أخبار عاجلةالرأي

الدكتور مجدي الشيمي يكتب : ما هو الاقتصاد الخفي؟

 

اقتصاد الظل أو الاقتصاد الموازي أو الاقتصاد الأسود ، أسماء عديدة لفهوم واحد ازداد الاهتمام به كثيرا في السنوات الأخيرة ، من أمثلته موظف في جهة ما يقود سيارة أجرة بعد العمل الأصلي علي سبيل العمل الإضافي‏,‏ وسباك يقوم بإصلاح ماسورة مياه تالفة لعميل ويحصل علي أتعابه نقدا لكنه لا يقر بهذا الإيراد لجهة الضرائب‏,‏ ومدرس يقوم بإعطاء دروس خصوصية ولا يقر بذلك لجهة تحصيل الضرائب كلها أمثلة للاقتصاد الغير رسمي أو اقتصاد الظل‏-‏ وهي أنشطة مشروعة وغير مشروعة تصل قيمتها سنويا إلي تريليونات الدولارات في معظم أنحاء العالم وتظل‏ ‏ خارج السجلات‏ ‏ بعيدا عن أعين رجال الضرائب والإحصائيين الحكوميين‏، وأدت العولمة Globalization وما صاحبها من تطور هائل في وسائل الاتصالات وتقدم علمي وتكنولوجي في مختلف المجالات والانفتاح عبر الحدود ، وانتشار الفساد المالي والاداري في العديد من دول العالم خصوصا الدول النامية بشكلٍ واسع، مما حقق لأصحاب القرار والمستفيدين أموالاً كثيرة غير مشروعة المصدر ، لذلك كان من الضروري أن تضفي الشرعية على هذه الأموال القذرة ، وهو الأمر الذي أدى إلى تنشيط عمليات غسيل الأموال ، فتنوعت صورها وتعددت أساليبها.

وبدأت المخاوف تتصاعد من تزايد انتشار هذه الظاهرة التي بدأت تشهد انتشاراً سرطانياً.

وعلي الرغم من أن الجريمة وأنشطة اقتصاد الظل تعد من حقائق الحياة منذ عهد بعيد‏,‏ وبالرغم من تزايد معدلاتها في جميع أنحاء العالم‏,‏ فإن معظم المجتمعات تحاول السيطرة علي نموها لدرء ما يمكن أن تنطوي عليه من عواقب وخيمة‏‏ فازدهار اقتصاد الظل ينال من موثوقية الإحصاءات الرسمية‏(‏ عن البطالة وقوة العمل الرسمية والدخل والاستهلاك‏),‏ وهو ما قد يجعل السياسات والبرامج التي تستند إليها غير ملائمة ولا طائل من ورائها.

وهو اقتصاد متنوع الأشكال، لكنه يعمل وفق مبدأ واحد هو مبدأ (السرية) أو اللاعلنية). متعدد الغايات لكنَّه ذو نزعة اقتصادية، توجد به كافة أشكال العلاقات الاقتصادية من (بيع وشراء – دائنية ومديونية – ربح وخسارة – تعاملات نقدية ومقايضة – بيع بالآجل وفوري.. إلخ)، وتوجد فيه كل أنواع الفساد والجريمة والأخلاق والبساطة. بأغلبه يعتمد على مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة.(يتضمن أكثر أشكال التبادل قدماً (المقايضة) وأكثرها حداثة (التجارة الإلكترونية)، ومن أبسط السلع (قوة العمل) إلى أكثرها تعقيداً (مخدرات وأسلحة)، إنه مجال خصب للغنى الفاحش والفقر المدقع، يضم شرائح متعددة سواء من حيث (العمر – الوضع الاجتماعي – الحالة التعليمية.. إلخ) يتواجد في كل الأنظمة (اشتراكية) أم (رأسمالية) أو ما بينهما، يعمل بمبدأ (أكبر ربح ممكن أو أقل خسارة ممكنة(

يعد الاقتصادي “جوتمان” Gutmann أول من لفت الانتباه إلى هذه الظاهرة عندما نشر بحثه عن الاقتصاد السفلى Subterranean Economy ، والذى أشار فيه إلى أن المعاملات الاقتصادية التى لا يتم تسجيلها ضمن حسابات الناتج القومى ليست بهذا القدر الهين الذى يمكن معه إهمالها. ونتيجة لذلك حاول الكثير من الاقتصاديين إثبات الفرضية التى طرحها “جوتمان” وذلك من خلال التأكد من الأهمية النسبية للاقتصاديات الخفية فى دول العالم المختلفة.

ولقد أثبتت هذه الدراسات إن الاقتصاديات الخفية كما ادعى “جوتمان” بلغت نسبا لا يمكن إهمالها من إجمالي النشاط الاقتصادى فى كل من دول الشرق والغرب. بل وأنها فى بعض الحالات تنمو بمعدلات لم تشهدها الاقتصاديات الرسمية.

ولقد أدى ذلك إلى تصاعد الاهتمام فى الكثير من دول العالم ، خصوصا المتقدمة منها ، بحجم ومستوى نمو أنشطة الاقتصاد الخفى ، وما إذا كان الاقتصاد الخفى يتزايد أم لا؟، وما إذا كان من الممكن قياس حجم الاقتصاد الخفى والتحكم فيه؟، وما إذا كانت التكاليف الاجتماعية المصاحبة لوجود الاقتصاد الخفى كبيرة أم لا؟، وغير ذلك من القضايا المرتبطة بوجود هذا الاقتصاد.

اقتصاد الظل أو الاقتصاد المستتر أو ما شابه ، مصطلحات تعني شيئا واحدا ألا وهو كافة الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها الأفراد أو المنشآت ولكن لا يتم إحصاؤها بشكل رسمي ولا تعرف الحكومات قيمتها الفعلية ولا تدخل في حسابات الدخل القومي ولا تخضع للنظام الضريبي ولا للرسوم ولا للنظام الإداري والتنظيمي.

ويقصد بهذا المفهوم كل عمل أو إجراء يهدف إلى تحويل أو إخفاء أو نقل أو تغيير طبيعة وملكية ونوعية وهوية الأموال المحصلة من أنشطة أو أعمال إجرامية وغير قانونية أو غير مشروعة بهدف التغطية أو التمويه على مصدرها ولكي تظهر في النهاية أنها من مصادر مشروعة وهذه الظاهرة ليست حديثة بل هي قديمة جدا.

ويشمل اقتصاد الظل أنشطة اقتصاديةً مشروعة ونظيفة ولا تتعارض مع الأعراف والمبادئ والقيم والعادات الموروثة مثل كافة الأعمال المنزلية التي يقوم بها أفراد الأسرة الواحدة أو بمساعدة جيرانهم وأقربائهم في المناسبات المختلفة و هي التي لا يتم تسويقها بل يتم استهلاكها داخل المنزل مثل طهي الطعام وتنظيف الملابس وتنظيف المنزل والعناية بالحدائق المنزلية وأعمال الصيانة الخفيفة للمنزل أو لبعض الأجهزة والادوات وكافة الأعمال التي يقوم بها أصحاب المنشآت الصغيرة لصالح منشآتهم دون أن يتقاضوا عليها عوائد مباشرة ودون أن يتم قيدها في السجلات المحاسبية للمنشأة • ومن الأمثلة كذلك استخدام المرء لسيارته الخاصة كسيارة أجرة كما يحدث في موسم الحج وغيره واستخدامه لمنزله أو جزء منه للإيجار بشكل غير رسمي أو لمشاريع أخرى.

ولكن من الأمثلة على الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة أيضا وغير النظيفة في الوقت ذاته والتي تدخل تحت مسمى الاقتصاد الخفي : تجارة المخدرات وتجارة السلع المسروقة والسلع المهربة ولعب القمار وتهريب البشر بين الدول والرشاوى والاختلاسات وكافة صور الفساد المالي التي تؤدي إلى كسب المال بطرق غير مشروعة واختفائه من القيود المحاسبية في القطاعين العام والخاص، والمقايضات غير الرسمية وغير المشروعة بالسلع والخدمات والمصالح والمنافع التي تقود إلى الفساد الإداري والمالي.

يعرف المدقق العام في كندا الاقتصاد الخفي بأنه “صفقات قانونية في سلع وخدمات والتي تكون خفية ، ينتج عنها تهرب من الضرائب. يستثنى هذا التعريف نشاطات مثل المتاجرة بالمخدرات ، وتهريب المخدرات ..الخ)

وينظر إليه آخرون بأنه تلك الأنشطة غير المدرجة بالحسابات القومية فهي أنشطة بعيدة عن القنوات الاقتصادية المعلنة وبعيدة أيضاً عن الرقابة والإدارة الاقتصادية للدول ، وهي أما أن تكون أنشطة مشروعة أو أنشطة غير مشروعة.

وهناك من ينظر إليه بأنه الظاهرة التي تتعلق بأوجه نشاط تمتد من الأنشطة المشروعة نسبياً إلى الأنشطة الإجرامية تماماً والتي تفلت من مأمن الانتباه الرسمي ، وقد تشوه الإحصاءات الرسمية وتؤدي إلى سياسات خاطئة.

 

* الدكتور مجدي الشيمي : باحث متخصص في الشأن الأفريقي ومؤسس مبادرة حدوته إفريقية

إقرأ المزيد 

الدكتور مجدي الشيمي يكتب : عبدالناصر وثورة يوليو ١٩٥٢ ” الزعيم الذي أحب قوميته فعشقته ملايين الشعوب “

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »