أخبار عاجلةالرأي

آسيا العتروس تكتب : ممنوع من الحياد .. كريم .. يا يونس

عميد الاسرى الفلسطينيين كريم يونس يتنفس حرية بعد أربعة عقود قضاها في سجون الإحتلال الإسرائيلي , وتلك أول رسائل هذه المعركة النضالية الإنسانية العابرة لكل الحدود الجغرافية فكل ظلم مهما طال إلى زوال عندما تتوفر الإرادة والإصرار على الحياة و كسر قيود الظلم فالحرية تستحق كل التضحيات التي لا تقدر بأي ثمن .

وقد دفع كريم يونس الثمن و سيتعين على الفلسطينيين أولا وعلى دعاة وأنصار الحرية و الديموقراطية ثانيا ، و على صناع القرار في العالم التقاط اللحظة والدفع لإسقاط القناع المتبقي على وجه الإحتلال وإنقاذ بقية الأسرى من القتل البطئ الذي يتعرضون له في أقبية وسجون الإحتلال التي دخلها كريم يونس طالبا شابا مقبل على الحياة و غادرها وقد تجاوز الستين و بعد أن فقد من فقد من الأهل والأحبة الذين حرمه الإحتلال من وداعهم .

كريم يونس لم ينسى رفاقه الذين تقاسم معهم الرغيف المغمس بالألم و لكن بالكبرياء أيضا في تجربة السجن سواء من رحلوا منهم عن هذا العالم أومن ينتظرون الحرية وقد ارتدى قميص آخر شهداء الأسرى ناصر أبو حميد في رسالة لكل العالم لفك أسر جثمانه المحتجز في ثلاجات الموتى الباردة امعانا في الانتقام و التنكيل بعائلاتهم .

حرمان الشهداء من جنازة تليق بهم سياسة اسرائيلية تتنزل في اطار العقوبات الجماعية التي يمارسها الإحتلال .

ورغم أنه أمضى أربعين عاما خلف القضبان في سجون الإحتلال الإسرائيلية فقد استكثرت السلطات الإسرائيلية على الأسير المحرر كريم يونس الفرحة بلقاء الأهل الذين انتظروا هذه اللحظة طويلا و حولت موعده لمعانقة شمس الحرية إلى عملية مراوغة بشعة لا تخل من التشفي حيث نقلته عبر أكثر من محطة قبل التخلي عنه وحيدا فى مدينة رعنانا قرب تل أبيب، دون إبلاغ عائلته ،  كل ذلك حتى لا يحظى بالاستقبال الشعبي الذي استعد له الفلسطينيون في الضفة والقطاع .

خرج كريم يونس بعد قضاء أربعين عاما في زنازين مظلمة لا تتسلل إليها أشعة الشمس حيث الانتهاكات و الإعتداءات سيد المشهد و ممارسة يومية للجلاد الذي يحاول كسر إرادة السجناء الأسرى فيزيدهم من حيث لا يدري إصرارا على الصمود وإرادة البقاء و التمسك بقضيتهم .

إلى قبر والدته التي لم يمهلها القدر لتعيش لحظة اللقاء كانت وجهته لإستعادة لحظة الوداع المؤجل وهي التي كانت على حد تعبيره سفيرة أسرى الحرية طوال أربعة عقود كاملة .

لكريم يونس الأسير المحرر العائد قصة يحفظ تفاصيلها الفلسطينيون بدقة و يحرصون على نقلها و غرسها في الذاكرة بدأت حكاية كريم يونس يوم 6 جانفي 1983، عندما اقتحمت وحدة خاصة تابعة للإحتلال أحد مختبرات الهندسة فى جامعة “بن غوريون” فى بئر السبع، وقف أفرادها على الباب ليتأكدوا من وجوده فى الداخل.

وفى المختبر الذى كان فيه الطالبان الفلسطينيان كريم يونس ورياض محاميد يقومان بتجربة إحدى الاختراعات، سألاهما الجندي : من منكم كريم؟ ليترك كريم ما بيده من عدة، ويتقدم تاركا خلفه على طاولة الدراسة قلمى رصاص وحبر وحقيبته الجامعية، ومنذ ذلك اليوم لم يعد كريم إلى بيته.

لقد أعادت مأساة الاسير المحرر كريم يونس إلى سطح الأحداث قضية آلاف الأسرى المغيبين في سجون الإحتلال .

في أول تصريح له قال كريم يونس ” لقد كانت أربعون‭ ‬سنة‭ ‬مليئة‭ ‬بالحكايات‭ ‬والقصص،‭ ‬وقصص‭ ‬الأسرى‭ ‬هي‭ ‬قصة‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله،‭ ‬وأنا‭ ‬فخور‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬وضحّوا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فلسطين،‭ ‬وعندنا‭ ‬استعداد‭ ‬أن‭ ‬نقدّم‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬حرية‭ ‬فلسطين”‬

‮كما أنقذ الله النبي يونس من بطن الحوت فقد كتب للأسير كريم يونس فرصة الخروج من ظلمات سجن الاحتلال ليواصل المسيرة ‬.

و في إنتظار الإفراج عن ماهر يونس وعن بقية عمداء الأسرى الذين مضت عقود على وجودهم في السجون بعد أن اسقطت إسرائيل كل الاتفاقات قبل و بعد أوسلو لتحريرهم .

و من يدري فقد يكون مروان البرغوثي غدا على موعد مع الحرية مع بقية الأسرى و السجناء‬، الأكيد أن ذاكرة كريم يونس وهو الشاهد على معركة الأسرى المستمرة تختزن ارثا مثقلا لمختلف المحطات النضالية للأسرى داخل السجون و لكل ما تعرضوا له من اعتداءات جسدية و نفسية و محاولات لاهانتهم و تحطيم إرادتهم و انتزاع ما بداخلهم من إرادة و صمود و هم يخوضون معارك الأمعاء الخاوية و يتحدون أوامر الجلاد و هي ذاكرة لا شك انها محملة بصور من عانوا الامراض و استشهدوا خلف الأسوار .

يقول عيسى قرارقع وزير شؤون الاسرى سابقا “الأسير كريم يونس الجبل الحر، صدأت أبواب السجون، جرت حروب ومتغيرات، وكم صيف وشتاء وموت وولادة؟ تعفن الجدار، يئس الجلاد، جرّبت حكومة الإحتلال كل قوانين البطش والخنق والقمع ووسائل شطب الهوية النضالية للإنسان الأسير، في كل مرة يظهر وجه كريم يونس يحمل عتاده الإنساني والنبوءة النضالية، يحمل آلامه وإرادته، يهزم الليل والغياب”..

ربما لم يعتقد الإحتلال لحظة ان كريم يونس سيتحول الى رمز في كل مدينة و كل قرية و كل شارع و كل بيت فلسطيني …فعلا انه كريم يا يونس.

* آسيا العتروس .. كاتبة تونسية

• نقلا عن جريدة الصباح التونسية

إقرأ أيضا : 

آسيا العتروس تكتب : على وقع سنة تمضي ..  أنا شيرين أبو عاقلة 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »