أخبار عاجلةالرأي

مسعود عمارنة يكتب : الانفتاح على اللغة الإنجليزية…بين افرازات العولمة واقتصاد المعرفة

 

الجزائرالآن _إن الاتحادية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي تشيد بسياسة الدولة وما تكرسه من رؤية من أجل تحقيق التطلعات المنشود على صعيد قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وهي تطلعات تتقاطع في رهان أساسي هو أن تكون الجامعة قاطرة المجتمع ومورده الاستراتيجي للارتقاء بمجتمع المعرفة وإنتاج مخرجات نوعية، وتستهدف الانتقال الرقمي وتشجع الابتكار والتطوير العلمي خدمةً لأهداف تنموية.

تبعا لهذا المضمون؛ فإن للاتحادية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي ترى أن الانخراط في هذا المسعى هو شأن حتمي لما يترتب عنه من رؤى جديدة وأنماط عمل حديثة، تفرض ضرورة إعمال الآليات والمساعي الكفيلة ببلوغ الرهانات الحالية لمرفق التعليم العالي والتطلع إلى أفق جامعة الغد.

وفي هذا السياق؛ تعرف الجامعة الجزائرية جملة من الو رشات التي تترجم الإرادة لإرساء ما يعزز جودة التكوين، ويضمن التفتح الأكبر للمؤسسة الجامعية والبحثية على محيطها المحلي والإقليمي والدولي. من بين هذه الورشات ما يشهده قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر من انطلاقة نحو تعزيز اللغة الانجليزية كخيار يرتبط بدواع تتصل بسياق العولمة، التي تمخض عنها عوامل مختلفة أسست لصدارة اللغة الانجليزية في المشهد التواصلي العالمي وطرحت ضرورة التكيف مع هذا المشهد. لذلك فالعناية باللغة الانجليزية في المؤسسات الجامعية والبحثية هو نتاج لهذا الواقع الذي يعطي الأفضلية لهذه اللغة كأداة لتعزيز التكوين والبحث العلمي و تدويله، والدفع بحركيته وتحسين مرئية مخرجات المؤسسة الجامعية والبحثية، والرفع من مقروئية إنتاجها وتحسين تصنيفها على المستوى العالمي.

• عالمية اللغة الانجليزية: أحد إفرازات العولمة واقتصاد المعرفة

إن بروز اللغة الانجليزية كلغة عالمية يرتبط بما شهده العالم منذ عقود مضت من وتيرة متسارعة، برز خلالها تطور هائل لتكنولوجيات الاتصال والرقمنة مما أنتج موجة من التحولات امتدت على نطاق واسع لتشمل كافة مجالات الحياة، وأصبحت المجتمعات في ظل عصر العولمة واقتصاد المعرفة تعرف تأثرا وتغيرا متناميا لأساليب التعامل وأنماط العمل والإنتاج في واقع جديد يرتكز على رأس المال البشري، ويجعل من المعرفة والتحكم في إنتاجها وتداولها سمة أساسية لمجتمع المعرفة وشرط للتنمية والتقدم الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.

• الانجليزية من أجل تحديث المعارف على إيقاعها العالمي

 

لقد أفرز تيار هذا التحول العارم ديناميكية قوية على المستوى التبادلي الذي صعّد بشكل فائق حاجة المؤسسات إلى التواصل الفعال، الذي يوجب الارتقاء بالأداء انسجاما مع أنماط التفاعل الجديدة. ويواكب التطورات التكنولوجية الحاصلة وتدفق المعلومات ويتيح التمكن من اكتساب المعارف المتجددة وتداولها، وكذلك تبادل الخبرات واستغلالها؛ بما يوفر صقل الكفاءات وترقيتها وتحديث المعارف على إيقاع المستجدات في مجالات الإبداع الفني والعلمي والتقني، ومسايرة ما يتولد من نشاطات ومهن جديدة تطبع سوق العمل في مشهد سريع التحول والتطور.

في قلب هذا التحول، أصبحت اللغة الانجليزية اللغةَ السائدة على الصعيد العالمي، باعتبار رواج استعمالها وانتشارها الغزير والمتزايد كأداة تواصل أساسية بالنسبة للأفراد وللمؤسسات عبر العالم في مجالات حيوية مختلفة كالمبادلات التجارية والمصرفية والأعمال. بالإضافة إلى هيمنة استعمالها في شتى المجالات العلمية والتكنولوجية ونشاطات التواصل الرقمية والإعلامية والمهن الاحترافية والإبداعية الخلاقة للثروة. و أصبح التحكم في اللغة الانجليزية في نطاق هذه الحركية مقترنا بالحاجة التبادلية والتنافسية في المجالات المذكورة وكذا التفاعل مع الآخر والتأثير على نطاق دولي.

من زاوية أخرى، فإن كثافة المحتوى باللغة اللغة الانجليزية على مستوى الأنترنيت اليوتيوب والفايسبوك وغيرها؛ وهي وسائط ذات استهلاك واسع من طرف المستخدمين بوتيرة كبيرة ويومية، وكذلك التوظيف الكبير لهذه اللغة في الإعلام السمعي والمرئي والأفلام والمسلسلات ونوافذ التطبيقات الرقمية والألعاب الافتراضية وغير ها ؛ تجعل من المستعملين في وضعية التعرض الفائق لمحتويات مسموعة أو مكتوبة في غالبيتها باللغة الانجليزية، وهو ما يكرس شيوع هذه اللغة بين الناس ويحفزهم على إتقانها. فمن هذا الوضع أصبح الوعي بأهمية وعالمية اللغة الانجليزية شأنا متعارفا عليه، ليس بالنسبة للنخبة المثقفة والأكاديمية في مجالاتها المتخصصة فقط ولكن أصبح يشمل عامة الناس من مراحل عمرية متباينة ومن أوساط اجتماعية ومهنية مختلفة ، حيث يرتفع الطلب على تعلمها يوما بعد يوم من طرفهم، باعتبار الأثر اللغوي الذي أحدثته الوسائط المذكورة باستعمالها الكثيف للغة الانجليزية.

إن هذا الواقع يتماشى مع ضرورة تحويل التوجه نحو هذه اللغة وفتح فضاءات تعليمية بشكل موسع، والتمكين من تعلمها في إطار نموذج التعليم المتواصل والتعلم مدى الحياة الذي يمكن أن يستفيد منه أكبر عدد من المواطنين.

 

• الرفع من عدد الناطقين بالإنجليزية في الجزائر يخدم الوثبة السياحية

 

كما هو معروف في العالم اليوم، يرتبط تعلم الانجليزية بحاجة الأفراد لتحقيق القدرة على التواصل الذي يسهل السفر والحركة في البلدان الأخرى؛ خاصة في إطار العطل السياحية ومنه التمكن من التفاعل والتعرف الأكبر على المجتمعات الأخرى، فالإنجليزية هي اليوم لغة الجذب السياحي الذي يفتح المجال لخلق فرص عمل جديدة. ومن ذلك؛ فإن شيوع استعمال هذه اللغة بين المواطنين يضمن أحد شروط تعزيز الثقافة السياحية والترويج الأمثل للمنتج السياحي كالتعريف بالعادات المحلية والحرف التقليدية والفنون الشعبية، والاستغلال الأمثل للموارد السياحية وجلب العملة الصعبة.

 

• تعزيز استعمال الانجليزية خيار استراتيجي وأداة التمكين للانفتاح الخلاق

 

وباجتماع الأسباب المذكورة وغيرها، لم يكن تنامي الاهتمام بتعليمية اللغة الانجليزية في بلدان العالم ترفا أو انتقاء للغة من بين اللغات الأجنبية، ولكنه توجه استراتيجي يندرج في حيز إرساء عوامل التمكين لاقتصاد المعرفة وبلوغ ما ينبري عن ذلك من رهانات باتت ملحة لا تدع مكانا للرتابة والانغلاق، بل تقتضي إرساء بواعث خطاب تنموي جديد يقوم على الانفتاح الخلاق والاستثمار في المعرفة كأساس للتقدم. بالعلاقة مع هذا المضمون، فإن التحكم في المعرفة اللغوية ولغة الآخر بات من مقتضيات هذا الانفتاح والتعامل مع واقع عالمي يعطي الحظوة للغة الانجليزية كشفرة تواصل ولغة تداول مشتركة ومهيمنة في سوق اللغات.

من أجل ذلك كله؛ لاشك أن تكثيف الاهتمام بهذه اللغة كأداة للبحث العلمي ووسيلة لتقوية حضور الجامعة الجزائرية في المنابر العلمية الإقليمية والدولية، وكذلك توسيع تعليمها من أجل تكوين يحقق الكفاءة التواصلية اللازمة لخريجي الجامعة ونفوذهم لعالم الأعمال والتفاعل الناجع لمواكبة التطورات المتسارعة العالمية. وهو ما يندرج في أهداف التعليم العالي المرتبطة بتكوين الكوادر وفقا للمعايير الدولية وتحقق القدرة على إنتاج قوة عاملة مؤهلة.

• تشجيع النشر العلمي بالإنجليزية معبر للتأثير ومواكبة مستجدات المجتمع العلمي

 

تبعا لما سبق، فإن هذا الإطار يمنح دورا استراتيجيا للقطاعات التعليمية في بلدان العالم لتجسيد المخرجات التي تنسجم مع هذا الواقع وتستجيب لمتطلباته، والتي يقع في صلبها الاهتمام بتعليم اللغة الانجليزية كلغة للعلم والتكنولوجيا ولغة التواصل التجاري، حتى أصبح التحكم فيها ذو بعد اقتصادي وتنموي بامتياز. من الدواعي الأخرى لهذا الاهتمام؛ هو المكانة التي تحتلها اللغة الانجليزية كأداة أساسية للبحث العلمي والنشر الأكاديمي.

إن كون اللغة الانجليزية لغة النشر العلمي الأولى في العالم، فإن استعمالها من طرف الأساتذة والباحثين يعطيهم الأفضلية في الترويج الأكبر للبحوث والمقالات والمنجزات العلمية والتعريف بها في المجتمع العلمي ،لاسيما أن مجال صناعة النشر العلمي محليا أو دوليا تطفو فيه المجلات والدوريات العلمية التي تعتمد اللغة الانجليزية، فالتحكم في التحرير العلمي بهذه اللغة يختزل الجهد للبروز في أي تخصص من التخصصات العلمية بين النظراء من الباحثين في العالم، لاسيما عبر المجلات الدولية عالية التصنيف وذات الأثر الكبير في ساحة النشر العلمي.

من جهة أخرى، فإن استعمال اللغة الانجليزية يساعد الباحثين من مضاعفة حضورهم الدولي خاصة من خلال المشاركة في الندوات والمؤتمرات العلمية والتي تعتبر من بين أهم وسائل النشر الأخرى، وأداة فاعلة تسرع التعريف بالمنتج العلمي وتوثق جسور التواصل مع الجامعات العالمية، وتكثف التبادل معها بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات والمستجدات العلمية بما يحقق المرئية الأكبر للمؤسسات الجامعية والبحثية ويعرف بمنتجها العلمي.

• الإنجليزية أداة لتعزيز مؤشر التنافسية لتدويل منح التكوين

 

في حيز متصل، وفي ظل الأنماط الحديثة المعتمدة في التكوين كالتعليم الافتراضي والعابر للحدود، أضحى راهن الجامعات في العالم يتسم بالتنافسية على خدمة التكوين كمعبر يعزز إشعاعها العالمي، ومن بين المؤشرات التي تعكس تحقق المستوى التنافسي هو قدرة مؤسسات التكوين العالي على استقطاب الطلبة الأجانب. إن تدويل منح التكوين باستضافة أكبر عدد من الطلبة الدوليين يعزز التعاون والحركية الجامعية، ولا شك أن الشروع في تدريس بعض التخصصات باللغة الانجليزية في الجامعة الجزائرية يصب حتما في تحسين هذا المؤشر.

 

* مسعود عمارنة .. كاتب جزائري

• نقلا عن موقع وجريدة الجزائر الآن 

إقرأ المزيد : 

الدكتور محمد لعقاب عضو مجلس الأمة الجزائري عن الثلث الرئاسي يكتب .. بعد طلب الإنضمام إلى “البريكس”: الرئيس تبون يغيّر قواعد اللعبة .. ( ٢ – ٢ )

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »