اخبار افريقيافن وثقافة

” كيدودي” 10 سنوات علي رحيل كوكب القارة السمراء مطربة زنجبار فاطمة بنت بركة

عاشت كيدودي 113 عاماً وتحول منزلها في تنزانيا الي مزار سياحي لعشاق الفن الأصيل

 

100 عام من الغناء ولم يوقفها غير الموت في يوم 17 أبريل عام 2013، يطلقون عليها أم كلثوم أفريقيا، فهي كوكب القارة السمراء، التي اعتبرت صوتها هبة إلهية، وظلت بعد تجاوزها الـ100 عام تقف بشموخ على المسرح تلبية لجمهورها المحب، إنها فاطمة بنت بركة خميس الشهيرة بـ”بي كيدودي”.

ولدت المطربة الزنجبارية فاطمة بنت بركة ” كيدودي”في عام 1910 في قرية مفاجيمارينو بزنجبار في تنزانيا، كان والدها يعمل في تجارة جوز الهند، وكانت منذ طفولتها تملك صوت قوي وحضور كبير، وأصبحت في الثلاثين عامًا الأخيرة معروفة كواحدة من أفضل الموسيقيين بجزيرة شهيرة بتوابلها.

تأثرت بالفن والموسيقي المصرية

تأثرت “كدودي” بالموسيقي المصرية، عندما قرر السلطان برغش بن سعيد سلطان عُمان الذي كان يحكم زنجبار في القرن الـ19 الاستعانة بموسيقيين وعازفين مصريين لتعليم سكان زنجبار الموهوبين العزف على الآلات الشرقية، وهو ما يكشف تأثير الثقافة العربية على زنجبار، لذا اشتهرت كـ”يدودي” بغنائها القريب من الأذن العربية، فالطرب السواحيلي هو قالب فني يمزج الأفريقي بالعربي.

كانت تتحدث فاطمة بنت بركة  عن الغناء بصورة شعرية، كما لو أنه لديها عشق من نوع خاص، وأكثر من مرة وصفت لحظة الغناء بإلقاء الروح في السماء، لتحلق عاليًا وتصدح بالنغم، “يشبه الطرب إلقاء روحك في السماء الكل يجلي على كراسيه العازفين والجمهور، المغني وحده يغيب في الإيقاع مع سحر الموسيقى”.

لم تطمع أبدا في المال أو تسعى لتكوين ثروة؛ فالغناء بالنسبة لها كالحياة، تغني وتعزف على الطبول بقوة رغم ما يحتاجه ذلك من قوة بدنية يفتقده جسدها الهشّ الهزيل، لكن يبدو وكأن الغناء كان يمنحها تلك القدرة لتملأ خشبة المسرح الذي تقف عليها نغمًا وحضورًا وتأثيرًا يغرق فيه المستمعين أمامها.

ركود ثم توهج

عانت مسيرتها من الركود فترة طويلة، لكن عندما انضمت لفرقة Twinkling Stars أو النجوم المتلألئة لصاحبها محمد إلياس، عادت للتوهج مجددًا، وأصبحت المطربة الرئيسية للفرقة، وتطورت مهنتها خلال سنوات غنائها بتلك الفرقة، وسافرت معها في جولات غنائية في أوروبا والشرق الأقصى، ليذيع صيتها في الخارج.

مطربة الميناء

 

a7420c81 9b4c 4bcd a27d 74b68104927e " كيدودي" 10 سنوات علي رحيل كوكب القارة السمراء مطربة زنجبار فاطمة بنت بركة

في طفولتها وهي أبنة العاشرة من عمرها غنت أمام سفن التجار على الموانئ وفي الشوارع وعلى المسارح، دومًا بنفس الحماس والشغف حتى آخر لحظة، تقول عن بداياتها مع الغناء: بدأت على مركب صغيرة ، دون تعليم من أحد، كانت موهبتي تغذي صوتي وأدائي، كانت ترى أثناء وقوفها على الميناء التجار الغرب بسفتهم الكبيرة يجلسون للاسترخاء في الميناء، يحبون سمع قرع الطبول، فكنت مع الأطفال نستقبلهم بأغنية Alaminadora، في ذلك الوقت كانت بي كيدودي رثة الهيئة تبدو مثل متشردة.

تأثرت كيدودي برائدة الغناء في زنجبار “ستي بن سعد” (1880- 1950)، وهي أول امرأة تسجل أسطوانة غنائية في شرق أفريقيا، وغنت جنبًا إلى جنب معها، وأصبحت كيدودي واحدة من أولى النساء اللواتي غنين في الأماكن العامة، في خطوة شجاعة داخل مجتمع اتسمت نساؤه بالتحفظ.

وبعد ذلك عملت مع فرقة محلية تقدم موسيقى الدومباك، وهو نوع موسيقي أفريقي يعتمد على إيقاعات الطبول بشكل أساسي، ومستوحى من التراث السواحيلي يستخدم فيه آلات عربية مثل العود والقانون مع الطبول وآلات النفخ الأفريقية جنبًا إلى جنب، وفي الوقت الذي سافرت فيه ستي بنت سعد إلى بومباي لتسجيل أول أغنية لفنان أفريقي عام 1928، بدأت كيدودي جولة في شرق أفريقيا تنقلت فيها من قطر إلى قطر عبر القطار.

غنت بالعربية لأم كلثوم والموسيقار المصري محمد عبد الوهاب

كانت كيدودي تجيد أكثر من لون غنائي تؤديهم بنفس القوة والتمكن، غنت بالعربية واشتهرت بأداء أغاني المطربة المصرية أم كلثوم، وألحان الموسيقار المصري محمد عبدالوهاب، وغنت التراث الزنجباري، وغنت الجاز، لا تحركها نوتة أو آلالات، بل تنطلق بوحي من الموهبة وخبرة السنين، ولم تعرف “الجدة الصغيرة” طعم الشهرة إلا في نهاية مسيرتها، ومنحت عام 2005 جائزة ووميكس العالمية، تقديرًا لمسيرتها وتأثيرها الثقافي، وكونها رمزًا للموسيقى التحررية في العالم، وفي 2006، تم إصدار الفيلم الوثائقي “Old As My Tongue: The Myth and Life of Bi Kidude”، عن سيرة حياتها.

الجدة الصغيرة

95823823 897208337357977 3373734769928962048 n " كيدودي" 10 سنوات علي رحيل كوكب القارة السمراء مطربة زنجبار فاطمة بنت بركة

اعتبرها المواطنون في تنزانيا بمثابة أم وجدة، ولقبت بـ”الجدة الصغيرة”، كما كانت بي كيدودي سخية بصوتها، كانت أيضًا كريمة على الفقراء والمحتاجين وقامت برعاية الكثير من الأيتام، لم تغلق يومًا بابها في وجه أحد، فقد عانت في طفولتها من الفقر الشديد، وتعرف جيدًا كيف يكون الجوع والحاجة، ومنحت كل ما لديها لمن حولها، حتى لو باتت مفلسة، فالنقود ليست في حسابات

رسائل بي كيدودي الغنائية:

أما رسائلها فكانت تركز بشكل كبير على حقوق حواء ومعاملة المرأة بالتي هي أحسن، فكانت تشجب إساءة معاملتها، وتطرقت من خلال أغنياتها الفريدة لتعالج مواضيع متنوعة في ذات السياق الاجتماعي وفي اطار حماية حواء؛ مما مهد لها سبل الشهرة وارتياد آفاق ما وراء الهادي، فصارت نجما خارج نطاق تنزانيا، وكان الفضل في ذلك لإحدى صديقاتها، تدعى مريم حمداني، ومن ثمّ لانضمامها لفرقة “النجوم المتلألئة” حيث أصبحت مطربتهم الرئيسية؛ والجدير بالذكر أن هذه الخطوة كان لها أعظم الأثر في تطوير مسيرتها الفنيّة والحرفية بشكل غير متوقع، خاصة خلال صولاتها وجولاتها في الشرق الأقصى والشرق الأوسط وأوروبا.

في منتصف تسعينات القرن المنصرم شاركت مع فرقة “شيكامو جاز” التي استطاعت أن توفق بين مزج الألحان الزنجباريّة وموسيقى الجاز العالميّة. سافرت بأغانيها إلى بلدان عدّة وتغنّت كعادتها حافية الأرجل فأبهرت الجماهير الغفيرة في بولندا، إنجلترا، إيطاليا، ألمانيا والسويد وقد ساقتها شهرتها التي ما فتئت تزداد خارج القطر عاما تلو الآخر بشكل مبهر إلى الحصول عام 2005 على جائزة ووميكس العالمية، التي نصبتها وسيطًا ثقافيًا ومستشارًا للأجيال الشابة ورمزًا للموسيقى التحرريّة في كل أرجاء العالم. وحصلت في عام 2012 على وسام الفنون بتنزانيا وكان ذلك آخر التقديرات والأوسمة التي نالتها قبل أن تغادر دنيانا.

وفاة أيقونة الطرب الإفريقيّ:

 

afp.co highres " كيدودي" 10 سنوات علي رحيل كوكب القارة السمراء مطربة زنجبار فاطمة بنت بركة

توفيت المطربة الزنجبارية بي كيدودي، أم كلثوم إفريقيا أو الجدّة الصغيرة عن عمر فاق المئة وثلاثة عشر عاما وبعد معاناة مريرة مع المرض؛ بعد انتشار خبر الوفاة سلك آلاف الناس طريقهم إلى موقع المأتم بمنزلها وجرت مراسم الدفن به، وعم الحزن البلاد، وشيعها الآلاف إلى مدفنها في قرية كيتومبا، بعد الصلاة عليها في المسجد، بحضور الرئيس جاكايا كيكويتي الذي شارك في تشييع جنازتها،  وصار هذا المنزل في السنوات الأخيرة مركز جذب للسياح نظراً إلى شهرة المطربة التي حامت كل أنحاء العالم.

إقرا ايضا:-

تنزانيا.. تدخل تجارة الكربون المربحة بإنشاء أكبر وأعلى مشروع علي 2.4 مليون هكتار جنوب البلاد

من هي المطربة السودانية « الحكامة شادن » التي فقدت حياتها جراء الحرب في الخرطوم 

من هي المغنية الكولمبية كارول جي التي حققت أغنيتها ” القاهرة ” تريند 2 في العالم ؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »