحرم من حقها في الحياة والحرية و من حقها في التعليم و المعرفة و العمل يحدث هذا في إمارة افغانستان التي وصفت بالأسوأ على المرأة في العالم بعد عشرين عاما من الوجود الأمريكي و الهروب المفاجئ من المشهد الأفغاني ، لتعود المرأة الى حكم طالبان و تعود الى حياة العزلة و المنفى الإجباري في البيوت و تحرم حتى من مغادرة البيت دون إذن مسبق .

غير بعيد و في ايران لا تزال ”  مهسا أميني ”  الفتاة الإيرانية التي ذهبت ضحية الانتهاكات في أحد المراكز الأمنية تحفز الايرانيات على التمرد على القوانين الذكورية و الاجتماعية الجائرة و العقليات الظلامية التي تنكر على المرأة انسانيتها .

جيل الثورة الاسلامية في إيران ممن رفضن القوانين الجديدة يعتبرن انه منذ بداية الثورة في 1979 بدأت المعركة بين اية الله و النساء ، للمعركة محطات و معاني مختلفة في مجتمعات أخرى حيث الحروب و الصراعات سيد المشهد ، و حيث تكون حقوق المرأة وقود لتأجيج المعارك المشحونة و لكن ليس خدمة للمرأة و للمجتمع الذي تنتمي له .

و ذلك هو حال المرأة في سوريا و في العراق و لبنان و الاردن وليبيا وغيرها من المجتمعات العربية التي توقفت عن تطوير قدراتها و تنمية مجتمعاتها و التي يصح القول اليوم ان هناك قوة ماردة تشدها الى الوراء و تمنعها من الارتقاء الى صفوف الدول الراقية .

حتى في تونس برغم ترسانة القوانين التي أقرتها مجلة الأحوال الشخصية منذ فجر الإستقلال و برغم انفتاح المجتمع التونسي فإن المرأة التونسية اليوم بصدد التراجع أمام ما يسجل من عنف يومي في حق المرأة ، و أمام تراجع نسق الحريات ، و توجه المجتمع التونسي نحو الانغلاق والتشدد والتخلي عما تميز به المجتمع التونسي من تعددية و من إعلاء لشأن المرأة في المشهد الثقافي والفني و التربوي و حتى السياسي .

تبقى النقطة المضيئة التي تعكس إصرار المرأة حيثما تكون و برغم ما يحيط بها من ضغوط أو قيود متأهبة للدفاع عن حقوقها في الحياة و في الحرية ،مشهد نواكبه كل يوم مع ما تكتبه نساء فلسطين من ملاحم نضالية لكسر كل القيود التي تطوقها تحت سلطة الإحتلال وهي تبقى رغم ما تتعرض له من جرائم و انتهاكات شامخة حتى في ضعفها متجذرة في الارض متمسكة بالبيت و المفتاح الذي توراثته عن الأجيال السابقة ،وهي برغم المعاناة المزدوجة بين فظاعة الاحتلال وانتهاكاته لأبسط القوانين الانسانية و قساوة المجتمع و أحكامه تبقى منبع الامل الذي ينبت بين الصخور و تظل مدرسة مفتوحة للحياة في معاني الصبر و القدرة على التحمل و الانطلاق من جديد .

و هذا في الواقع ليس سوى نقطة من بحر من نضالات نسوية لا ترصدها التقارير الإخبارية ، و أعين السياسيين من اليمن بنصفيه، الى السودان بجناحيه إلى موريتانيا بشاعراتها ، وإلى جنوب افريقيا بفناناتها و إلى كل نساء الكون ممن لا يمكن التوقف عند ملاحمهن التاريخية في هذه المساحة التي ترصد غضب المرأة في عيدها و لكن بالتأكيد ترصد معها أنفة الأنثى و قدرتها على الانتفاض ضد كل أنواع الظلم و القيود دون إذن مسبق أو ترخيص لافتكاك حقها الطبيعي في التحليق عاليا و فرض مهاراتها و كفاءتها و قدرتها على صنع المستقبل .

• آسيا العتروس .. كاتبة تونسية

• نقلا عن جريدة الصباح التونسية 

إقرأ المزيد : 

آسيا العتروس تكتب : عن دستور العدالة الانسانية ؟ !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »