الرأيأخبار عاجلة

الدكتور على سرحان يكتب : المومياوات المصرية القديمة والفحص الرقمى لها حديثاً

(غت) هو الجسد عند المصرى القديم ، ويعنى الجزء المادى المركب منه الأنسان، ومن خصائص الجسم ، تعرضه للحياة والموت وكانت أهم أمانى المصرى القديم لجسده، هو ان يعود إليه سليماً يمارس نفس الوظائف بعد الموت وان يحظى بالخلود. وهنا نتسأل الى هذا الحد آمن المصرى القديم بالآخرة !!

الأجابة.. نعم ، فقد رأى المصرى القديم الشمس تشرق فى الصباح، وتختفى فى المساء،  لكنها لا تكاد تغرب حتى تعود الى الشروق فى صباح اليوم التالى، ورأى النبات ينمو ويذبل ثم يعود للحياة مرة أخرى فى الموسم التالى، وهكذا كانت مظاهر الطبيعة توحى لمن يتأمل فيها بالحياة والموت ثم بالحياة مرة أخرى كل ذلك أوحى اليه بفكرة الخلود أو الحياه بعد الموت.

وهذه العقيدة هى أساس الأديان السماوية إلا ان فكرة المصريين القدماء أختلفت عن أديان السماء أذ رأى انه يتحقق الخلود أذا لم يتحلل الجسد وقالت عقيدتهم أن الموت لا يقطع الرابطة بين الروح والجسد فكل منها يعتمد على الآخر.

وكل تآكل فى الجسد بعد الموت يؤدى الى أن الروح لا تتعرف على الجسد، أذ يسرق من الروح جزءا، وتحلل الجسد يعنى فناء الروح ! ومن هنا نشأ فن التحنيط وقد حرص كل الشعب المصرى القديم على حفظ جسده بعد الموت، فمن خلال ما تركه المصرى القديم من تراث، نجد أنه كان على علم كامل بما يحدث للجسد بعد الموت وحرص على عدم تحلل جسده فى العالم الآخر ورغب فى البقاء ورهب من الفناء فقام بتحنيط جسده ليجنبه الفساد، ولتحقيق تلك الغاية سخر كل مايحيط به .

فقد وضع المحنطون فى إعتبارهم أن حفظ الجسد لا يقتصر على المعالجة الطبية للجسد فقط بل لابد من وضع وسائل إضافية لحماية الجسد، هذه الوسائل تضمنت وضع تمائم وأحجبة عبارة عن أشكال صغيرة توضع على اجزاء مختلفة من الجسد وتهدف الى إيقاف تحلله وفساده ولكى تتحقق القوة السحرية يجب قراءة الصيغة المكتوبة على الجسد.

ومر علم التحنيط بالعديد من التطورات لدى المصرى القديم على مر العصور وبلغ ذروته خاصة فى الأسرة الواحدة والعشرين لأن خطوات التحنيط فى ذلك العصر لم تعد مقتصرة على التجفيف ولفائف الكتان فقط بل أضاف محنطو هذه الأسرة خطوات جديده لم تكن موجودة من قبل أبرزت براعتهم وأستيعابهم لعلم التشريح فقد اعاد المحنطون النظر مرة أخرى فى خطوات وطرق التحنيط السابقة بعد  أن حدثت اضطرابات سياسية انتشرت فيها سرقة المقابر من أجل البحث عن الكنوز المخبأه فقام اللصوص بقطع الأكفان ونزع الحلى والجواهر التى كانت توضع على جسد المتوفى وبدأت العوامل الجوية تتفاعل مع أنسجة الجسد فأصابها التحلل.

فقاموا بتجميع هذه الاجساد فى مخابئ سرية من أجل معالجتها مرة ثانية، واثناء قيامهم بهذه الأعمال بدءوا يتوصلون لنقاط الضعف فى أعمال التحنيط القديمة أدت الى تحلل الأجساد القديمة، وحاولوا وضع حلول لها فكيف تستطيع الروح الوصول الى الجسد بعد أن ضاعت معالمه؟!! ومن الدراسة لتطور علم التحنيط على مر العصور نجد أنه كلما تضاعف حجم الأقتصاد والإستقرار السياسى تضاعفت عناية المصرى القديم بالموتى، ورغم إهتمام المصرى القديم البالغ بحفظ جسده ليمنح روحه السلام والخلود فى العالم الآخر.

جرائم الاوروبيون بحق المومياوات المصرية

 

 مع الأسف منذ بداية القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر لم تمنح المومياوات المصرية القديمة الإحترام الذى تستحقه من النخبة الأوروبية وخاصة بعد غزو الحملة الفرنسية لمصر بقيادة نابليون وأكتشاف حجر رشيد.

وتعرضت لأنتهاكات فى منتهى القسوة فقد كانت تسحق لبودرة وتباع كدواء لا يقدر بثمن لعلاج كل الأمراض ويضاف اليها بعض زيوت النباتات لعلاج الألتهابات .

وقال رسامو القرن السادس عشر أن أضافة مسحوق المومياوات الى لوحاتهم يمنعها من أن تتشقق عندما تجف الألوان، وكان ملك أنجلترا يجمع التراب والمساحيق التى تتساقط من المومياوات ليحك بها جسده لتنتقل اليه عظمة القدماء .

وقد حذرت دائره المعارف البريطانية الناس من شراء مسحوق المومياوات لأن مايباع هو جثمان المجرمين لا المصريين حيث كان يتم تحنيط المحكوم عليهم بالإعدام وبيعهم على أنهم مومياوات مصرية، وكان يتم فض اللفائف الكتانية واستخدامها فى صناعة الورق، وفض لفائف المومياوات لأضفاء الأثاره على الحفلات الأرستقراطية.

وعندما تقدم العلم فى أواخر القرن التاسع عشر زالت فكره العلاج بمسحوق المومياوات ليحل محلها إستعمال المومياوات كسماد لخصوبة التربة، ظلت اللآثار المصرية القديمة عامة والمومياوات المصرية خاصه فتره من الزمن تنتهك بطريقه أو بأخرى وتعرض للبيع فى صالات مزادات العالم وأصبحت المتاحف العالمية ممتلئة بالتراث المصرى القديم، فلم يكن يوجد قانون لحماية للآثار ولا تجريم الأتجار فيها ولا حيازتها أو أمتلاكها، واستمر هذا الحال حتى صدر قانون حمايه الآثار  1983 والمعدل2010/2019ويعتبر هو أول قانون لحماية وتجريم الآتجار فى الآثار.

سن قوانين مصرية لتجريم الإعتداء علي الآثار المصرية

 

ومن هنا بدء فجر جديد للحفاظ على التراث المصرى القديم  بداخل أرض مصر ولكن مع الأسف تم ذلك بعد أن فقدت مصر جزء ضخم من تراثها لا يعوض . وأعطيت الفرص للباحثين المصريين لدراسه الآثار المصرية القديمة وبخاصة المومياوات فقد سخر الباحثون فى العصر الحدبث كل التطور الذى طرأ على علم الآثار وعلم المصريات وأستخدموا تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين فى إزالة اللفافات بطريقة أفتراضية عن أجساد المومياوات دون إلحاق أى ضرر بها أو باللفائف نفسها وحفظ المومياوات للأجيال القادمة وعرضها العرض اللائق بها بطريقة علمية سليمة جذابة فى سبيل تحقيق الهدف وهو التعريف بالحضارة المصرية للجمهور وأظهار ركن هام من مجالات العلوم والعقائد الدينية الجنائزية .

وأستعان العلماء لتحقيق هذا الغرض بالعديد من الوسائل العلمية ولكن يعتبر من أحدث الوسائل المستخدمة لفحص المومياوات هو التصوير بالأشعه المقطعية المحوسبة وتعود تسميتها الى كون هذه الطريقة تعطى صورا شعاعية على شكل مقاطع للجسم، وتتميز بوضوح عالى جدا للصورة، وتظهر كل تفاصيل العظام بشكل متناهى الدقة، وفيها يتم عمل صورة مقطعية ثلاثية الأبعاد بعد معالجتها بواسطة ببرامج حاسوبية خاصة، بعد الإنتهاء من معالجة الصور الناتجة يتم أضافه الألوان بهدف تسهيل التمييز بين الأعضاء المختلفة، ويتم من خلال هذه الصور الحصول على معلومات إضافية عن حياة وموت صاحب المومياء مثل تحديد العمر عند الوفاة والجنس والمشاكل الصحية التى تعرضت لها أثناء الحياة والأسباب الجنائية للوفاة إن وجدت، وطريقة التحنيط فكان لنا عظيم الحظ أن نرى عن قرب مدى تطور الحضارة المصرية القديمة وانجازتها التى أبهرت العالم كما ستظل دائما بأنها أعظم حضارات التاريخ القديم  ..

تعويذة لكى لا يتحلل الجسد من” كتاب الموتى”

 

“يا سيد الآلهه السلام عليك، ياأبى أوزوريس! سيكون لك جسمك، لن تتعفن، لن تصبح ديدانا، لن تصبح رائحه كريهه، لن تتحلل ولن تتحول ديدان فانا خبرى، واملك الجسد الى الأبد، لم أتعفن ،ولم أتحلل، ولم أتحول الى ديدان، ولم أذهب الى عين شو أنا موجود فعلا، أنا حى حقا، وأنا صلب ،وأستيقظت بسلام ، ولم أتحلل، ولم تدمر أمعائى، ولم يحدث لى ضرر، ولم تتحلل عينى، ولم تفكك عظام جمجمتى، ولم تصم أذناى، ولم تفصل رأسى عن رقبتى، ولم ينزع لسانى، ولم يقص شعرى ،ولم أفقد حاجبى ،ولم يمسنى سوء .. جسدى صلب، لن يفنى ولن يختفى فى هذا البلد إلى الأبد)).

 

  • الدكتور على سرحان .. باحث دكتوراه في علم المصريات

إقرأ المزيد :

لأول مرة.. ورشة عمل عن استخدام الذكاء الاصطناعي في ترميم المومياوات 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »